تبرز تقنية الطائرات بدون طيار كركيزة أساسية في جهود المملكة العربية السعودية نحو التنوع الاقتصادي، حيث تستفيد المملكة من مبادرة رؤية 2030 لتعزيز الابتكار في جميع الصناعات الرئيسية.
من البناء والنفط إلى الخدمات اللوجستية والزراعة، لا تعمل الطائرات بدون طيار على تعزيز الكفاءة التشغيلية فحسب، بل إنها أيضًا أساسية لتحقيق أهداف الاستدامة.
بفضل الدعم الحكومي القوي، من المتوقع أن يشهد سوق الطائرات بدون طيار في المملكة العربية السعودية نموًا كبيرًا. وتوفر الاستثمارات الاستراتيجية والإصلاحات التنظيمية بيئة مواتية لتكنولوجيا الطائرات بدون طيار، مما يضع المملكة في موقع الريادة الإقليمية في مجال الابتكار الجوي.
وأكد رابح بو راشد، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة فالكون آي درونز، الشركة الرائدة في مجال عمليات الطائرات بدون طيار في الشرق الأوسط ومقرها دبي، أن الطائرات بدون طيار ضرورية لرؤية 2030، وخاصة في تنشيط الصناعات وتعزيز الكفاءة التشغيلية وتحقيق أهداف الاستدامة.
وأضاف أن “التزام الحكومة السعودية بتبني التكنولوجيا والاستثمارات الاستراتيجية يسهل تكامل الطائرات بدون طيار عبر مختلف القطاعات، مما يخلق فرصًا وابتكارات جديدة”.
ويشهد قطاع الطائرات بدون طيار نموًا سريعًا، بدعم من التطورات التنظيمية والطلب المتزايد من صناعات متعددة. واستشهد بتقرير MarketsandMarkets الذي توقع أن يصل سوق الطائرات بدون طيار في الشرق الأوسط إلى 5.54 مليار دولار بحلول عام 2025، مع قيادة المملكة العربية السعودية لمعظم هذا النمو.
ويرجع التقرير ذلك إلى قطاعات مثل البناء والنفط والغاز والزراعة والخدمات اللوجستية، التي تستفيد من تكنولوجيا الطائرات بدون طيار لتعزيز الإنتاجية وخفض التكاليف.
تأثير الطائرات بدون طيار على القطاعات الرئيسية
وفي مجال البناء، تعمل الطائرات بدون طيار على إحداث ثورة في إدارة المشاريع وعمليات تفتيش المواقع. وقال بوراشد إن سوق البناء السعودي، الذي تقدر قيمته بـ 70.33 مليار دولار في عام 2024، من المقرر أن ينمو إلى 91.36 مليار دولار بحلول عام 2029، حيث تلعب الطائرات بدون طيار دورًا رئيسيًا في دفع الكفاءة.
في قطاع النفط والغاز، تُستخدم الطائرات بدون طيار للتفتيش والمراقبة والصيانة، مما يساعد على خفض التكاليف وتحسين السلامة من خلال تقليل التدخل البشري في البيئات الخطرة.
وأضاف بو راشد: “وفقًا لتقرير صادر عن شركة PwC، يمكن للطائرات بدون طيار خفض تكاليف التفتيش بنسبة تصل إلى 85 بالمائة وتعزيز السلامة من خلال تقليل التدخل البشري في البيئات الخطرة. توفر الطائرات بدون طيار حلاً فعالاً لتفتيش مشاعل الغاز ومراقبة خطوط الأنابيب واكتشاف التسريبات وضمان استمرارية التشغيل وتحسين السلامة”.
ورغم النمو السريع، لا تزال التحديات التنظيمية قائمة. وأشار بوراشد إلى أنه في حين قطعت المملكة العربية السعودية خطوات كبيرة في تطوير اللوائح التنظيمية المناسبة للطائرات بدون طيار، لا تزال هناك مجالات للتحسين.
تعمل الهيئة العامة للطيران المدني على مراجعة الأنظمة لتحقيق التوازن بين السلامة والابتكار، مع بذل جهود جديدة لتبسيط التراخيص وإنشاء إرشادات أكثر وضوحًا لعمليات الطائرات بدون طيار التجارية.
وأضاف “كما هو الحال في أغلب دول الشرق الأوسط، هناك مجالات تركيزية تحتاج إلى التطوير. وتخضع اللوائح الحالية المتعلقة بالحدود التشغيلية واستخدام المجال الجوي ومتطلبات الترخيص للتدقيق من جانب السلطات المعنية، للسماح بتحسين الاستخدام والتطوير”.
وشدد على أن الوضوح التنظيمي أمر ضروري لتعظيم قدرات الطائرات بدون طيار عبر القطاعات: “تتضمن الجهود الأخيرة عمليات ترخيص مبسطة وإرشادات أكثر وضوحًا لعمليات الطائرات بدون طيار التجارية”.
خلق فرص العمل والآفاق المستقبلية
ومن المتوقع أن يؤدي دمج الطائرات بدون طيار إلى تحفيز خلق فرص العمل وتنمية المهارات، وخاصة في مجالات مثل التصنيع والصيانة وتحليل البيانات.
ويتوقع بو راشد زيادة الفرص التعليمية حيث تقدم الجامعات برامج تركز على تكنولوجيا الطائرات بدون طيار والروبوتات والذكاء الاصطناعي: وقال: “هذه التكنولوجيا مهيأة لتكون حافزًا لخلق فرص العمل وتنمية المهارات”.
وأكد الحسين الحازمي، الرئيس التنفيذي لشركة لينسيك درون سوليوشنز التي يقع مقرها في الرياض، تفاؤل بو راشد، وسلط الضوء على التبني السريع للطائرات بدون طيار في مختلف القطاعات في المملكة العربية السعودية.
وقال الحازمي: “تلعب تقنية الطائرات بدون طيار دوراً حيوياً في مساعدة المملكة العربية السعودية على تحقيق أهداف رؤيتها 2030، وخاصة في دفع التنوع الاقتصادي وتعزيز الكفاءة عبر القطاعات الرئيسية”.
وأشار إلى نجاح الطائرات بدون طيار في مجال الدفاع، وخاصة للمراقبة في الوقت الحقيقي وتقليل المخاطر البشرية في البيئات الخطرة.
كما سلط الرئيس التنفيذي الضوء على الاستخدام المتزايد لهذه الطائرات في قطاع الخدمات اللوجستية، مستشهدًا بمبادرة التاكسي الجوي بدون طيار خلال موسم الحج 2024 لإدارة الازدحام وتحسين كفاءة النقل. وقال: “يستفيد قطاع الخدمات اللوجستية أيضًا من تقنية الطائرات بدون طيار. خلال موسم الحج 2024، نجحت الحكومة في تجربة التاكسي الجوي بدون طيار لإدارة الازدحام ونقل الأشخاص بكفاءة أكبر”.
وفي قطاع التعدين، تتعاون شركة الحازمي مع شركة رويال رود أرابيا لتعزيز عمليات الاستكشاف المعدني باستخدام طائرات بدون طيار متطورة، حيث تم تجهيز هذه الطائرات بأجهزة مسح فائقة الطيف وتقنيات أخرى لجمع بيانات عالية الدقة، مما يساعد في استكشاف مناجم النحاس والذهب.
وأضاف أن “هذه النتائج تظهر قوة تكنولوجيا الطائرات بدون طيار في تعزيز اكتشاف واستكشاف الموارد المعدنية القيمة”.
التحديات التنظيمية والبنية التحتية
ورغم الإثارة المحيطة بتكنولوجيا الطائرات بدون طيار، إلا أن العقبات التنظيمية لا تزال قائمة. وأشار الحازمي إلى أن عملية الموافقة على عمليات الطائرات بدون طيار، وخاصة الطائرات بدون طيار المتقدمة أو الثقيلة، قد تكون مرهقة. وتفرض هيئة الطيران المدني قيودًا على الطائرات بدون طيار التي يزيد وزنها عن 24.99 كجم، مما يحد من استخدامها في المشاريع الحكومية، مما يحد من إمكانات القطاع الخاص.
ومع ذلك، يرى الحازمي أن الجهود الحكومية الجارية لتبسيط الأطر التنظيمية وتعزيز التعاون مع القطاع الخاص واعدة. وقال: “يتم تطوير إرشادات أكثر وضوحًا وعمليات موافقة أسرع لمساعدة الشركات على العمل بكفاءة أكبر”. “يتم تشجيع التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص بنشاط لتطوير لوائح أكثر سلاسة وكفاءة تلبي احتياجات الصناعة بشكل أفضل”.
واتفق كل من بو راشد والحازمي على أن تكنولوجيا الطائرات بدون طيار تتمتع بإمكانات هائلة في مساعدة المملكة العربية السعودية على تحقيق أهدافها الاقتصادية والتكنولوجية.
ومع نضج الصناعة، من المتوقع أن تصبح الطائرات بدون طيار جزءًا لا يتجزأ من قطاعات مثل السلامة العامة والتخطيط الحضري والطاقة. ومن شأن دمج الذكاء الاصطناعي والأتمتة أن يعزز قدرات الطائرات بدون طيار، مما يمكنها من التعامل مع تحليل البيانات والصيانة التنبؤية والعمليات المستقلة.
وقال الحازمي: “في قطاع الطاقة، تقوم الطائرات بدون طيار بتفتيش خطوط الأنابيب وخطوط الكهرباء وإجراء تقييمات بيئية، مما يعزز السلامة والكفاءة. وتساعد الطائرات بدون طيار المزارعين من خلال مراقبة صحة المحاصيل، وتحسين استخدام المياه، وتعزيز ممارسات الزراعة المستدامة. كما ستلعب الطائرات بدون طيار دورًا حاسمًا في تطوير المدن الذكية في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك نيوم والقدية ومشاريع جيجا على البحر الأحمر”.
مستقبل مشرق لتكنولوجيا الطائرات بدون طيار
مع تحرك المملكة العربية السعودية نحو تحقيق أهداف رؤيتها 2030، أصبحت الطائرات بدون طيار قوة دافعة للابتكار والكفاءة في مختلف القطاعات الرئيسية. وفي حين لا تزال التحديات قائمة، فإن التزام المملكة بتطوير بيئة تنظيمية صديقة للطائرات بدون طيار وتعزيز التعاون مع القطاع الخاص يشير إلى مستقبل واعد لهذه الصناعة.
وأعرب كل من بو راشد والحازمي عن ثقتهما في أن صناعة الطائرات بدون طيار في المملكة العربية السعودية مهيأة للنمو السريع، مع إمكانية الريادة ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن على مستوى العالم.
وأضاف بو راشد: “إن العقد المقبل قد يشهد تحول الطائرات بدون طيار إلى جزء لا يتجزأ من الصناعات الرئيسية والتطور الاقتصادي في المملكة العربية السعودية”.
بفضل الإصلاحات التنظيمية المستمرة والاستثمارات الاستراتيجية، أصبحت المملكة العربية السعودية في وضع جيد لتسخير الإمكانات الكاملة لتكنولوجيا الطائرات بدون طيار كعامل تمكين رئيسي للتحول الاقتصادي في رؤية 2030.