لا تزال اهتمامات القطاعين العام والخاص في ألمانيا تنصبّ على البحث عن سبل وإمكانات لتهيئة الظروف التي تسمح بدمج اللاجئين إليها في سوق العمل في أسرع وقت ممكن، خصوصاً السوريين والعراقيين والأفغان.
وأظهر استطلاع أجراه معهد البحوث الاقتصادية في ميونيخ «إيفو» مع مسؤولي ألف شركة في ألمانيا ونُشر أخيراً، أن 34 في المئة من الشركات تريد تشغيل لاجئين في العامين الحالي أو المقبل، لكن مسؤوليها يخشون الترتيبات البيروقراطية للسلطات. ويجهد المسؤولون الألمان لتحديد مدى الكفاءة العلمية أو المهنية للاجئ أو الأجنبي الراغب في العمل، وكذلك نوعية التخصص ومدى إلمامه باللغة. إضافة إلى ذلك، يتمسّك المراقبون بتنفيذ قانون أفضلية تشغيل أجير ألماني أو أوروبي لملء فرص العمل الشاغرة في البلاد. ويعتقد هؤلاء أن التجربة دلّت على أن الحصول على عمل في أسرع وقت يساعد اللاجئ على تعلّم اللغة والاندماج والاستقرار بسرعة أكبر في البلاد.
وذكر 68 في المئة من مسؤولي الشركات الذين سبق أن وظّفوا أجانب، أنهم على استعداد لتوظيف مزيد منهم في السنتين المقبلتين. وعن الأولويات المطلوبة لقبول اللاجئين، قال 86 في المئة منهم إن الأولوية هي للغة الألمانية، و46 في المئة للتخصص والكفاءة المهنية، و49 في المئة لحسم مسألة أحقية الحصول على فرصة عمل، فيما لفت 55 في المئة ممن شملهم الاستطلاع إلى استمرار العوائق البيروقراطية التي تمنع التوظيف أو تعرقله.
من هنا، تأتي الدعوات المستمرة من مسؤولي الشركات إلى الهيئات الرسمية لاتخاذ قرارات تسهل دخول اللاجئين إلى سوق العمل. وذكر القائمون على الاستطلاع، أن وزراء اقتصاد الولايات الألمانية بحثوا في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، فكرة التخلّي عن قانون أفضلية البديل الألماني أو الأوروبي لفرص العمل الشاغرة.
وأضاف معهد «إيفو» أن «النقابة الاتحادية لعمال المعادن» اقترحت أخيراً، تنظيم دورات دمج في العمل يحصل فيها اللاجئون على حصص تعليم اللغة الألمانية خلال ساعات عملهم، إلى جانب التعرف إلى كفاءاتهم المهنية لمساعدتهم على تحسينها بهدف تسهيل حصولهم على عمل لاحقاً. ولفت المعهد إلى أن وضع سوق العمل جيد بفعل هبوط البطالة، وأن 45 في المئة من الشركات المستطلَعة لديها رغبة في تشغيل لاجئين، وعلى استعداد أيضاً لتدريبهم على نفقتها.
وأظهر مؤشر مؤسسة الاستشارات «إرنست أند يونغ» الصادر أخيراً، أن 62 في المئة من الشركات الصغيرة والمتوسطة «تشتكي من نقص كبير في القوى العاملة». وأوضح الخبير في المؤسسة، بيتر إنغليش، أن 85 في المئة من مسؤولي ثلاثة آلاف شركة شملهم استطلاع للرأي، أكدوا الرغبة في تشغيل لاجئين. إلى جانب ذلك، تعلن «وكالة العمل الاتحادية» شهرياً عن وجود نحو 326 ألف فرصة عمل لدى هذه الشركات من أصل 700 ألف فرصة شاغرة في البلاد.
وأكدت مجموعة من الدراسات الاقتصادية أن المهاجرين يتوجهون بدرجة أكبر إلى الأعمال الحرة مقارنة بالسكان الأصليين.
وأوضح أستاذ الجغرافيا الاقتصادية في الجامعة، مدير المعهد رولف شتينبيرغ، أن معدل مبادرات الأفراد الذين يهاجرون إلى بلد جديد لتأسيس شركات يكون عادة أعلى من الذين عاشوا لفترة طويلة في البلد، أو ولدوا فيه».
وأكد المرصد التابع لـ «مصرف إعادة البناء» الحكومي، أن المهاجرين «يجرؤون في شكل متزايد على الاتجاه نحو العمل الحر مقارنة بأصحاب الأعمال الحرة الذين ولدوا في ألمانيا». وأضاف أن لكل شخص من خمسة، من مؤسسي الشركات في ألمانيا، «أصولاً أجنبية أو جنسية أجنبية». لكن الخبير رولف ستيرنبرغ نصح بالحذر من هذه النتائج وتفادي التعميم.
وأشار الباحث في علم الاجتماع في جامعة مانهايم، رينيه لايشت، أن ربع المهاجرين الذين يمتهنون أعمالاً حرة جاؤوا من البلدان الصناعية الغربية، وخلفية هؤلاء تختلف بطبيعة الحال عن اللاجئين من سورية أو العراق أو أفغانستان.