أثبتت تجربة إصدار السندات الإسلامية لتمويل المشاريع الكبرى في المملكة، نجاحا كبيرا في توفير المال اللازم لتمويل المشاريع الكبرى.
ويعد مشروع إصدار السندات الخاصة بتمويل مشروع بناء مطار جدة الدولي الجديد من أهم المشاريع التي حققت نجاحا ملحوظا، كذلك فإن نجاح الشركة السعودية للكهرباء أخيرا في بيع صكوك دولية لمستثمرين أجانب بمبلغ 1750 مليون دولار يعد نجاحا ملحوظا على طريق بناء سوق السندات السعودي.
وفي هذا الصدد أكد بنك إتش إس بي سي الذي قاد الإصدار أن السندات تم بيعها بمعدل ربح 2.5 في المائة وبنسبة اكتتاب ثلاثة أضعاف ما هو مطلوب، كما اقترنت عمليات الإصدار بكل أسباب النجاح الواجب توافرها في هكذا مشروع، حيث كان السعر مناسبا والأسواق سائلة وكانت ثقة المشترين في أعلى درجاتها.
وفي ضوء هذا النجاح الراسخ الذي حققته سوق السندات السعودية، فإن المراقبين الماليين الدوليين يتوقعون أن تكون المملكة – خلال السنوات القليلة المقبلة – سوقا رائدة وقائدة في مجال الصكوك الإسلامية، وستصبح المملكة من اللاعبين الرئيسيين في سوق المالية الإسلامية بل ستكون المملكة مركزا إسلاميا ماليا تتطلع إليه كل مراكز المال في العالم، وحسنا فعل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حينما أمر بإنشاء أكبر مركز مالي في الشرق الأوسط في العاصمة الرياض. وعلى الرغم من أن المقترضين السعوديين يعتمدون تقليديا على الإقراض البنكي، لكن إذا بقيت شروط الائتمان التقليدية مشددة، فإن أعدادا أكبر من المقترضين سيتجهون إلى سوق الصكوك بدلا من سوق الائتمان، ولا سيما أن القطاع الخاص بدأ يدخل في سوق السندات بجبهة عريضة.
إن طرح الصكوك في الأسواق بات اليوم مطلبا ملحا للاقتصاد السعودي الذي يسعى إلى ضبط معدلات التضخم، عن طريق سحب فائض المعروض النقدي من السوق، إضافة إلى أنه يعد داعما كبيرا لميزانية الدولة عن طريق توفير التمويل اللازم لمباشرة تنفيذ مشاريع التنمية المستدامة.
بمعنى أن الصكوك من أفضل الأدوات الاستثمارية التي تعمل على سحب وامتصاص السيولة من السوق وضخها في مشاريع تنموية، لأن اكتظاظ السوق بالسيولة سيؤدي إلى التضخم، خاصة أنه من الصعب رفع سعر الفائدة لارتباط الريال بالدولار، كذلك من الفوائد التي يمكن أن يجنيها الاقتصاد السعودي من ازدهار سوق السندات.. أنه بالإمكان تحديد منحنى عوائد الريال السعودي، وبذلك يصبح الريال – في كل الأحوال – تحت نظر المسؤولين عن السياسة النقدية في السعودية.
وعلى وجه العموم فإننا لا نجزم بأن سوق السندات والصكوك سوقا وردية على طول الخط، فقد تعترض هذه السوق بعض المشاكل والمفاجآت التي تقعد الشركات عن الوفاء بالتزاماتها حينما يحين موعد السداد، وأمامنا كثير من الأمثلة في دبي.
ولكن على أية حال فإن المخاطر تقل كلما كانت القوانين والتشريعات مقننة ومشددة وتغطى كل الظروف، ونذكر على سبيل المثال أن سوق السندات في ماليزيا يحاط بشبكة من الأنظمة والقوانين الكفيلة بضبط الإيقاع في السوق والوفاء بالالتزامات في المواعيد المحددة.
ونحن إذا عدنا إلى القنوات الاستثمارية في الاقتصاد السعودي سنجدها لا تزال متواضعة ولا تستوعب حجم السيولة المالية الكبيرة في السوق، ولذلك نستطيع القول إن السوق السعودية سوق متعطشة للأوعية الاستثمارية التي تستطيع أن تستوعب فائض السيولة النقدية في السوق، كما أنها متعطشة إلى شبكة من الأنظمة والقوانين التي من المفترض أن تحمي الصكوك من الأزمات المفاجئة.
وفي ضوء هذه الأسباب الواضحة فإن الصكوك من أفضل القنوات الاستثمارية التي تتناسب مع الاقتصاد والبيئة السعودية لأن الأغلبية الساحقة من المستثمرين السعوديين يرغبون في الاستثمار في الأوراق المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، إضافة إلى أن الحكومة والشركات الطارحة لهذه الأوراق هي أيضا ترغب في أن تكون أوراقها متوافقة مع الشريعة الإسلامية، كما أن الحكومة تدعم الاتجاه نحو استخدام الصكوك لتمويل المشاريع الضخمة، مثل الصكوك التي طرحتها – كما أشرنا – هيئة الطيران المدني بقيمة 15 مليار ريال لتنفيذ مشروع مطار جدة الدولي الجديد.
إن سوق الصكوك في المملكة سوق صغير مقارنة بحجم المشاريع الضخمة التي تضمها خطط التنمية، ولذلك فإن سوق الأسهم يحتاج إلى تعميق كبير وتنويع الصكوك للقطاعات القيادية في المملكة سواء للقطاع الخاص أو القطاع الحكومي، مثل المشاريع طويلة الاستثمار الخاصة بالبنى التحتية كمشاريع الصرف الصحي ومشاريع المياه والكهرباء وبناء المطارات والملاعب الرياضية والجامعات والسكك الحديدية وغيرها من المشاريع الضخمة.
ومن المؤشرات التي تبعث على التفاؤل أن التقرير الذي أصدره صندوق النقد العربي أخيرا ورصد فيه أداء أسواق المال العربية خلال عام 2011، أظهر تحسناً ملحوظاً في نشاط إصدارات الصكوك العربية بعد ثلاث سنوات متواصلة من الانخفاض، حيث ارتفع العدد الإجمالي لإصدارات صكوك الشركات العربية إلى 13 إصدارا مقابل سبعة إصدارات في عام 2010 بقيمة إجمالية وصلت إلى 4.14 مليار دولار، ونوه التقرير بالنجاحات التي تحققت في السوق السعودي، وأكد أن السوق السعودي ينتظره مستقبل زاهر في السنوات القليلة المقبلة.
كذلك على مستوى الأسواق العالمية، فإن سوق السندات يحقق تقدما ملحوظا، ويتوقع مراقبون ماليون أن الزيادة المتوقعة لإصدار الصكوك في الأسواق العالمية قد تصل إلى 50 في المائة، كما يتوقع المراقبون أن ترتفع إصدارات الصكوك العالمية من 26.5 مليار دولار إلى 44 مليار دولار في عام 2012، ووسط هذا النجاح الملحوظ في سوقي السندات المحلي والعالمي، فإن الصكوك الإسلامية ستسجل – في السنوات القليلة المقبلة – نجاحا منقطع النظير.
*نقلاً عن صحيفة “الاقتصادية” السعودية.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-17V