اتخذت السعودية خطوات جريئة لتدعيم اقتصادها، في ظل انهيار أسعار النفط العالمية والحديث عن استمرار هذا الوضع بضع سنوات. ويرى اقتصاديون أن هذه الإصلاحات لن تكون مفيدة في تقليص العجز وحسب، بل يمكن أن تساهم بدفع عجلة الاقتصاد غير النفطي.
قررت السعودية -وفق ما أعلنته في موازنة عام 2016- أن تعتبر هبوط أسعار النفط العالمية فرصة للقيام بإصلاح اقتصادي شامل بدلا من التعامل معه كمجرد خصم من وضعها المالي القوي.
ولدى إقرار الملك سلمان بن عبد العزيز للموازنة، ألقى كلمة قال فيها إن “اقتصادنا يملك من المقومات والإمكانات ما يمكنه من مواجهة التحديات” واعتبر أن موازنة 2016 “تمثل برنامج عمل متكاملا وشاملا لبناء اقتصاد قوي قائم على أسس متينة وتتعدد فيه مصادر الدخل والشراكة بين القطاعين العام والخاص”.
جاء ذلك بعد أن سجلت السعودية -وفق الأرقام الرسمية التي أعلنت الاثنين- عجزا مقدرا عام 2015 بنحو 367 مليار ريالغرد النص عبر تويتر (97.9 مليار دولار) مع هبوط أسعار النفط العالمية بنحو 65% منذ منتصف عام 2014. وتهدف الموازنة الجديدة لخفض العجز إلى 326 مليار ريال (87 مليار دولار).
وجاء عجز 2015 أقل من الأرقام التي كان يخشاها كثير من المستثمرين بين أربعمئة مليار ريال (106.6 مليارات دولار) و450 مليار ريال (120 مليار دولار) وهو ما قد يفسر عدم تضرر البورصة السعودية بشدة من إعلان الموازنة والقرارات التي أعقبتها.
فرصة الإصلاح
وقال جون سفاكياناكيس مدير منطقة الخليج لدى مجموعة أشمور لإدارة الصناديق في الرياض “يبدو أنه جرى تفعيل أدوات الانضباط المالي في النصف الثاني من هذا العام بدلا من الانتظار”.
وقد ختمت البورصة السعودية تعاملات الثلاثاء بتراجع نسبته 0.9%، إذ نجحت في تقليص خسائرها التي بلغت 3%غرد النص عبر تويتر أوائل الجلسة.
وتقدر موازنة العام المقبل النفقات بواقع 840 مليار ريال (224 مليار دولار) انخفاضا من إنفاق فعلي مقدر بنحو 975 مليار ريال (260 مليار دولار) عام 2015. وتبلغ الإيرادات في الموازنة الجديدة 514 مليار ريال (137 مليار دولار) انخفاضا من 608 مليارات ريال (162 مليار دولار) في نفس العام.
وقد حرص المسؤولون السعوديون على التأكيد على أن الإصلاحات المزمعة إنما هي إصلاحات شاملة تستهدف تنويع مصادر الدخل من خلال دعم القطاعات غير النفطية وتعزيز دور القطاع الخاص، بالإضافة إلى رفع كفاءة الإنفاق وإصلاح منظومة دعم الطاقة.
الإيرادات غير النفطية
وقد أشار الخبير الاقتصادي عبد الله بن ربيعان -في لقاء مع الجزيرة- إلى أن الإيرادات غير النفطية قد حققت “قفزة جيدة” بالفعل عام 2015، إذ ارتفعت بنسبة 29%، معتبرا أن ذلك يمثل نجاحا حكوميا في تنميتها. لكنه أكد أن هذه الإيرادات “مناسبة فقط” بالأرقام المطلقة إذ أنها لم تتجاوز 170 مليار ريال (45.3 مليار دولار).
وشكلت الإيرادات غير النفطية 27% من مجمل الإيرادات، في حين بلغت نسبة الإيرادات النفطية 73%، وهو ما يمثل انخفاضا عن النسبة المعتادة التي كانت تقارب 90%.
كما رأى بن ربيعان أن الإنفاق الرأسمالي والتركيز على استكمال المشروعات سيخلق فرص عمل، ويحقق نتائج جيدة للاقتصاد السعودي.
ومن جانبها، قالت وزارة المالية إنها ستعمل على “مراجعة المشاريع الحكومية ونطاقها وأولوياتها لتراعي جودة وكفاءة التنفيذ من جهة، وتتوافق مع الأولويات والتوجهات والاحتياجات التنموية والمتطلبات المالية والتمويلية من جهة أخرى”.
الدعم والترشيد
وكان من أبرز القرارات التي أعلنت الاثنين، رفع أسعار الطاقة المحلية بما فيها أسعار الوقود، مع الإعلان في بيان الموازنة أن الحكومة تعتزم مراجعة وتعديل الدعم للمياه والكهرباء والمنتجات البترولية بالسنوات الخمس المقبلة، ومراعاة التدرج في التنفيذ “بهدف تحقيق الكفاءة في استخدام الطاقة والمحافظة على الموارد الطبيعية ووقف الهدر والاستخدام غير الرشيد”.
وكانت أسعار الوقود والمياه والكهرباء في المملكة من بين الأدنى في العالم بسبب الدعم الحكومي الكبير لها والذي يقدر بمليارات الدولارات، ولا تزال بعد التعديل عند مستويات متدنية بالنسبة للأسعار الإقليمية والعالمية.
وبدأ الثلاثاء تنفيذ قرار رفع أسعار الوقود، وستسري زيادة أسعار الكهرباء والمياه مطلع يناير/كانون الثاني المقبل. وأصبح سعر البنزين 95 أوكتين 0.90 ريال (0.24 دولار) للتر بزيادة 50% عن السعر السابق، في حين أصبح سعر البنزين 91 أوكتين 0.75 ريال (0.2 دولار) للتر بزيادة 67% عن السعر السابق.
وترافق ذلك مع تأكيد المسؤولين السعوديين على أن هذه الإجراءات لن تؤثر بشكل كبير على أصحاب الدخل المحدود.