ما لم تحدث معجزة، فإن ائتلاف المالكي سيحصد المرتبة الأولى في الانتخابات التي ستجري بعد ايام، وحتى لو لم يحدث ذلك، فإن اللعبة التي ابتكرها عام 2010 حين حل ائتلافه ثانيا، ستتكرر هنا، لتغدو الحكومة من حق الأغلبية البرلمانية، وليست من حق القائمة الأولى في الترتيب كما هو معروف في الأوساط العالمية.
لا يتفوق المالكي في الانتخابات بسبب عبقريته أو بسبب إنجازاته، بل لأسباب أخرى مختلفة تماما، ما يعكس طبيعة اللعبة الديمقراطية البائسة التي صاغها الاحتلال الأمريكي وركبها المالكي، إلى جانب التصنيف الطائفي الذي صاغه المحتلون في البلد على نحو لم يُعرف في تاريخه كله.
لا إنجازات تذكر للمالكي، والأمر هنا لا يتعلق بالشيعة أو بالسنّة، فالوضع بائس على كل صعيد رغم الإمكانات الكبيرة. نعم، لا تقدم يلمسه المواطن رغم ثروات البلاد التي يجري تبديدها بالفساد والإفساد، من دون مساءلة حقيقية، وإلا فمن يجرؤ على سؤال المالكي عن حجم مساهماته في حرب بشار الأسد ضد شعبه على سبيل المثال لا الحصر؟! ومن يسأله ومن حوله عن الثروات الهائلة التي جمعوها خلال السنوات الماضية؛ هم الذين جاؤوا على ظهر دبابة الاحتلال لا يملكون غير الملابس التي يرتدونها؟!
ما يمنح المالكي فرصة الفوز هي معطيات داخلية وخارجية لا صلة لها البتة بعبقريته ولا بإنجازاته، لعل أولها أنه يتصرف بالبلد كأنه ملك شخصي، إذ يسيطر سيطرة شبه مطلقة على أجهزتها العسكرية والأمنية والمدنية، ويمنح من شاء ما يشاء دون رقيب ولا حسيب، ويشتري ذمم السياسيين والنواب لتأكيد سيطرته.
لنسمع هذا التقييم من مقتدى الصدر لحكم المالكي، حتى لا يقال إننا نقيّم الرجل من زاوية طائفية. يقول الصدر: “ثلة جاءت من خلف الحدود”، تحكم عراقا “جريحا ومظلوما” باسم الشيعة والتشيع. العراق اليوم “بلا حياة ولا زراعة ولا صناعة ولا خدمات ولا أمن ولا أمان ولا سلام”. بحكومة لا ترعى الذمم وبرلمان “بكراسي بالية” لا تهمه سوى مصالح من فيه. “ذئاب متعطشة” للدماء تحكم. السياسة في البلاد أصبحت مدخلا للتفرد والانتهاك ليتربع “ديكتاتور وطاغوت، فيتسلط على الأموال فينهبها، وعلى الرقاب فيقصفها، وعلى المدن فيحاربها، وعلى الطوائف فيفرقها، وعلى الضمائر فيشتريها، وعلى القلوب فيكسرها”.
ولعل الأكثر أهمية في أسباب تفوق المالكي هو ما ذكره الصدر حول “الشيعة والتشيع”، فقد بث المالكي في صفوف الشيعة قناعة بأنهم مستهدفون بحرمانهم من حكم العراق، وأن مؤامرة خارجية تحاك ضدهم لأجل ذلك، وما هجومه المتواصل على السعودية وقطر، واتهامهما بالتآمر على العراق، وحديثه الدائم عن “الوهابيين والتكفيريين” سوى جزء من مساعي التحشيد الطائفي في بلد يعيش أزمة طائفية، وفي منطقة يتصاعد فيها الحشد الطائفي على كل صعيد. والنتيجة أنه يقول لهم إنني أدافع عنكم، وإذا لم تتشبثوا بي فأنتم مهددون دون شك.
أما البعد الآخر، فيتعلق بالدعم الإيراني والأمريكي الواضح له، في وقت باتت فيه إيران هي راعية الشيعة في العالم، وتثبت ذلك بكل وسيلة ممكنة، وحين يقول الصدر نفسه إن الحاكم الفعلي للعراق هو قاسم سيلماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، ومن يمسك عمليا بكل الملفات الخارجية في السياسة الإيرانية، فهذا يعكس بؤس الوضع الذي يمنح المالكي جماهيريته في أوساط الشيعة العراقيين. أما الدعم الأمريكي فهو واضح أيضا، ويشتريه المالكي بصفقات السلاح وغيرها من الصفقات، إلى جانب تقديم نفسه كمحارب شرس ضد القاعدة والإرهاب.
بذلك كله، ومن خلال الحرب المفتوحة على مناطق العرب السنّة التي يروّج لها كمُنتج للإرهاب، يحشد المالكي الشيعة البسطاء من حوله، وسيحصد تبعا لذلك الكثير من الأصوات، بخاصة أن القوى الأخرى تبدو مشتتة، إن كانت الشيعية التي تتراجع بسبب حشده للطائفة من حوله، أم السنيّة التي يشتري الكثير من رموزها، فيما تعيش هي الأخرى حالة تشتت غير مسبوق، وتقاتل في الانتخابات الحالية تحت لواء كتلة “متحدون للإصلاح” للحصول على ما يمكن الحصول عليه من مقاعد البرلمان حتى لا يتعزز تهميشها في المعادلة السياسية.
في ضوء ذلك كله، وفي ظل استمرار الحرب في سوريا، يمكن القول إن ولاية المالكي الثالثة لن تختلف عن الأولى، فالدكتاتورية بعبثيتها وفشلها ستستمر، والعنف سيستمر، والتهميش السياسي للعرب السنّة سيتواصل أيضا، ما يعني أن أزمة البلد لن تحل إلا إذا حلت أزمة الإقليم برمته في سياق العلاقة بين إيران والمحيط العربي وتركيا. وهي أزمة لا يمكن لأحد أن يجزم بمداها، وما إن كانت ستنتهي بحل سياسي قريب، أم بحرب طويلة ستستمر حتى يتعب الجميع ويجلسون إلى طاولة الحوار والبحث عن القواسم المشتركة التي تخدم مستقبل الشعوب، بعيدا عن الحشد الطائفي.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-4uQ