ولحسن الحظ، فإن تلك النقاشات ذات الصلة بالإصلاح الداخلي تتسم بالمتانة والقوة . ويعرف أن الأسواق المالية الدينامية تمثل عنصراً جوهرياً في أي اقتصاد يأمل بتحقيق نمو مستدام ويعمل حثيثا لمنافسة الأقطار الثرية في الانتاجية، وهو ما تطمح الصين لتحقيقه في هذه المرحلة، ولعل أقرب إشارة إلى ذلك ما قاله نيكولاس لاردي من معهد بيترسون للاقتصادات الدولية في أحدث دراسة له: “تفرض الإيداعات الحقيقية السلبية ضريبة ضمنية عالية على العائلات، وهي تمثل شبكة واسعة من المودعين في النظام البنكي، وتقود إلى استثمار واسع وكثيف في الإعمار السكني . وتعمل مستويات الإقراض الحقيقي السلبي على دعم الاستثمارات في الصناعات التي توظف رؤوس أموال ضخمة، وهو ما يؤدي إلى تقويض الهدف من إعادة هيكلة الاقتصاد لمصلحة الصناعات الخفيفة والخدمات.
ويعلم لاردي أيضا أن إلحاق الضرر بهذا النظام المالي يحدث في إطار نظام أوسع يخص المدخرات الضريبية وهو ما يعزز الاستثمار ويقلص الاستهلاك الذي يؤدي إلى تداخلات واسعة في أسواق العملات الصعبة وإلى مراكمة ضخمة لاحتياطي العملات الصعبة . إن القضية الأعمق بالنسبة للإصلاح هي أن هذا النظام لم يعد يسهم في تعزيز النمط المطلوب للتنمية . إلا أنه بات مترسخا بعمق في الاقتصاد إلى درجة أن الإصلاح بات مشحون سياسياً ومثير للاضطراب اقتصاديا . ويمكن هنا طرح سؤال آخر وهو ما إذا كان ذاك الاصلاح معقولاً من الوجهة السياسية . ولكن المتوقع هو أن تكون هذه مسيرة بطيئة.
ولكن كيف يمكن لمقترح مجلس عمليات الإعمار أن يتحرك قدما نحو الانفتاح ومن ثم ينسجم مع حركة الإصلاح الحذرة؟
يمكن أن تحل الحرية الموسعة لتدفقات رأس المال المتخيلة على مدى السنوات الخمس المقبلة مكان تراكمات احتياطي النقد الأجنبي . ومن ثم إذا تناغمت هذه مع تحركات مفترضة لجهة وضع أسعار حقيقية أعلى، فإن مدخرات الصين وفوائض الحساب ربما تنفجر ما يؤدي إلى زيادة الخلل الخارجي سوءاً.
ويشار إلى أن إجمالي المدخرات الصينية تصل إلى نسبة سنوية تقدر بأكثر من 3 تريليونات دولار أي إكثر من إجمالي المدخرات الأمريكية بنسبة خمسين في المئة .
ولا ريب فإن العالم كله يبدي اهتماماً كبيراً في تحول الاقتصاد الصيني نحو نمو أكثر توازنا . وللعالم اهتمام متواز في الطريقة التي تدير فيها الصين عمليات الإصلاح الداخلي وانفتاح نظامها المالي . وتحتاج سلسلة هائلة من السياسات إلى التنسيق، بشكل خاص ما يخص التنظيم المالي والسياسات النقدية وأنظمة الصرف . وفي حال تم تنفيذ ذلك على وجه حسن فإن أزمة الأقطار ذات العائدات العالية لن تندفع باتجاه “الأزمة الصينية المتوقع حدوثها في عشرينات وثلاثينات القرن الحالي . ولكن في حال تم تنفيذ ذلك على نحو سيىء، فحتى الصينيون يمكن أن يفقدوا السيطرة، وتكون النتائج وخيمة”.
ويقترح مجلس إدارة الأعمال جدول إصلاحات ينسجم مع احتياجات الصين والعالم . ولكن إذا كان ذلك سيحدث من خلال مناقشة جميع التداعيات، فلا بد أن يبدأ الآن . ولا شك فإن السياسات الصينية لا تهم الصينيين وحدهم، وهو ما يعنيه أن تصبح الصين دولة عظمى، ولا بد للولايات المتحدة الاعتراف بهذه الحقيقة.
*نقلاً عن صحيفة “الخليج” الإماراتية.