بعد مرور تسعة أشهر على بداية حركة الاحتجاجات وبسبب فرض عدة عقوبات من جهات غربية وعربية، تصبح سوريا
في مكتبه قرب مرفأ بيروت يحظى مروان شبلي، المدير العام لشركة الشحن “أنتراسيد” التي لها فرع في دمشق، بموقع مميز يمكّنه من مراقبة الوضع الاقتصادي السوري وصعوباته. ويؤكد مروان شبلي أن نشاط شركته اليومي في سورية قد تأثر بالأزمة وبالعقوبات الاقتصادية.
وهو يقول بحسرة “لم نعد نستطيع إخراج العملة والدفع في الخارج. والموردون مترددون في التعامل مع الشركات في سوريا، ولم يعد المستثمرون الأجانب متحمسون ومشاريع التنمية توقفت…ومنذ آذار/مارس انهار حجم نشاطنا من حيث التصدير والاستيراد بنحو 50 بالمئة واضطررنا لتسريح عشرات الموظفين”
ففي ظل سلسلة من العقوبات المفروضة من جهات غربية وعربية مثل تجميد الأصول وتجميد المعاملات التجارية والمالية مع البنك المركزي السوري والحظر على النفط وغير ذلك، أصبحت سوريا يوما بعد يوم في عزلة على المستوى الاقتصادي. ويعرف البلد “أسوأ أزمة” في السنين الأخيرة، حسب ما صرح به وزير الاقتصاد السوري، محمد نضال الشعار، في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر.
شيل وتوتال علقتا نشاطيهما
جميع القطاعات الاقتصادية الرئيسية في سوريا تأثرت. على سبيل المثال، فالسياحة التي تمثل نحو 12بالمئة من إجمالي الناتج المحلي تكاد تكون معدومة. يقول إبراهيم سيف، خبير اقتصادي في مركز كارنيغي للشرق الأوسط “كانت سوريا تتوقع استقطاب 5 مليارات دولارات من الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال السنوات الخمس المقبلة في هذا القطاع. لكن ذلك أصبح بعيد المنال وحتى المشاريع التي كانت قيد التنفيذ توقفت.”
ويعرف السكان نقصا في إمدادات الغاز وفي الأغذية وما إلى ذلك، وهم يشعرون أيضا بتداعيات هذه العقوبات. وحسب تقديرات الصليب الأحمر في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر كان 1.5 مليون شخص في حاجة إلى المساعدة الدولية للحصول على الغذاء. وعلى مستوى أصغر، استطاعت التنسيقيات المحلية، وهي إحدى شبكات الناشطين الرئيسية، جمع أكثر من 500 9 دولار من التبرعات التي ستمكّن من توزيع المؤن الأساسية (أرز وزيت وزبدة وعدس..) على 312 أسرة في كانون الأول/ديسمبر.
وقد خسرت الليرة السورية رسميا نحو 15بالمئة من قيمتها وانخفض الطلب الداخلي وأصبحت إمكانيات التصدير محدودة وغير ذلك من الآثار. وبعد تشديد العقوبات الأوروبية في أول كانون الأول/ديسمبر، علقت الشركة الإنكليزية الهولندية “شيل” والفرنسية “توتال”، وهما شركتان رئيسيتان في قطاع النفط السوري، أنشطتهما في البلد. وفي 11 كانون الأول/ديسمبر، أعلنت الشركة الكندية “سانكور إينرجي” بدورها نيتها بترحيل موظفيها وإلغاء بعض العقود.
وحسب إبراهيم سيف فإن “شركات روسية أو صينية قد تسعى إلى وضع يدها على النفط السوري، لكن حالة الاضطراب وعدم اليقين أقوى حاليا في البلد. لذلك فحتى إنْ كانت دمشق تستطيع عمليا إيجاد شركات بديلة عن الشركات الغربية، أظن أن لا أحد سيخاطر قبل التوصل إلى حل سياسي.”
ورغم تدهور الوضع الاقتصادي، يرى الخبراء أن دمشق ما زالت تملك بعض الإمكانيات للنهوض من كبوتها. إذ يوضح كمال حمدان، الخبير الاقتصادي ومدير معهد البحوث والاستشارات أن “سورية من البلدان الأقل اعتمادا على تجارتها الخارجية، ولا سيما بالنسبة إلى المنتجات الاعتيادية والأغذية، ومن البلدان الأقل مديونية في المنطقة وعندها احتياطيات هائلة من العملة الأجنبية، مما يمنحها قدرة على الصمود في وجه الضغوط.”
نظام منهك لكنه صامد
في بداية كانون الأول/ديسمبر، دعا النظام السوري على لسان وزير خارجيته، وليد المعلم، إلى “إلغاء” العقوبات المفروضة من الجامعة العربية في 27 تشرين الثاني/نوفمبر. ومع ذلك يرى كمال حمدان أن هذه التدابير لن تترجم في الأجل القصير على الصعيد السياسي.
يرى هذا الخبير الاقتصادي أن “العقوبات المقررة من الجامعة العربية سيكون لها وقع على المستوى السياسي أكثر منه على المستوى الاقتصادي، وهذه المؤسسة التي تعرف هذا الوضع لأول مرة لا تملك بالضرورة الإمكانيات اللازمة للتحقق من تنفيذ هذه التدابير ومراعاتها.”
أما الأوساط المالية السورية النخبوية والمقربة من الحكم فقد ظلت صامتة. يؤكد إبراهيم سيف أن “العلاقات بين الدولة وأوساط الأعمال قد بلغت مستوىً يجعلني أقول إن رجال الأعمال لن يتخلوا عن النظام. فمصالحهم ما زالت مرتبطة ارتباطا وثيقا بحكم بشار الأسد.”
سوريا: المنفذ البري الوحيد للبنان
لقد وصلت تداعيات الأزمة أيضا إلى الجانب الآخر من الحدود. فلبنان تأثر بوجه خاص: أكبر قسط من صادراته نحو البلدان العربية تعبر من سورية. ويوضح فؤاد زمكحل، رئيس تجمع رجال الأعمال اللبنانيين، أن “البضائع العابرة اليوم أقل بسبب قلة الطلب، و أيضا بسبب انهيار الثقة وارتفاع تكلفة التأمينات على الشحنات”.
ويرى فؤاد زمكحل أن نشاط شركته المتخصصة في الطباعة سيتراجع بنسبة تتراوح بين 20 و25 بالمئة هذه السنة بسبب الاضطرابات في سورية وفي المنطقة كلها. وهو لا يتوقع أن يتجاوز النمو اللبناني نسبة 1.5 بالمئة.
ويضيف السيد زمكحل بأنه “مهما حدث في سورية، فلن تعود الثقة إلا بعد وقت طويل. ورجال الأعمال في لبنان يفضلون الحياد إزاء الأزمة. لأنه سواء سقط النظام أم لا سنستمر في العمل مع رجال الأعمال في سورية.”.