حين سألت الشيخ عكرمة صبري عن ( حكم) زيارة المسجد الأقصى تحت الاحتلال قال لي : انه ليس مع ( المنع) المطلق… ولا مع ( الإباحة ) المطلقة ، وذكر أنه سبق وأفتى بجواز الزيارة للمسلمين المقيمين خارج العالم الإسلامي للقدس الشريف .
السؤال ذاته عرضته على الدكتور علي قرة داغي فذكر لي انه – ايضا- مع (الاباحة) المنضبطة و المشروطة ، فمن حق الفلسطينيين إينما كانوا في فلسطين أو خارجها ومهما كانت جنسياتهم أن يزوروا الأقصى ، كما وافق على ما قاله الشيخ عكرمة فيما يتعلق بعدم الحرج في زيارة المسلمين من حملة جنسيات بلدان خارج العالم الإسلامي.
كانت المناسبة – بالطبع- انعقاد مؤتمر ( الطريق الى القدس) خلال الايام الثلاثة الماضية، وقد احتلت مسألة ( الزيارة) جزءا كبيرا من مداولات المشاركين من علماء دين و سياسيين من مختلف انحاء العالم الاسلامي، وانقسمت الاراء الى مؤيدين و رافضين ، فيما كان لابد من حسم الإجابة على ها السؤال المعلق الذي انشغل به المسلمون منذ أكثر من نصف قرن.
على تخوم المؤتمر ، كان إخواننا في (جماعة الاخوان المسلمين) يرصدون ما يمكن ان يصدر عن ( المؤتمر) من فتوى ( دعك من التوصيات) ، وكنت اعتقد أنهم سينتظرون ما سيخرج عنه من نتائج ، لكنهم بدأوا بالهجوم مبكرا، واستبقوا الحدث بإدانته وتجريح أهدافه ومداولاته، وقد اخطأوا هنا مرتين : مرة لأنهم تصوروا في البيان الذي أصدروه أنهم وحدهم من يدافع عن القدس و الأقصى و المقدسات ، وأن مواقف غيرهم مشكوك فيها مالم يثبت العكس، وهذا التصور – للأسف- يعبر عن منطق ( استحواذي) كنت اتمنى ان يكون اخواننا قد ( شُفوا) منه ، واخطأوا مرة الأخرى حين ظلوا متمترسين حول ( فتوى) منع الزيارة على الاطلاق ، وقد يكون ذلك من حقهم ، لكنهم ( حرموا) غيرهم من الاجتهاد في المسألة ، وشيطنوه ايضا، وهذا الموقف 🙁 الخطأ ان شئت) يعبر عن منطق لا يقيم وزنا للاختلاف في الرأي أو فهم الشرع، كما أنه لا يقبل ( التنوع) و لا يعترف به ،لأن معظم الذين حضروا حريصون (مثلهم )على تحرير ( الأقصى) ودعم الأهل الصامدين و المرابطين فيه ، وهم ( فئة ) نفروا من اجل ذلك ، و يفترض ان نرد عليهم التحية لا أن نواجههم باللمز و التشكيك .
الفتوى التي أجمع عليها العلماء المشاركون تضمنت بندين اثنين، احدهما: إجاز زيارة الأقصى للفئتين اللتين ذكرتا في سياق اجابة الشيخين صبري و قرة داغي، وقد اشرت اليهما في بداية المقال ، و البند الآخر حدد الضوابط التي يجب ان تراعى دائما وهي : الاّ يترتب على ذلك تطبيع مع الاحتلال يترتب عليه ضرر بالقضية الفلسطينية ،و أن تحقق الزيارة الدعم و العون للفلسطينيين دون المحتلين، و وجوب كون البيع و الشراء و التعامل و المبيت و النقل لصالح الفلسطينيين دون غيرهم ، وان يدخل الزائر ضمن الأفواج السياحية الفلسطينية او الأردنية بعيدا عن برامج الاحتلال، ثم يفضل ان يكون مسار الرحلة للأقصى ضمن رحلات الحج و العمرة قدر الإمكان وبشكل جماعي مؤثر يحقق المصلحة الشرعية المعتبرة ويدعم الاقتصاد الفلسطيني تحديدا، وسياسيا بهدف حماية الأقصى و المقدسات .
اذا سألتني عن أهمية المؤتمر فهي تتعلق بثلاث مسائل : إحداها انه جاء في وقت تأخرت فيه قضية فلسطين عن سلم اولويات العالمين العربي و الاسلامي، وبالتالي فإنه اعادها الى دائرة الاهتمام، ستقول لي لسنا بحاجة للمؤتمرات والخطابات، وردي على ذلك إننا بحاجة دائما لكل شيء يذكرنا بالقضية و يزرعها في قلوبنا وعقولنا
بقي لدي ملاحظتان: احداهما ان الدعوة لفك الالتباس في قضية زيارة الاقصى او مجالات تقديم الدعم للفلسطينيين ماليا وسياسيا، لا يجوز ان تشغلنا عن الهدف الأساس وهو تحريره واطلاق سراحه من الاحتلال، اعرف ان مهمة التحرير تحتاج الى ( أمة) قادرة تعرف كيف تخطط و تصنع استراتيجيات التحرير، لكن هذا ( الحلم) يجب ان يظل حاضرا في ذاكرتنا ومشعلا لهمتنا على الدوام ، أما الملاحظة الثانية فهي ان الاهتمام بالاقصى كرمز للقضية الفلسطينية ، والحفاظ عليه من الهدم و الاستيطان و التهويد، إضافة الى غيره من ( المقدسات) الاسلامية و المسيحية، يجب ايضا ألا ينسينا الاهتمام بالانسان الفلسطيني ، فالتركيز على البنيان كرمز روحي و سياسي يتوازى تماما مع التركيز على الانسان الفلسطيني لأن العلاقة بين البشر و الحجر – في جغرافيا القداسة – علاقة انصهار لا تقبل الانشطار .
المصدر : https://wp.me/p70vFa-4vW