هناك لحظة اكتشاف للذات قادت كريستينا كارلسون لإطلاق شركتها لبيع الأدوات المكتبية خلال عقد التسعينيات، والتي أصبحت الآن شركة عالمية تقدر مبيعاتها بنحو 80 مليون دولار استرالي.
طالما وصفت كارلسون نفسها بلقب “المهووسة بالأدوات المكتبية”، أي ذلك النوع من الأشخاص الذي يجد سعادته في استعمال أشياء مثل الدفاتر الجديدة، والأقلام المبرية للتو.
ولهذا كان ملائماً أن تبدأ حياتها العملية بقائمة من الأشياء البسيطة التي ينبغي أن تفعلها.
قبل حوالي 20 عاماً، وبعد ليلة لم تذق فيها طعم النوم من كثرة التفكير في مستقبلها، نهضت كارلسون من فراشها في الساعة الثالثة فجراً، وسجلت أحلام يقظتها على الورق.
كانت كارلسون، وهي سويدية الأصل، تبلغ في ذلك الوقت 24 عاماً، حين انتقلت للعيش في ميلبورن بأستراليا، لتكون مع شريك حياتها بول لاسي، وكانت تجتهد لتحدد هدفها في الحياة.
وتقول في هذا الصدد: “كان من الصعب الاستقرار في بلد جديد. شعرت حقاً بأنني في حالة من الضياع”.
وبتشجيع من زوجها ليسي، كتب كارلسون ما تسميه الآن “قائمة العام”، وهي مجموعة من الأهداف والقيم للعام الجديد. وكتبت أنها تريد أن تحب عملها، وأن تكون المالكة لعملها الخاص، وأن تبقى على اتصال ببلدها الأصلي السويد.
وكان لديها أيضاً طموحات مالية متواضعة، وتقول ضاحكة: “رغبت في أن يكون دخلي 500 دولار في الأسبوع”.
واستمرت كارلسون في طريقها لتؤسس شركة “كيكي.كيه”، وهي شركة عالمية لبيع الأدوات المكتبية واللوازم المنزلية. ويوجد حالياً 100 متجر للشركة في أنحاء أستراليا، فضلاً عن متاجر في نيوزيلندا، وسنغافورة، وهونغ كونغ، وحديثاً جداً في المملكة المتحدة.
لقد أصبحت شركة “كيكي. كيه” اسماً يتردد في كل بيت في أستراليا، حيث تُعرف هناك بجمال تصميماتها السويدية، والرسائل التحفيزية التي تنطوي عليها منتجاتها.
ويمكنك حتى شراء “مجلة العام”، والتي يشير اسمها إلى ذكرى حلم كارلسون في عيد الغطاس.
تقول كارلسون: “نحن نبيع منتجات مستندة إلى الأحلام، كيف تحلم وكيف تصنع حياة أحلامك”.
ترعرعت كارلسون في مدينة فالكنبرغ السويدية الصغيرة، حيث حلمت بأن تجول العالم في يوم من الأيام.
وقضت سنوات مراهقتها وبدايات العشرينيات من عمرها في مهن متعددة في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، بما في ذلك الفترة التي قضتها كجليسة أطفال في بفرلي هيلز، حتى التقت بالسيد لاسي في منتجع للتزلج على الجليد في النمسا.
وبعد الانتقال إلى ميلبورن، وكتابة “قائمة العام” الخاصة بها، قررت كارلسون أن تنشيء مكتباً في بيتها. لكنها وجدت أنها اشتاقت للأدوات المكتبية “البسيطة الجميلة والعملية” المتوفرة في السويد.
وتقول إنها وجدت صعوبة في استراليا في العثور على أي شيء خارج المحلات الرئيسية الكبيرة، والشركات التي تبيع تلك الأدوات.
وكوني سويدية، وترعرعت وحولي أدوات مكتبية مختلفة، ودفاتر وكراسات جميلة حقاً، وجدت أن كل شيء في أستراليا غالي الثمن، وذو تصميم سيء وممل”.
ولأنها شعرت بوجود فجوة في السوق الأسترالي، أطلقت كارلسون شركة “كيكي. كيه” التي تحمل اسمها الذي عرفت به أيام الطفولة. وشرعت في تصميم الكراسات وبطاقات المعايدة وفق الأسلوب السويدي الخاص بها وبيعها لأصدقائها.
وبحلول عام 2001 أطلقت، أول متجر لها في مركز التسوق المركزي في ميلبورن، مع أن ذلك انطوى على مخاطرة تمثلت في أن يبيع لاسي منزله ليتمكن من شراء ذلك المتجر.
ويقول لاسي الذي أصبح شريكها أيضا في تلك الشركة: “كنت مفعماً بالإيمان. وباستثمار بسيط يصاحبه طموح كبير، ونمو سريع، يمكنك غالباً استثمار المال بنجاح لتحقق النمو، مع إيمانك بحتمية هذا النجاح”.
وقد صادفت تلك المغامرة نجاحاً حقيقا، فقد بدأت هذه التجارة تنمو بسرعة، مع إضافة الهدايا والمستلزمات المنزلية الأخرى إلى مبيعات الشركة، ومحاولةً اتباع خطط تسويق معينة بهدف تشجيع الزبائن المعجبين بتلك المنتجات.
وتقول كارلسون إن على المرء أن يدير ورش عمل تحفيزية في متاجر “كيكي. كيه” حول مواضيع مثل تحديد الأهداف، والتخطيط وتحفيز الذهن، والتي أصبحت “واسعة الانتشار”.
وعلى الرغم من حسها التجاري، لم تكن كارلسون تحمل درجة جامعية أو خبرة في مجال المال والأعمال عندما أسست “كيكي. كيه”، وكانت تجد صعوبة أيضا في تعلم اللغة الإنجليزية.
أما عن الانتكاسات في تاريخها، فهي أحداث تقع بشكل معتاد ومنتظم.
ففي إحدى المناسبات قبل خمس سنوات، تحول خطأ مطبعي في ورقة حسابات إلى فائض منتجات بقيمة مليون دولار. ويقول لاسي: “نحن بشر عاديون جداً، وعندما يقع شيء كهذا، فإنه يحبس أنفاسك”.
ويضيف: “لقد أرغمنا في يناير بعد أعياد الميلاد في تلك السنة على أن نبيع الفائض بشيء من الصعوبة. لقد تعلمنا كثيراً من هذا الخطأ بحيث انتهي بنا الأمر في السنوات التالية لذلك إلى شراء المزيد من البضائع قبل حلول أعياد الميلاد، واثقين بأننا سنبيع بشكل جيد خلال شهر يناير”.
وللمساعدة في إدارة الشركة في السنوات الأخيرة، عينت كارلسون مديرا تنفيذيا، بينما احتفظت هي بمنصب مديرة الإبداع.
وتبقى هي لاسي المساهمين الأكبر في الشركة، لكن الشركة تضم أيضاً مستثمرين آخرين. وتقول كارلسون إنها “خططت منذ البداية” للتوسع باتجاه أسواق في الخارج.
ففي 2015 افتتحت “كيكي. كيه” متجراً في بريطانيا، هو الأول لها خارج منطقة المحيط الهادي الآسيوية. كما تبيع الشركة أيضاً منتجات في محلات نوردستروم الضخمة في الولايات المتحدة وعبر الإنترنت لزبائن في 143 بلداً.
يقول جاري مورتايمر، الأستاذ المساعد بكلية إدارة الأعمال في جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا: “حقاً هناك تقدير وإعجاب بالتصميم الإسكندنافي. وهو يحظى بإقبال كبير من الغربيين على اختلاف ثقافاتهم، كما نلاحظ من النجاح الذي حققته شركة أيكيا”.
وقد ازدهرت منتجات الأدوات المكتبية المتميزة بتصميمها وحداثتها كذلك في عصر الإعلام الإجتماعي، حيث يقوم المدونون ومستخدمو انستغرام بالتنافس على تصميم بطاقات المعايدة مصحوبة بالزخارف الكتابية.
ويقول لاسي إن الكثير من زبائن “كيكي. كيه” على مستوى العالم اكتشفوا العلامة التجارية للشركة عن طريق الإنترنت.
ويضيف: “هناك ظاهرة الناس الذين يصورون أنفسهم ويرسلون مقاطع فيديو على يوتيوب لأنفسهم وهم يفتحون صناديق منتجات ‘كيكي. كيه’ الجميلة. كانت هذه المقاطع سريعة الانتشار على الإنترنت”.
لكن التوسع على مستوى دولي له ثمن، فقد عانت الشركة من خسارة بلغت 8.4 دولار أسترالي عام 2017 عندما استثمرت خلال فترة تراجع فيها النمو العالمي. وتقول الشركة إنها تفكر في تأمين استثمارات إضافية.
ويقول مورتايمر: “أعتقد أن أي استثمار على مستوى العالم هو خطوة كبرى ومجازفة حقيقية. لا تستطيع الذهاب إلى بلد ومن ثم تتوقع مردوداً فورياً”.
ويقول إن شركة “كيكي. كيه” تمتلك شيئاً واحداً لصالحها هو: قصة بداية تتطابق مع العلامة التجارية.
ويضيف: “المالكة سويدية، والتصميم اسكندنافي، لذا يوجد الكثير من الأصالة بين الملكية والعلامة التجارية. وهناك قسم يكبر من المتسوقين الذين يرغبون حقاً في معرفة القصة الكامنة وراء الاسم. أعتقد أن ذلك هو ما يشجع ويشكل دافعاً لرجال الأعمال المبتدئين في عصرنا الحاضر”.