لقد كنا نأمل بأن نصبح من الدول المنتجة للغاز فعليا، لكن نشرة “ميس” النفطية المتخصصة ذكرت في عددها الأخير والصادر في (5 مارس2012) بأن من الاستحالة الوصول إلى معدل إنتاج 600 مليون قدم مكعب في اليوم بحلول 2013 / 2014 كذلك استحالة الوصول إلى 1.5 مليار قدم مكعب في اليوم مع حلول عام 2016، بمعنى أن جميع الأرقام التي ذكرتها شركة نفط الكويت بخصوص معدلات إنتاج الغاز الحر هي باختصار “هباء في هباء”، و مازلنا في انتظار رد المؤسسة على تقرير “ميس النفطية”.
منذ البداية ومع اكتشاف الغاز الحر ونحن ننادي بأننا قد دخلنا مرحلة جديدة ، وأنه يجب ترك عملية تطوير وإنتاج الغاز للشركات العالمية المتخصصة، وأن مهمة استخراج وإنتاج الغاز الحر ليس من اختصاص الشركات النفطية وليست من مهماتها ، وهي مادة جديدة علينا ولا علم لنا ولا معرفة بعمليات استخراجها، ولا نعرف عن كيمائيات الغاز المكتشف ولا عن كيفية التعامل مع هذا النوع من الغاز الصعب، ونادينا مرارا ومنذ البداية بالاستعانة بالشركات العالمية والمتخصصة باستخراجه وإنتاجه، وأن تكون مهمة القطاع النفطي الكويتي المتابعة ورقابة تطوير الحقول الغازية والتأكد من الحفاظ عليها من العبث وإهمال المكامن، وأن تزيد من القيمة المضافة بالتعاون مع شركات تراقب تطوير المكامن والحفاظ على الحقول الغازية، خاصة وأن الغاز المكتشف من النوع الكبريتي الرطب ومن الصعب التعامل معه من نسبة الكبريت، وعميق جدا بالمقارنة مع الحقول النفطية وتحت ضغط عال ودرجات حرارة مرتفعة، وطالبنا كذلك ومنذ البداية بأن تكون الشركة على قدر من الشفافية، وأن تعلن بأنها غير قادرة على إنتاج وتشغيل الغاز الحر من دون الاستعانة الكاملة بالشركات العالمية المتخصصة، ويجب عليها إبلاغ جميع الجهات المعنية والأجهزة الرقابية لعمل عقود مقبولة لدى الدولة والإدارات المعنية لحماية حقوقنا الطبيعية وسيادتنا، والحرص في نفس الوقت على إنتاج الغاز بأفضل الطرق بالتعاون مع الشركات العالمية.
لكن القطاع النفطي تجاهل كل هذا وأراد أن يتعامل بنفسه مع هذا الموضوع ومن دون تدخلات من الجهات الرقابية، واعتمدت شركة نفط الكويت على الرقابة الداخلية التابعة لها، وحصلت على الموافقات المحلية من داخل المؤسسة والشركات التابعة، ولهذا السبب تعاقدت شركة نفط الكويت مع شركة “شل” بعقد خدمات تقنية بعد حصولها على موافقة من لجنة المناقصات التابعة لمؤسسة البترول، وحتى لا تكون عرضة للجهات الرقابية سواء من لجنة المناقصات أو من ديوان المحاسبة فقد تعاقدت مع شركات محلية لبناء البنية التحتية لإنتاج الغاز من معدات وأجهزة لفصل الكبريت والضغط و الدرجات العالية المرتفعة، مع العلم بأن الشركات المحلية لم تتعامل قط مع عمليات إنتاج وتشغيل الغاز الحر من قبل، ولا نعرف كيف تم تأهيل هذه الشركات المحلية حيث من الواضح أنه لاعلاقة لها بالغاز وتطويره، إلا إذا كان الاختيار على أساس أنها شركات مقاولات فقط لاغير، غير أن المؤسسة لم تغير من شروط التأهيل للتعامل مع استخراج الغاز الحر وتصنيعه ليتناسب مع عمل المقاولات.
والنتيجة: كارثة وطنية وأننا غير قادرين على إنتاج الكميات المطلوبة من الغاز حسب خططها وعلينا إعادة بناء جميع الوحدات مرة أخرى، وزيادة استيراد الغاز الطبيعي من الخارج وبقيمة تعادل حوالي 19 دولار لكل مليون وحدة حرارية، يعني في حدود 120 دولارا للبرميل الواحد.
والنتيجة الأخرى أننا لم نحقق الأهداف الاستراتيجية من زيادة إنتاجنا من الغاز الحر إلى معدل 175 مليون قدم مكعب في اليوم، حيث مازلنا عند معدل 140 مليون قدم، وصولا إلى معدل 1.5 مليار قدم مع نهاية 2020، أي إلغاء جميع الأرقام المتعلقة بإنتاج الغاز، المصيبة أيضا أن المشروع الآن شبه متوقف، والشركات المحلية لم تستطيع استكماله والشركة المحلية الثانية لا تستطيع العمل من دون وجود شريك أجنبي لمساعدتها تقنيا، أو ممول محلي، وهذا يعني وجود قرار خاطئ من البداية وحتى الآن.
المطلوب الآن وبصورة عاجلة هو تسليم مشروع الغاز إلى جهة أخرى بدلا من شركة نفط الكويت وتعيين مدققين خارجيين لمعرفة جميع الحقائق المتعلقة بالكميات المكتشفة من الغاز الحر والتأكد من سلامة المكامن، والتأكد أيضا من الشركات العاملة على المشروع ومنها “شل”، حيث يجب التأكد أنها حافظت على سلامة و صيانة المكامن ويجب معرفة الصعوبات والمشاكل والمعوقات التي حالت من دون تحقيق الوصول إلى معدلات الـ600 مليون قدم مكعب وتحديد مسؤولية الشركات، وسلامة الحقول والمكامن الغازية، والطلب كذلك من مجلس الأمة بضم المشاكل المتعلقة بعملية إنتاج الغاز الحر والمكثفات والنفط الخفيف إلى ملف التحقيق الجاري حاليا حول مخالفات شركة نفط الكويت، وعلى سبيل المثال عقد الخدمات التقنية مع شركة “شل” حتى نكون على بينة ومعرفة بكل ما يتعلق بمشروع تطوير الغاز الحر، وكذلك مناقشة تقرير نشرة “ميس” النفطية الأخيرة حول مشاكل الشركة مع الغاز.
لماذا لم تعمل مؤسسة البترول الكويتية بمبدأ الشفافية والمصارحة والمكاشفة منذ البداية حول مشاكلها مع إنتاج الغاز الحر، ولماذا علينا متابعة أخبارنا ومشاكلنا بالاستعانة بالنشرات النفطية الخارجية لمعرفة ماذا يدور في القطاع النفطي الكويتي، وإلى متى ستعمل شركاتنا النفطية في الخفاء وتحاول دائما أن تتجاهل دور الإدارات الرقابية المختلفة في الدولة، ولماذا لا تعمل بشفافية كافية تريحهم وتريحنا وتربحنا ولا تضرنا ؟!!!.