تعمل المملكة العربية السعودية بسرعة على تعزيز مكانتها كقائد عالمي في مجال السياحة الصحية، وهو القطاع الذي يعد بعوائد اقتصادية كبيرة ويتماشى مع رؤية المملكة 2030.
ومع توقعات بوصول حجم السوق إلى 1.1 تريليون دولار بحلول عام 2025، تركز المملكة بشكل استراتيجي على هذه الصناعة الناشئة لتنويع اقتصادها وتحسين نوعية الحياة للسكان والزوار، بحسب تقرير صادر عن شركة “البحر الأحمر العالمية”.
ويعكس نمو السياحة الصحية في المملكة العربية السعودية تحولاً أوسع نطاقاً داخل المملكة التي تسعى إلى ترسيخ نفسها كوجهة رئيسية للمسافرين العالميين الذين يسعون إلى الصحة والعافية والإثراء الثقافي.
السياحة العلاجية: سوق مربحة
من المتوقع أن ينمو قطاع العافية العالمي، الذي تقدر قيمته حاليًا بنحو 5.6 تريليون دولار، إلى 8.5 تريليون دولار بحلول عام 2027.
ويأتي هذا النمو مدفوعًا بالتركيز العالمي المتزايد على اللياقة البدنية والرفاهية، وخاصة في أعقاب جائحة كوفيد-19، التي زادت الوعي حول أهمية الصحة البدنية والعقلية.
وفي إطار هذه السوق التوسعية، بلغت قيمة السياحة الصحية وحدها 436 مليار دولار في عام 2020، ومن المتوقع أن تنمو بمعدل سنوي قدره 21% بحلول عام 2025.
ويؤكد هذا النمو السريع على الفرص الكبيرة التي تقدمها هذه الصناعة لدول مثل المملكة العربية السعودية، التي تسعى إلى تنويع اقتصاداتها إلى ما هو أبعد من النفط.
وتسعى المملكة إلى تسخير هذا النمو لتعزيز مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي الوطني، وهو أحد الأهداف الرئيسية لرؤية 2030، التي تهدف إلى زيادة حصتها في الاقتصاد من 3% إلى 10% بحلول نهاية العقد.
إن تركيز المملكة على السياحة الصحية لا يقتصر على الاستفادة من سوق مربحة، بل يهدف أيضاً إلى تحويل المشهد العام من خلال تقديم تجارب فريدة وعالية الجودة تلبي هذا الطلب العالمي المتزايد.
وفي حديثه لصحيفة عرب نيوز، أكد الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للاستثمار السياحي، المعروفة أيضًا باسم أسفار، فهد مشيط، على الإمكانات الاقتصادية لهذا القطاع، قائلًا: “ينفق سياح العافية الدوليون في المتوسط 35% أكثر من مسافري الترفيه التقليديين. هذا قطاع سوق لا يمكننا تجاهله حيث نهدف إلى الترحيب بأكثر من 150 مليون زائر بحلول عام 2030”.
ويشكل هذا الإنفاق المرتفع أهمية بالغة في تعزيز عائدات السياحة في المملكة، خاصة وأنها تسعى إلى جذب الزوار الدوليين ذوي الإنفاق المرتفع الذين يبحثون بشكل متزايد عن وجهات تقدم أكثر من مجرد الاسترخاء. ويسعى المسافرون إلى تجارب صحية شاملة تجمع بين العافية الجسدية والعقلية والروحية.
الأثر الاقتصادي ورؤية 2030
وتشكل الاستثمارات الكبيرة في السياحة الصحية عنصرا أساسيا في رؤية 2030، التي تسعى إلى تقليل اعتماد المملكة على النفط.
ومن المتوقع أن يلعب نمو السياحة الصحية دوراً محورياً في زيادة مساهمة القطاع الأوسع في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، وبالتالي دعم الإصلاحات الأوسع نطاقاً والتي تهدف إلى جعل المملكة أكثر مرونة في مواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية.
وقال شهباز طفيل، نائب الرئيس التنفيذي لشركة دار للهندسة، لصحيفة عرب نيوز: “إن التطوير المستمر لخيارات الترفيه الجديدة، بالإضافة إلى مواءمة مقترحات القيمة والخدمة مع لوحة السفر الدولية، يوضح بوضوح نية رؤية 2030.
“وللوصول إلى جمهور أوسع، يتعين على مقدمي الخدمات أن يتماشوا مع اتجاهات الضيافة والسفر العالمية مثل السياحة البيئية والعافية والفنادق الذكية والاستدامة والذكاء الاصطناعي.”
ويعد تطوير المنتجعات الصحية الفاخرة، مثل تلك الموجودة في الرياض ومنطقة البحر الأحمر، استراتيجية رئيسية لجذب السياح الراقين.
ومن المتوقع، على سبيل المثال، أن تتضاعف أهداف الزيارات إلى الرياض من 13.6 مليون في عام 2022 إلى 27.4 مليون بحلول عام 2030، مدفوعة بتوسيع عروض الضيافة التي تركز على العافية.
وتسلط هذه الأرقام الضوء على الخطط الطموحة للمملكة ليس فقط لزيادة عدد الزوار ولكن أيضًا لتحسين جودة تجاربهم، مما يضمن أن تصبح المملكة العربية السعودية وجهة مفضلة للمسافرين الباحثين عن العافية من جميع أنحاء العالم.
ومن المتوقع أيضًا أن يؤدي التركيز على هذا الشكل من السياحة إلى توليد فرص عمل كبيرة، وخاصة في قطاعات الضيافة والرعاية الصحية والعافية.
ومع استمرار المملكة في تطوير بنيتها التحتية للسياحة العلاجية، فإنها ستحتاج إلى قوة عاملة ماهرة لتلبية متطلبات هذه الصناعة المتنامية.
ولن يؤدي هذا إلى خلق فرص العمل فحسب، بل سيساهم أيضًا في تطوير اقتصاد أكثر تنوعًا وقائمًا على المعرفة، بما يتماشى مع أهداف رؤية 2030.
ومن المتوقع أن يضم مشروع أمالا ما يقرب من 4000 غرفة فندقية عبر 30 فندقًا وفيلا فاخرة وشققًا ومنازل سكنية.
مواكبة اتجاهات العافية العالمية
لا تستجيب المملكة العربية السعودية لاتجاهات العافية العالمية فحسب، بل تضع أيضًا معايير جديدة.
يتم تلبية الطلب المتزايد على المنتجعات التي تركز على الصحة العقلية وخدمات التشخيص المتقدمة وتجارب العافية الثقافية الغامرة من خلال عروض مبتكرة في جميع أنحاء المملكة.
على سبيل المثال، يدمج منتجع AMAALA ممارسات الشفاء التقليدية مع تقنيات العافية الحديثة، مما يجذب المسافرين الباحثين عن الأصالة والفخامة.
ويشكل هذا الجمع بين التقاليد والابتكار قوة أساسية لقطاع السياحة الصحية في المملكة العربية السعودية، حيث يوفر للزوار تجارب فريدة لا يمكن العثور عليها في أي مكان آخر.
كما تقدم AMAALA برامج صحية صديقة للعائلة، والتي أصبحت تحظى بشعبية متزايدة حيث يبحث المزيد من الأشخاص عن تجارب سفر تعزز الصحة والرفاهية لأحبائهم وكذلك لأنفسهم.
وتكتسب المنتجعات المخصصة للرجال أيضًا زخمًا، مما يعكس تحولًا أوسع نطاقًا نحو الشمولية في هذه السوق. وتضمن هذه العروض أن تظل المملكة العربية السعودية وجهة تنافسية في صناعة العافية العالمية، وتجذب فئات سكانية متنوعة وتضمن أن تصبح محركًا مهمًا للنمو الاقتصادي في المملكة.
التطورات الاستراتيجية في السياحة العلاجية
ويتجلى التزام المملكة العربية السعودية بالسياحة الصحية في مشاريع رائدة مثل أمالا والبحر الأحمر، التي طورتها شركة البحر الأحمر العالمية، المعروفة باسم RSG.
وتأتي هذه المشاريع في إطار استراتيجية أوسع نطاقاً تهدف إلى تعزيز مكانة المملكة كقائد عالمي في مجال السياحة الفاخرة والمستدامة.
من المقرر أن تصبح أمالا، الواقعة على الساحل الشمالي الغربي، مركز العافية الأول في المملكة، مع التركيز على الفخامة والاستدامة.
بحلول عام 2040، يهدف المشروع إلى تحقيق فائدة صافية قدرها 30% من الحفاظ على النظم البيئية المحلية، مما يُظهر التزامه بالحفاظ على البيئة. ويشكل هذا الالتزام بالاستدامة عاملاً مميزًا لقطاع السياحة الصحية في المملكة العربية السعودية، مما يميزها عن الوجهات العالمية الأخرى.
إن التأثير الاقتصادي لهذه المشاريع كبير. فمن خلال التخطيط لبناء 79 فندقاً في مختلف أنحاء البحر الأحمر وأمالا، من المتوقع أن تساهم هذه الوجهات بنحو 33 مليار ريال سعودي (8.79 مليار دولار) سنوياً في اقتصاد المملكة عند اكتمالها.
وتغطي هذه المشاريع مساحة إجمالية تزيد عن 32 ألف كيلومتر مربع، وهي لا تهدف فقط إلى الفخامة، بل تهدف أيضًا إلى الاستدامة.
وتقع وجهة البحر الأحمر بالكامل خارج الشبكة، حيث تعمل بالطاقة الشمسية التي تصل إلى 760 ألف لوحة، ومن المقرر أن يكتمل المشروع بالكامل بحلول عام 2030.
ويعكس حجم هذه التطورات الرؤية الأوسع للمملكة لقيادة السياحة المستدامة، ووضع معايير جديدة للمسؤولية البيئية مع جذب جمهور دولي.
ومع استمرار نمو قطاع السياحة الصحية العالمي، فإن المملكة العربية السعودية في وضع جيد للاستفادة من هذا الاتجاه، ودفع النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتحسين نوعية الحياة لمواطنيها وزوارها على حد سواء.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-JoN