تكاد أنفاس “زين” الموظف في القطاع الحكومي في اليمن، أن تنقطع، قبل تمكنه من الحصول على راتبه الشهري، الذي لا يعرف موعدًا محددًا له، والمتراكم أحياناً، نظرًا لاستمرار أزمة السيولة النقدية التي تواجه البنك المركزي؛ لكن سرعان ما تُخطف منه هذه الفرحة حين يتفاجأ بفقدان جزء من معاشه بسبب تلف واهتراء العملة الورقية التي تُرفض خلال عملية التداول النقدي.
وتتلاحق الأزمات المختلفة التي خلفتها الحرب المشتعلة في البلاد، لتثقل كاهل المواطن اليمني، وتضاعف معاناته، ما أدى إلى تعاظم نُذر الانهيار الاقتصادي غير المسبوق، واتساع رقعة الفقر لتصل إلى أكثر من 85% من سكان اليمن المقدر عددهم بـ26 مليون نسمة. وفق أحدث تقارير البنك الدولي.
واتهمت الحكومة اليمنية، الحوثيين وأتباع الرئيس السابق علي صالح، باستنزاف الاحتياطي النقدي الخارجي لتمويل الحرب، وخرق الاتفاق بشأن استقلالية البنك المركزي الواقع في صنعاء، وتحييد المؤسسات المالية، قبل أن تطلب مؤخرًا من صندوق النقد الدولي، إيقاف تعاملاته مع البنك المركزي.
اجتياح السوق
في الآونة الأخيرة، اجتاحت السوق النقدية المحلية، كميات كبيرة من العملة الورقية التالفة، من فئات مختلفة، محدثة حالة من الإرباك في تعاملات اليمنيين النقدية، ومتسببة في عناء إضافي للمواطنين.
ويقول خبراء ومراقبون اقتصاديون، إن الأزمة الاقتصادية وأزمة السيولة النقدية، دفعت البنك المركزي إلى إعادة المبالغ التي كانت معدة للإتلاف إلى التداول، سواء عبر صرفها كمرتبات لموظفي الدولة أو غيرها من النفقات الأخرى.
ويشير الموظف الحكومي في وزارة العدل، زين عيديد، إلى أن “راتبه الشهري كغيره من الرواتب في الدوائر الحكومية، يُحول عبر محلات الصرافة، وعندما نتسلمه يُشترط علينا استلام جزء من الراتب من العملة الممزقة والتالفة، وإلا لن يتم تسليمنا إياه، فنضطر لاستلامه، وتبدأ بعدها رحلة المعاناة”.
ويضيف عيديد في حديث لـ”إرم نيوز”، أنه “يعمل على فرز الراتب بعد استلامه، لاستخراج التالف وما يمكن استخدامه والعملة السليمة، ويحاول إجراء صيانة للأوراق النقدية ووضع الملصق الشفاف والترقيع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ويتضح أنه قد فقد جزءا من الراتب، من خلال أوارق تالفة لا يمكن إصلاحها، ليضطر لاحقًا إلى دسّها وإخفائها بين أوراق نقدية مقبولة وسليمة، علّه ينجح في تمريرها وتصريفها”.
وبحسب آخر إحصائية للبنك المركزي اليمني، في 2013، فإن حجم العملة التالفة خلال العام بلغ 18 مليارًا و17 مليونًا و432 ريالًا يمنيًا، في حين تتجاوز العملة المتلفة شهريًا الـ100 مليون ريال، ما يكبّد الاقتصاد اليمني خسائر بعشرات الملايين كتكاليف استبدال وإتلاف العملات الورقية.
البنك المركزي يدفعها
ويرى رئيس مركز الإعلام الاقتصادي في اليمن، مصطفى نصر، أن “الأزمة الاقتصادية وما يشهده البنك المركزي من أزمة في السيولة النقدية تعودان لاختفاء كميات كبيرة من الريال اليمني، جزء منه مقصود وتم تخزينه، والجزء الآخر خرج خارج إطار العملية المصرفية، نظرًا لامتناع البنوك عن التسديد والتعامل أو صرف أموال المودعين بالريال اليمني من الأموال المودعة في لديها، وهذا ما دفع التجار إلى تخزين أموالهم دون اللجوء إلى البنك”.
ويضيف نصر في حديثه لـ”إرم نيوز”، أن “انعدام السيولة دفع البنك المركزي إلى إعادة المبالغ التي كانت مخزنة لإتلافها إلى جانب التالف مؤخرًا، إلى التداول، كمرتبات أو كنفقات أخرى”.
ويشير نصر إلى أن “هذه المبالغ التالفة لها تأثير كبير اقتصاديًا واجتماعيًا، فهناك من يرفض قبولها خلال التعاملات مع المحلات التجارية أو البنوك وغيرها الكثير، وبالتالي يفقد العامل اليمني جزءا من دخله جراء هذه العملة التي باتت غير مقبولة. إضافة إلى التأثير الاجتماعي، الذي يتسبب في مشاكل اجتماعية وأمنية نظرًا لعدم التعاطي معها ما يشعل شجارًا وصراعًا، وهذا عادة ما يحدث”.
وحول سبب سرعة تلف العملة اليمنية، يوضح نصر، أن “أوراق هذه العملة المستخدمة سيئة أو ليست بالجودة العالية، لأن اليمن عادة ما يبحث عن طباعة العملة لدى شركات روسية لرخص ثمنها، إلى جانب سوء الاستخدام من قبل المواطنين، خاصة أصحاب المهن، فهناك الكثير من المهن التي يتم فيها العبث بالعملة سواء عبر الكتابة عليها أو تلقيها بأيدي مبللة وغيرها من التصرفات العبثية التي تهدر هذه العملة”.
ويؤكد أن “سوء استخدام العملة عائد إلى قلة الوعي بسبب قيمتها المتدهورة التي تنعكس نفسيًا على المواطن، ما يدفعه إلى عدم الاعتناء بها والحفاظ عليها، إلى جانب عدم وجود توعية من قبل البنك المركزي أو المؤسسات المعنية لتوضيح أهمية الحفاظ على العملة، وعدم معاقبة العابثين بها”.
ويشهد اليمن انهيارًا كبيرًا للريال أمام العملة الأجنبية، حيث بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي أكثر من 310 ريالات يمنية في السوق السوداء، و250 ريالًا في السوق الرسمية، بفارق قرابة 100 ريال عن سعر الصرف قبل الحرب.
ضعف الثقافة البنكية
على الجانب الآخر، يقول مسؤول إداري في أحد المصارف المحلية الكبرى في اليمن، إن “مشكلة اقتصاد اليمن أنه اقتصاد نقدي والثقافة البنكية ضعيفة جدًا، وإلا فإن مشكلة السيولة النقدية يمكن التغلب عليها بتطوير منافذ لدفع السيولة واستخدامها إلكترونيًا، وهو ما تعتزم عمله بعض المصارف المحلية خلال الفترة المقبلة”.
ويرى المسؤول الإداري، أن “الحكومة الشرعية لابد لها أن تطبع كمية من الأوراق النقدية لسدّ هذه الحاجة الملحة، واستبدال التالف من السوق، لأن عجز البنك المركزي عن دفع الرواتب لمليون ومئتي ألف موظف، ستكون له آثار كارثية على البلد بشكل عام، لأن الرواتب هي التي تحرك السوق في ظل الحرب والحصار”.
ويشير إلى أن “المصارف التجارية تواجه صعوبات متعددة في التعامل مع العملات التالفة، ولذلك لم تعد تقبل المزيد منها، بسبب تكدس كميات كبيرة لديها وعدم قبول العملاء لها، إضافة إلى احتياج هذه المبالغ إلى خزانات أكبر، في حين أن فروع البنك المركزي لا تقبل إطلاقًا ما هو غير صالح منها”.