من المعلوم أن أموال المضاربات التي تستهدف الحصول على أرباح رأسمالية تتأرجح دوما بين سوق الأسهم والعقار. لكن بعد انهيار مؤشر الأسهم السعودية عام 2006 من قمة عالية جدا تجاوزت 20 ألف نقطة إلى قاع منخفض وصل قريبا من أربعة آلاف نقطة، وخلال فترة أربع سنوات تأرجح المؤشر العام للسوق فيها كثيرا، اتجهت الأموال التي نجت من ذلك الانهيار نحو العقار من جهة والأسواق العالمية من جهة أخرى.
كنت قد حذرت منذ سنوات عدة من خطر المضاربات في سوق العقار، ووصفت ذلك بأنه فخ سيتسبب في تعلق الثروات في سوق العقار، وسينتهي الأمر إلى شبه جمود في العقار وشبه جمود في سوق الأسهم. ذلك أن صغار المضاربين لم يزالوا معلقين في سوق الأسهم وخروجهم قد يستدعي وقتا، أو على الأقل لدفن تلك القروض التي تورطوا فيها، في المقابل ستنحصر المضاربات في سوق العقار بين الكبار فقط وستأخذ مسارا أفقيا بعدها يصبح الأمر مملا، فالعوائد لم تعد مجزية لأموال ضخمة شبه معلقة، وزاد من تعقيد الأمور تلك الأزمة المالية العالمية التي تورط فيها الكبار، كما نتج عنها إحجام المصارف عن تقديم التسهيلات التي كانت تقدمها من قبل، وتحول تركيزها إلى القروض الاستهلاكية، ما فاقم أزمة سوق الأسهم السعودية خلال تلك الفترة. لكن مع نهاية عام 2010 بدا وكأن الرياح تهب من جديد مع ارتفاع نسبة القروض العقارية إلى 29 في المائة رغم العوائق التي لم تزل موجودة، وانعكاس هذا الاتجاه وبشكل مباشر في سوق الأسهم السعودية، التي استطاعت الانتعاش بعد تدفق الأموال إليها، الأمر الذي مكنها من كسر حاجز 6700 ومن ثم الوصول وبسرعة وفي أقل من شهر إلى حاجز 8000 نقطة، ووصول قيم التداولات لأكثر من عشرة مليارات ريال، وهذا مؤشر واضح على العلاقة بين القروض العقارية وانتعاش سوق الأسهم.
ومع الموافقة على نظام الرهن العقاري الذي من المتوقع أن يسهم ويعجّل بتحرير عجلة السوق العقارية (نظرا لأنه سيعزز رغبة وقدرة المصارف على تقديم قروض عقارية أكثر)، ومع استعادة سوق الأسهم السعودية عافيتها وعودة الثقة إليها بهدوء، خاصة مع قدرتها على المحافظة على قاع 6700 نقطة رغم الضغوط الموسمية، فإن كل هذه الظروف مجمعة ستسهم في توجه الأموال التي ستخرج من السوق العقارية إلى سوق الأسهم السعودية وتسهم في تحررها، كما حصل مع نهاية عام 2011 وبداية عام 2012. وهكذا فنحن أمام تجربة مهمة حيث إنه من المتوقع فعلا أن يسهم تنفيذ نظام الرهن العقاري في تحرير سوق الأسهم السعودية على المدى الطويل، أي في مدى أكثر من ثلاث سنوات من الآن إذا بقيت الظروف الراهنة الأخرى على حالها، لكن هذا السيناريو مرهون أيضا بشروط عدة.
أولا: من المتوقع أن يسهم الرهن العقاري عند بداية التجربة في ارتفاع أسعار الأصول العقارية، ذلك أن الطلب سيكون فاعلا مع ثبات مستويات العرض في البداية ثم استمرار انخفاض المعروض كلما تزايدت الصفقات العقارية، فمن المعلوم أن نظام الرهن العقاري، في بداياته، لن يساعد على رفع مستويات المضاربات العقارية، ذلك أن أصحاب العقارات المرهونة لن يتخلصوا منها ببساطة، خاصة مع عدم وجود شركات لشراء الرهون العقارية حتى الآن. وفي حال استمرت مشكلات التطوير العقاري كما هي حتى الآن ومن النواحي التنظيمية بشكل عام فإنه من غير المتوقع أن تتمكن السوق العقارية من توفير العقارات بالسرعة المطلوبة، وهذا سيدعم اتجاه الأسعار صعودا في بداية هذه المرحلة. هنا سيكون دور المثمنين مهما جدا، وهذا هو الشرط الأول. فإذا فشلت السوق العقارية في إيجاد مثمنين محترفين، ولم تنم ثقافة ومهنة التثمين العقاري بطريقة جادة فإن السوق العقارية ستشهد مضاربات محمومة على العقارات المتوافرة خارج الرهن وتنافسا شديدا ستُفقد نظام الرهن العقاري معناه، بل قد نشهد بدلا من ذلك فقاعة أصول حقيقية وخطرة جدا.
ثانيا: إذا نجحت السوق العقارية في تطوير مهنة التثمين العقاري فإن أسعار العقار ستشهد استقرارا، خاصة إذا لم تقم المصارف بأخذ ضمانات أخرى غير العقار كضمان للقرض، وهذا هو الشرط الثاني، أما إذا استطاعت المصارف الحصول على ضمانات أخرى غير الرهن، كأن تفرض رهن الراتب أو توقيع كمبيالات أو غير ذلك، فإن اهتمام المصارف بالسعر العادل للعقار لن يكون حقيقيا، وبذلك لن تنجح مهنة التثمين ولن تستقر الأسعار، وبذلك قد يفشل نظام الرهن العقاري بكامله ونعود لمشكلة الفقاعة ولن تحرر السوق.
ثالثا: إذا استطاعت السوق العقارية الوصول إلى أسعار عادلة وتثمين صادق للعقارات فإنها ستكون مجالا خصبا للاستثمارات الجادة والحقيقية، وهنا فقط لن تجد الأموال الساخنة طريقا للسوق العقارية، بل ستبحث عن سوق أخرى أقل تنظيما تعبث بها، ولن يكون هناك أفضل من سوق الأسهم السعودية التي لم تستطع حتى الآن السيطرة على المضاربات أو حتى التقليل من آثارها مع وجود شركات خاسرة، ووجود شركات أخرى كثيرة لا تلتزم بقواعد الحوكمة الرشيدة أو بالإفصاح الحقيقي (بل مجرد إعلانات تحتاج إلى مفسري أحلام بدلا من خبراء اقتصاد وتحليل مالي)، وهذا هو الشرط الثالث. ففي بقاء مستويات وطرق الإفصاح كما هي عليه والشركات السيئة في السوق فإن ذلك يمثل دعوة صادقة لأموال المضاربات الهاربة من سوق العقار وحماية حقيقية لها.
في ظل هذه الشروط الثلاثة ومع دخول الدماء الجديدة لسوق الأسهم، التي ظهرت طلائعها خلال الشهور الماضية، فإن سوق الأسهم السعودية مرشحة إلى موجة صعود قوية مهما ظهرت عليها من تذبذب يعكس روح المضاربات التي تعج بداخلها، وهو الأمر الذي سيرفع معه مستويات المخاطر، وفي الوقت نفسه ستكون العوائد مجزية جدا، خاصة لهواة ركوب الأمواج.