مع حلول الشهر الفضيل وما يحيط به من أجواء روحانية وتسامحية، يجلس المرء جلسة مصارحة ومصالحة مع نفسه، مراجعا حساباته ومعيدا النظر في الكثير من الأخطاء التي وقع بها، وهو ما تقوم به الثلاثينية هنادي علي، التي ترى في رمضان شهر الخير والتسامح.
هنادي ومع قدوم رمضان، عزمت أن نتهي أي خلاف مع حماتها التي ساءت علاقتها بها هذا العام كثيراً، ما دفع بزوجها لأن يقطع العلاقة بين زوجته وأمه حتى يتجنب المشاكل ويريح عقله من كل هذه الأمور، وفق قولها.
ولأن هنادي تعلم أن هذا الأمر غير مريح لزوجها على الإطلاق، فهو يحب والدته كثيراً واعتاد على الجلوس وسط لمة تتوجها الوالدة، وكون رمضان شهر التسامح فقد نوت هنادي أن تبادر بمصالحة حماتها.
تقول هنادي “كون رمضان شهر الخير والإحسان والمغفرة، فكرت بخصومتي مع حماتي ونويت أن أذهب لمصالحتها ودعوتها على الافطار لتجمعنا مائدة واحدة ونبدأ بداية جديدة قائمة على التسامح والمحبة”.
وتتابع “لم أكن أتوقع أن يفرح زوجي كثيرا بهذه الخطوة التي قمت بها، فجلوسه على مائدة الإفطار برفقة أولاده وأمه جعله يشعر أنه بقمة سعادته وأنه لا يريد شيئا آخر”.
ولعل هبة أسعد واحدة أخرى شعرت أنه بقدوم الشهر الفضيل يجب أن تنسى كل خلافاتها ومشاكلها مع أي شخص وأن تتغاضى عن أمور كثيرة كانت قد أزعجتها؛ لأنه شهر التعاون والتكافل والرحمة.
تلك المعاني لهذا الشهر الفضيل جعلت هبة تقوم بالتفكير في جارتها التي أمضت طوال رمضان الماضي برفقتها وقامتا بعمل كعك العيد وخبزه معا والقيام بالكثير من التفاصيل معا، ولسبب كما وصفته هبة “تافه” اختلفت هي وجارتها منذ ثلاثة أشهر بسبب أولادهن وانقطعت العلاقة بينهن.
تقول “بت أراها كالأغراب نلتقي على باب العمارة ولا نلقي التحية على بعضنا، وكأننا لم نقض 3 سنوات ونحن نقوم بتفاصيل كثيرة معا، ذلك الأمر جعلني أشعر بحزن كبير على علاقتنا وهو ما دفعني لأستغل فرصة قدوم الشهر الفضيل لأنهي هذا الخلاف الذي وقع بيننا”.
وتضيف أنها قامت بالخطوة الأولى في أول يوم رمضان؛ حيث أرسلت لها طبقا من الإفطار الذي أعدته، إلا أنها لم تكن تتوقع رد فعل جارتها التي ما إن انتهى الإفطار حتى طرقت باب بيتها وأخذتها بالأحضان معبرة لها عن اشتياقها الشديد لها.
لعل تلك الصور بعض سمات الشهر الفضيل الذي ينشر روح المحبة والتسامح والتكافل بين أفراده وينزع الكراهية والحقد من القلوب، ليصبح مجتمعا متحابا ومتعاونا.
وفي ذلك، يرى الاختصاصي الاجتماعي د.حسين الخزاعي، أن هناك أسبابا عدة تخلق مشاعر التسامح عند الناس؛ أولها أن شهر رمضان هو فرصة لأن يراجع الإنسان نفسه وسلوكياته ويقيم كل الأعمال التي اقترفها خلال العام.
الى جانب أن الأجواء الايمانية والسلوكات الاجتماعية تفرض نفسها على سلوكات الشهر الفضيل، مبينا أن الفرد في المجتمع يتأثر بالسلوك الاجتماعي المحيط به عندما يرى كل الناس يتزاورون ويقتدون بالدين ويقومون بمراجعة الأخطاء.
كلها تخلق عند الشخص رغبة في إعادة إحياء هذه العلاقات، وفق الخزاعي، الذي يلفت إلى أن رمضان مدرسة دينية اجتماعية تربوية وهذه المدرسة يتعلم الإنسان فيها من أخطائه.
ويتابع الخزاعي “الناس عادة لا يرفضون الصلح والتسامح، وبالتالي فإن قدوم الشهر الفضيل يكون فرصة لمصالحة المختلفين، والشخص الذي يرفض التسامح في هذا الشهر هو المنتقد والملام من قبل المجتمع ويصبح ذنبه ذنبين”.
ويشير إلى أنه يجب على جميع أفراد المجتمع أن ينتهزوا هذه المناسبة للإصلاح مع النفس أولا ومع الآخرين ثانيا، وتقييم كل السلوكات التي سبقت شهر رمضان حيث يعملون على تعزيز الايجابي منها ونبذ السلبي.
في حين يرى الاختصاصي التربوي النفسي د.موسى مطارنة، أنه من الجانب الروحي لرمضان أن يعطي الإنسان لنفسه فرصة لمراجعة النفس، مبينا أن أجواءه تمنح الشخص حالة من الأمان النفسي الرباني وتخلق فيها نوعا من التوازن والراحة، وهو الأمر الذي يجعل الناس يتراجعون عن كثير من الأمور الخاطئة كون الشخص يصل لحالة من الراحة النفسية والتوازن والسعادة.
وينوه مطارنة إلى أن الفرد في رمضان تكون عنده قابلية وإحساس أكبر في هذا الشهر عن باقي الأيام للمصالحة والمبادرة إلى عمل الخير، لافتا الى أن رمضان فرصة روحية كبيرة تولد استقرارا وهدوءا وتوازنا نفسيا للذي يستقبله ويتعامل معه بصدق ويحقق الهدف من الصيام.