عندما تتحدث وتنطق أسم سعادة الشيخة مياسة آل ثاني لا يمكن إلا أن تتذكر وتتأمل في تلك الإنجازات الأدبيّة والثقافية التي قدّمتها لوطنها الأم قطر . سعادة الشيخة مياسة آل ثاني وهي رئيس مجلس أمناء متاحف قطر والمساهمة الأولى في دعم وتنمية المجتمع القطري هي مثال على تلك المرأة المجتهدة المكافحة والكادحة.
يتربع متحف الفن الإسلامي كحارس مهيب على الواجهة البحرية للعاصمة القطرية الدوحة. أما المتحف العربي للفن الحديث فيلي متحف الفن الإسلامية في الأهمية، مع أنه يحظى بنفس القدر من الاهتمام. وخارج مستشفى ومركز أبحاث السدرة، يقع 14 تمثالا برونزيا ضخما من صنع الفنان البريطاني داميان هيرست، حيث تجسد التماثيل مراحل تطور حياة الجنين منذ لحظة تلقيح البويضة وحتى الولادة. أما المتحف الوطني الجديد قيد الإنشاء والواقع في الناحية الجنوبية من الكورنيش فيتميز بأسقف على شكل أقراص بيضاء متداخلة.
المهندس المعماري وراء بناء متحف الفن الإسلامي أمريكي مولود في الصين، والمتحف العربي للفن الحديث من تصميم المعماري الفرنسي جان فرانسوا بودين، أما المتحف الوطني الجديد فهو من تصميم المعماري الفرنسي جان نوفيل. الفنون المعروضة داخل المتاحف ومعظم صالات العرض في الدوحة ليست قطرية، بل تعكس ثقافات تتعلق بدول المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود ما يمثل الثقافة القطرية، فهناك بالأحرى شخص يجسد تلك الثقافة؛ إنها الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني.
الشيخة المياسة ابنة ال32 ربيعا هي ابنة أمير قطر السابق وشقيقة الأمير الحالي، وهي ملكة الساحة الفنية بلا منازع في قطر وخارجها على حد سواء. وإضافة إلى تخصيصها موازنة سنوية تقدر بمليار دولار لمجال الفنون، اختارت مجلة فوربس الشيخة المياسة كواحدة من أقوى 100 امرأة في العالم لعام 2015. وهي تترأس هيئة متاحف قطر التي اشترت في أوائل عام 2015 لوحة للرسام الفرنسي بول غوغان بقيمة 300 مليون دولار، وهو أعلى سعر يدفع مقابل عمل فني على الإطلاق.
والشيخة المياسة لم تتخصص في تاريخ الفنون، إنما درست في مجال الأدب والعلوم السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية. ولا يبدو ذلك بعيدا عن المنطق في شيء، لأن الأسرة الحاكمة في قطر لا تنظر إلى الفن كمجرد فن، بل كجزء من السياسة في المقام الأول. فممارسة القوة الناعمة من خلال الفن- والشيء ذاته ينطبق على الرياضة – هي إحدى الركائز الأساسية للسياسة الخارجية في الدولة الخليجية قطر. حيث تسعى الدولة إلى الحصول على المكانة والدعم من خلال وسائل أخرى غير القوة العسكرية أو القدرة الاقتصادية. فغوغان وفنونه يمثلان بالنسبة لقطر إحدى خطوط الدفاع الوطني إذا جاز التعبير.
إلا أننا نرى أن الإستراتيجية المتعلقة بالرياضة لم تتكلل بالنجاح إلى الآن في قطر. فقد تسببت استضافة قطر لمباريات كأس العالم لكرة القدم لعام 2022 ردود فعل سلبية أكثر منها إيجابية، وسط اتهامات لقطر بالفساد واستغلال وإساءة معاملة العمال المهاجرين. حتى أن البعض قد األمح إلى أن قطر تضاعف من تركيزها على مجال الفنون على وجه التحديد لصرف انتباه العالم عن القضايا الأخرى. لكن علينا أن نترقب ونرى ما إذا كان التكتيك المتعلق بالمتاحف سينجح أم لا.
وحتى الآن، ليس هناك ما يدفع للاعتقاد بأن العمال القائمين على بناء المتاحف هم أفضل حالا من القائمين على بناء الملاعب أو الطرق. ففي شباط 2015، نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرا أعربت فيه عن قلقها بشأن بناء فرعي لكل من متحفي جوجنهايم واللوفر في أبو ظبي، والتي تعتبر هي الأخرى راعية رئيسية للفنون في المنطقة. فقد ذكرت المنظمة أنه مع وجود قوانين ومدونات سلوك حول حقوق العمال، إلا أنها بذات السوء الذي يتم تطبيقها فيه على أرض الواقع.
وإلى هذه اللحظة، يبدو أن المؤسسات الثقافية في قطر قد تمكنت من التملص بهدوء من الضجة المتعلقة بحقوق العمال. حيث أن الاهتمام بويلات كأس العالم والبنية التحتية المطلوبة تحضيرا له كان شديدا لدرجة خفت فيها ذكر مشاريع بناء أخرى كبيرة كالمتحف الوطني. كما توقفت هيئة متاحف قطر، بما في ذلك رئيسها، عن ذكر الموضوع.
كما أن الشيخة المياسة تفضل التركيز على الأثر الاجتماعي للفنون. ففي مقابلة تلفزيونية لها مع برنامج تيد توك في شباط 2012، ذكرت الشيخة أن الفن جزء مهم جدا من هوية الشخص الوطنية، لذلك فإن قطر لا تريد أن يكون لها ما لدى الغرب. وأضافت قائلة: “نحن نريد أن نصنع هويتنا الخاصة بنا.”
إلا أنه من الصعب أن نجد في قطر السياق الذي يبرر التركيز على أعمال الفنانين غوغان وسيزان، وهو فنان فرنسي استحوذت فنونه هو الآخر على اهتمام العائلة القطرية المالكة. مع ذلك، بينت الشيخة المياسة أن قطر يجب أن تكون ملاذا للفنانين المضطهدين في المنطقة (كالفنانين الجزائريين والإيرانيين وغيرهم). قد تبدو هذه التبريرات نبيلة في ظاهرها، إلا أن المرء قد يتساءل ما إذا كان ذلك الملاذ الذي تتحدث عنه الشيخة المياسة يقدم الترحيب ذاته للفنانين المحليين. حيث يجادل الكثير من الفنانين بأن حرية التعبير الحقيقية هي وحدها الكفيلة بتطوير وضع الساحة الفنية على المستوى الوطني، وحاليا لا تتوفر مثل تلك الحرية في قطر. فقد وصفت الفنانة اللبنانية نينار إسبر المشهد الفني في قطر لصحيفة نيويورك تايمز بأنه “كصدفة ذهبية فارغة” لأنه حسب وصفها براق من الخارج وفارغ من الداخل.
إذا، هل هو مجرد وجه جميل للقمع الذي يمنح الفنانين العالميين الكبار – وأولئك الذين يحظون بحصانة سياسية – مساحة واسعة للتعبير في حين يخيب ظن الفنانين المحليين الصغار؟ ولعل الشاعر محمد العجمي مثال جيد على ذلك، وهو ما قد يدعو للقلق. ففي عام 2011، كتب الشاعر القطري قصيدة “الياسمين” حول الثورة التونسية، حيث تساءل قائلا “لماذا تستورد الأنظمة العربية كل شيء من الغرب ما عدا القانون والحرية.” العجمي محكوم عليه بالسجن لمدة 15 عاما بتهمة قذف مقام الأمير والتحريض على قلب نظام الحكم. وحتى الآن لم يحصل العجمي على العفو العام الذي هو من صلاحيات أمير قطر. والسؤال هنا هو: هل تفتقر الشيخة المياسة إلى القدرة على التأثير على شقيقها الأمير، أم أن راعية الفنانين والمخرجين ورواة القصص في قطر تختار الرواية التي تحلو لها وحسب؟