وافق مجلس مدراء صندوق النقد الدولي الذي انعقد مساء أمس على إقراض مصر 12 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات، على أن يُصرف فوراً 2.75 مليار دولار.
وكانت التوقّعات المبكرة بقرار مجلس المدراء التنفيذيين لصندوق النقد الدولي، بقبول إقراض مصر 12 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات، دعمت قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، والذي كان قد بلغ بعد أيام من قرار تحرير سعر الصرف 18 جنيهاً، قبل أن يتراجع إلى أقل من 16.5 جنيه في المتوسط، قبيل انعقاد مجلس مدراء الصندوق. كما عدلت أمس مؤسسة «ستاندرد أند بورز» نظرتها المستقبلية لديون مصر السيادية إلى مستقرة من سلبية. وقد دعمت تلك التوقعات الإجراءات الاقتصادية التي أقدّمت عليها مصر مؤخراً، والتي دفعت كريستين لاغارد، مديرة «صندوق النقد الدولي»، لتوصية مجلس المدراء التنفيذيين للصندوق بالموافقة على طلب القرض المصري.
الفوز بقرض الصندوق لم يكن دون تكلفة، فقد اضطرت مصر لتوفير من خمسة إلى ستة مليارات دولار كقروض باتفاقات ثنائية مع دول أخرى. كما دفع مصر لتحرير سعر الصرف ورفع أسعار الوقود، وقبل ذلك إصدار قانون الخدمة المدنية بهدف خفض فاتورة الأجور بالموازنة العامة للدولة، وزيادة الإيرادات عبر تطبيق ضريبة القيمة المضافة. وهي الإجراءات التي أدت لموجات من ارتفاع الأسعار.
ومن المقرّر أن تستخدم مصر قرض صندوق النقد الدولي في دعم احتياطي النقد الأجنبي الذي تراجع من 36 مليار دولار في عام 2011، إلى حوالي 19 مليار دولار مؤخراً، وكذلك خفض عجز الموازنة العامة للدولة، والذي زاد على 12 في المئة في مؤشرات الحساب الختامي لموازنة 2015 – 2016.
ومن ناحية أخرى، لم تشهد مصر من «ثورة الغلابة» أمس، سوى ما قامت به الدولة من استعدادات أمنية توحي بأن ثورة بالفعل على وشك الاندلاع.
فقبل حلول جمعة 11 تشرين الثاني، تمركزت قوات كبيرة من الأمن في الميادين الكبرى وكافة الأماكن المرشحة للتظاهر. كما تم إغلاق محطة مترو التحرير منتصف الليل (أمس الاول)، في تقليد أصبح معتاداً عند توقع تحركات أو احتجاجات. ووسعت قوات الأمن دائرة الاشتباه للمارة خاصة في محيط ميدان التحرير والميادين الكبرى.
القاهرة لم تشهد احتجاجات تُذكَر، بل على العكس شهدت، كالعادة في مثل هذه المناسبات، مسيرات لمؤيّدي النظام في حماية الأمن، والحدث الوحيد المفاجئ كان ظهور وزير الدفاع الأسبق المشير محمد حسين طنطاوي في زيارة مفاجئة لميدان التحرير، حيث استقبله مؤيّدو النظام ووجّه التحية لقوات الأمن التي تسيطر على الميدان. طنطاوي الذي انقطعت أخباره منذ فترة كان رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تسلّم السلطة عقب إطاحة «ثورة يناير» مبارك، وبعد إقالته في العام 2012 من قبل محمد مرسي لم تظهر أخباره كثيراً، حتى زار ميدان التحرير أمس.
ورغم إعلان جماعة «الإخوان المسلمين» أمس الأول على نحو مفاجئ مساندتها لدعوة التظاهر في 11 تشرين الثاني داعية القوى الثورية للتوحّد، إلا أن مساندة «الإخوان»، أو أحد أجنحتها، للدعوة في الساعات الأخيرة، لم يخلق تغييراً كبيراً في الاستجابة للدعوة.
التظاهرات المحدودة التي شهدتها مصر بالأمس لم تتناسب بالمرة، لا مع مضمون الدعوة التي دعت لـ «ثورة الغلابة» ضد الإجراءات الاقتصادية التي يتخذها النظام، ولا مع الاستعدادات الأمنية التي كانت تكفي بالفعل لمواجهة ثورة، وليس مسيرات محدودة كالتي شهدتها مصر الجمعة.
وعلى الرغم من خلوّ شوارع القاهرة وميادينها من المارة منذ صباح أمس بعد الدعاية المكثفة المحذرة من التظاهر، وسيطرة الهدوء على ميادين القاهرة وشوارعها، إلا أن بعض المحافظات شهدت تجمّعات محدودة ضمت المئات.
وشهدت محافظات مثل البحيرة والسويس والجيزة والشرقية والمنيا والمنوفية، تظاهرات لم ترفع هوية سياسية أو حزبية، وصبّت هتافاتها ضد ارتفاع الأسعار ومعارضة النظام، إلا أن وسائل إعلام محلية رجّحت قيام «الإخوان» بتنظيم تلك المظاهرات. وشهدت بعض تلك المظاهرات رغم صغر حجمها صدامات، حيث تدخل الأمن لفضّ بعضها بالقوة وأطلق الغاز المسيل للدموع لتفريق بعضها، كما ألقي القبض على العشرات من المتظاهرين تجاوز عددهم المئة في البحيرة وحدها.
مرّ يوم «11 نوفمبر» سريعاً ومن دون أحداث ضخمة. وما شهدته بعض المحافظات لم يكن يتناسب مع العنوان الذي انطلقت تحته الدعوة، «ثورة الغلابة»، كما أنه لم يتناسب إطلاقاً مع حجم الاستعدادات التي اتخذتها الدولة لإجهاض ثورة محتمَلة لم يتبنّها أحد، ولا مع حجم الدعاية التي ضخمتها بقوة قبل أسابيع من موعدها. ولكن الأهم أنها لم تتناسب بالمرة مع طبيعة الإجراءات الاقتصادية التي بدأت الحكومة بالفعل في تطبيقها، مُحدثة غضباً بين «الغلابة» لا ينكره أحد.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-gtw