يبدو أن الذهب قرر أن يصعد بلا هوادة، تاركًا وراءه جيوب المواطنين تتنفس بصعوبة، ومحال المجوهرات تتحول إلى متاحف مجانية، حيث يقتصر دور الزبائن على المشاهدة والتقاط الصور التذكارية مع “المعدن النفيس”.
وفي كل مرة يقرر الذهب أن يرتفع، يتذكر المواطن العادي أنه في الواقع ليس سوى متفرج في بورصة لا تعترف بأحلامه الصغيرة. يفتح هاتفه صباحًا ليجد الأخبار تزفه كالعريس في ليلة زفافه: “أسعار الذهب تسجل مستويات قياسية جديدة!”، بينما محفظته ترد عليه بجملة واحدة: “وما شأني أنا؟”.
الذهب، هذا المعدن الذي لطالما تغنّت به قصائد الحب ووُصف بأنه “ملاذ آمن”، لم يعد آمنًا إلا من جيب المواطن، الذي أصبح يرى في واجهات محلات المجوهرات انعكاسًا لحاله، حيث يقف هناك، يتأمل، ثم يمضي في صمت، وكأن الذهب يُباع للملوك فقط، فيما العامة لهم التحديق والحسرة!
حين يصبح الزواج مشروعًا مؤجلًا
في الماضي، كان شراء الذهب للعروس من أساسيات الزواج، رمزًا للقيمة والاستقرار، أما اليوم، فقد أصبح مجرد رفاهية مستحيلة، وعندما يسأل الشاب عن أسعار الشبكة، يكون الرد أشبه بصدمة كهربائية تدفعه لإعادة التفكير في قراره بالارتباط من الأساس! فالمهر الذي كان “مقدورًا عليه” صار أشبه بميزانية دولة نامية، وباتت الأعراس تُعقد على وعدٍ مؤجل: “نشتري لك ذهبًا عندما ينخفض السعر”، أي عندما يعود الديناصور إلى الحياة.
أما النساء اللواتي اعتدن على اقتناء قطعة ذهبية بين الحين والآخر كنوع من الادخار، فقد أصبحن يكتفين بالنظر إلى مصوغاتهن القديمة، يتلمسنها بحنين، وكأنها إرث حضاري لن يتكرر.
الاقتصاديون ينصحون.. والمواطن يضحك بمرارة
في خضم هذا الجنون السعري، يخرج علينا الخبراء الاقتصاديون بنظريات وتحليلات تتحدث عن تأثيرات الفيدرالي الأميركي، والتضخم العالمي، وتوترات الأسواق، وكأن المواطن العادي يملك رفاهية فهم هذه التعقيدات وهو بالكاد يستطيع تدبير نفقات يومه!
يقولون لنا: “الذهب استثمار طويل الأمد، اشتروا الآن وانتظروا”، لكنهم ينسون أن معظم المواطنين لم يعد لديهم ما يشترون به أساسًا، وأن انتظار الربح لم يعد خيارًا حين يكون الهم الأول هو تأمين لقمة العيش، لا المضاربة في الأسواق العالمية.
نحو عصر “المعدن البديل”!
اليوم، مع هذا الصعود الجنوني، بدأت تظهر حلول إبداعية للتعامل مع الأزمة، فقد سمعتُ عن عروس اكتفت بـ”خاتم من الفضة المطلية”، وعرسان يتبادلون “بطاقات تهنئة” بدلًا من الذهب، حتى أن بعض التجار بدأوا يروجون لفكرة أن “الذهب ليس مهمًا، المهم الحب”!
لكننا نعلم جميعًا أن هذا مجرد تبرير لواقع مؤلم: الذهب لم يعد للناس، أصبح لمن يملك القدرة على ملاحقته، وأما البقية، فيتفرجون، يتألمون، ويضحكون بسخرية على واقع لا يبدو أنه سيتغير قريبًا.
وفي النهاية، يبقى السؤال: هل سيأتي يوم يصبح فيه الذهب مجرد ذكرى من الماضي، مثل تلك العملات القديمة التي لم يعد لها قيمة؟ أم أننا سنظل نركض وراءه، بينما هو يبتعد أكثر فأكثر، تاركًا لنا الحسرة.. والفواتير المتزايدة؟
- حصري لمال واعمال يمنع الاقتباس او إعادة النشر وتحت طائلة المسؤولية القانونية