بدلا من شراء مستحضرات التجميل من مركز تجاري ضخم في دبي في دولة الإمارات، فضّلت دانا الحمادي المشاركة في ورشة لصنع مزيلات العرق في “السركال افنيو” الحي الذي يعدّ مركزا للمشهد الثقافي البديل في الإمارات.
وتقول الموظفة الإماراتية التي ارتدت العباءة السوداء التقليدية “من الجيد حقا أن تعرف كيف تحصل على أمر طبيعي والتوقف عن استخدام الكثير من المواد الكيميائية أنها تؤثر على أجسادنا بشكل سلبي”.
تطبّق الحمادي بدقة متناهية توجيهات المدرّبة، وتقوم بخلط ملعقة صغيرة من بيكربونات الصودا مع زيت جوز الهند لصناعة مزيل العرق. وتقول “أنا سعيدة كونهم بدأوا بأنشطة مماثلة وورشات عمل هنا في الإمارات”.
وتجري الورشة داخل مقهى ومتجر للحرف اليدوية يقول أنه “واع بيئيا”، ويقع في أحد مستودعات “السركال آفنيو”.
تأسس “السركال آفنيو” وسط منطقة صناعية في 2008 على يد رجل الاعمال الإماراتي عبدالمنعم السركال. وبعيدا عن صخب مدينة دبي وشوارعها التي يشهد بعضها زحمة خانقة في فترة ما بعد الظهر، أصبحت مستودعات “السركال آفنيو” مقصدا لهواة الفن في الإمارة.
وتستثمر دولة الإمارات مليارات الدولارات على إنشاء المتاحف واستضافة فعاليات ثقافية، في محاولة لترسيخ صورتها كمقصد سياحي عالمي وفي مسعى لتعزيز “قوتها الناعمة” القائمة على الاستثمار في مشاريع ضخمة ضمن قطاعي الثقافة والرياضة بشكل خاص.
وافتتح في العاصمة الاماراتية في العام 2017 متحف اللوفر أبوظبي، النسخة الخارجية الوحيدة من المتحف الفرنسي الشهير.
وتضم دبي مساحات ثقافية اخرى مخصصة للفن المعاصر، لكن السركال وهو أول حي مخصص بالكامل للفن.
ويدعم “السركال آفنيو” أكثر من سبعين مشروعا للمبدعين ورجال الأعمال من جنسيات مختلفة. وهذه المشاريع هي عبارة عن صالات عرض أو مساحات “للعمل المشترك” أو صناعة الشوكولاتة الحرفي.
ويتم تنظيم نحو 500 حدث ثقافي سنويا وتكون في العادة مجانية، وتجذب نحو نصف مليون زائر سنويا.
تعتبر دبي من الوجهات السياحية الكبرى في العالم. وتضمّ الامارة مئات الأبراج وناطحات السحاب، أشهرها برج خليفة الأعلى في العالم والبالغ ارتفاعه 828 مترا، إضافة إلى برج العرب المعروف بفندقه “السبع نجوم”.
تؤكّد مديرة “السركال آفنيو” فيلما جوكرتي “أقول دائما أننا نخاطر عبر المراهنة” على الفنانين الجريئين. وبحسب جوكرتي، فإن السركال يقدّم “بديلا” لدبي.
وتابعت الليتوانية التي تقيم في دبي “نحن حقا جزء من المدينة ونحن كذلك منذ عشر سنوات”.
ويضم “السركال” أيضا سينما عقيل، البديلة والمستقلة والتي تعد فريدة من نوعها في منطقة الخليج.
وتعرض سينما عقيل افلاما مستقلة وفنية وفيها مقهى صغير في صورة تختلف بشدة عن صالات السينما التجارية في دبي التي تقدم أضخم انتاجات بوليوود وهوليوود.
وتقول لوز فيلاميل نائبة مدير سينما عقيل لوكالة فرانس برس أن الهدف هو تقديم “بديل وتجربة سينمائية مختلفة” لسكان دبي.
ويرافق عرض الافلام المستقلة في العادة نقاشات في القاعة الصغيرة التي صممت بأسلوب يعود إلى خمسينات القرن الماضي مع مقاعد وارائك حمراء اللون يمكن أن تستقبل 133 شخصا.
وتشير لوز فيلاميل أنه في “دبي لم يكن هناك أي (مكان) للجماهير التي ترغب بمشاهدة فيلم ألماني أو سوداني على الشاشة” قبل سينما عقيل.
وعلى الرغم من “التحديات” المالية للمشروع، فإن عقيل تستهدف نوعا من الزبائن الذين يرغبون في رؤية سينما غير تجارية وأفلام مستقلة.
وعرضت “عقيل” عدة افلام مثل فيلم “بابيتشا” للجزائرية مونية مدور و”كفر ناحوم” للبنانية نادين لبكي.
وستعرض الشهر المقبل فيلم “ستموت في العشرين” للمخرج السوداني أمجد ابو العلاء.
“التفاعل مع الناس”
اختار الفنان التونسي- الفرنسي المعروف إل سيد أن يكون السركال موقعا للاستوديو الصغير الخاص به لأنه يعكس “الجانب الآخر من دبي الذي لا يعرفه الناس ابدا”.
وقال لفرانس برس “قررت أن امتلك مساحة هنا للسماح للزوار بخوض تجربة مماثلة لتلك التي في الشارع.. فقط عليك أن تقوم بدفع الباب والدخول إلى ورشة عملي”.
ويؤكد الفنان الذي يعيش بين باريس وتونس ودبي “أكثر ما يهمني هو التجربة الإنسانية والتفاعل مع الناس”.
ويعرف “إل سيد” بأعماله الخاصة بفن الكاليغرافيتي، وهو خليط من الخط العربي وفن الغرافيتي.
وفي مدينة تقيم فيها غالبية من الأجانب، فإن الخط العربي يعد رسالة في مواجهة “هيمنة” اللغة الإنكليزية والثقافة الانكلو-سكسونية في دبي.
ويرى السيد أن “ربط الخط بالغرافيتي يمثل لغة تتحدث مع العديد من الشبان وتسمح لهم بالتصالح مع هويتهم العربية”.
وفي أزقة السركال، يحضر طلاب فنون لمعرضهم الأول، بينما يتجول زوار إماراتيون بلباسهم التقليدي وغيرهم بين معارض السركال والمقاهي التي تقدم منتجات عضوية.
ولكن على الرغم من نجاح “السركال آفنيو” في اوساط محبي الفن واصدقاء البيئة، فإنه من النادر أن يمتلىء بالزوار. ويرى الكثير من القيميين على المعارض أن الأمر سيستغرق وقتا للعثور على جمهور خاص بها دون أن ينزلق في ثقافة الاستهلاك.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-zE9