إيطاليا في حالة إغلاق كامل، فالمدارس والجامعات والمطاعم مغلقة، فيما ألغيت مباريات كرة القدم، وسط انتشار سريع لفيروس «كورونا» المستجد في البلاد. ويُسمح فقط لمحال البقالة والصيدليات بالبقاء مفتوحة، ولا يُسمح إلا بالسفر الضروري للغاية. وكان من المفترض أن دول الاتحاد الأوروبي سترسل لأصدقائها الإيطاليين بعض الإمدادات الحيوية، خصوصاً أن الإيطاليين طلبوا ذلك، لكن للأسف لم يحدث ذلك.
آلية الحماية المدنية التابعة للاتحاد الأوروبي، تعمل لتنسيق الاستجابة للطوارئ، ومراقبة الكوارث الطبيعية وغيرها على مدار الساعة، وعندما لا تتمكن دولة عضو في الاتحاد الأوروبي من التعامل مع الأزمة بمفردها، يمكنها التحول إلى مركز الأزمات. ويرسل المركز الطلب إلى الدول الأعضاء الأخرى، التي يمكنها بعد ذلك التطوع للمساعدة، ويقوم البلد المتلقي بسداد المساعدة، في وقت لاحق.
قبل عامين، ومع انتشار حرائق الغابات المدمرة في جميع أنحاء البلاد، لجأت السويد إلى مركز تنسيق الاستجابة للطوارئ، إذ أرسلت البرتغال طائرتين لمكافحة الحرائق، وأسهمت ألمانيا بخمس مروحيات و53 من رجال الإطفاء، في حين أرسلت ليتوانيا طائرة هليكوبتر واحدة والنرويج ثماني، كما أرسلت فرنسا 60 رجل إطفاء وطائرتين، وأرسلت إيطاليا، التي عاشت موسم حرائق غابات خطراً، طائرتين.
وعندما وصل المساعدون الأوروبيون إلى السويد، رحب بهم السكان المحليون بالتصفيق، وقد كان مثالاً قوياً على حقيقة ظلت منسية في كثير من الأحيان: الاتحاد الأوروبي أكثر من مجرد معاملات مالية مملة، بل يتعلق أيضاً بمساعدة البلدان الأوروبية عند الحاجة.
في الشهر الماضي، عندما بدأ «كوفيد 19» في الانتشار بسرعة، في إيطاليا، طلبت روما المساعدة عبر مركز تنسيق الاستجابة للطوارئ، وقال الممثل الدائم لإيطاليا لدى الاتحاد الأوروبي، ماوريتسيو مساري: «لقد طلبنا معدات طبية، وأرسلت المفوضية الأوروبية النداء إلى الدول الأعضاء،» موضحاً: «لكننا لم نتلقّ شيئاً».
أمر مأساوي
حتى الآن، لم ترسل أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي الإمدادات اللازمة إلى إيطاليا، وهذا أمر مأساوي لبلد كان لديه أكثر من 21 ألف إصابة بالفيروس و1441 حالة وفاة، حتى 14 مارس، في وقت يعاني الطاقم الطبي من نقص حاد في الإمدادات، ومن المؤكد أن جميع الحكومات يتعين عليها التأكد من أن لديها ما يكفي من الإمدادات للمستشفيات والمرضى والعاملين الطبيين، لكن لا يوجد بلد أوروبي يعاني عن بُعد، بدرجة معاناة إيطاليا نفسها. ويوجد في إسبانيا وفرنسا عدد كبير من الحالات، لكن حتى 14 مارس، توجد في فنلندا 225 حالة، فقط، وجارة إيطاليا النمسا توجد بها 655 حالة، فيما أصيبت أعداد قليلة في البرتغال وإيرلندا، ورومانيا وبولندا، وبلغاريا والمجر.
لقد استفاد العديد من تلك البلدان بشكل كبير من التضامن الأوروبي في الماضي، وعدد منها يحصل على أموال، لأنها أعضاء، أكثر مما تدفع لخزينة الاتحاد. في غضون ذلك، هبطت في منتصف ليلة 12 مارس، طائرة صينية في روما وعلى متنها تسعة خبراء طبيين، و31 طناً من الإمدادات الطبية، بما في ذلك معدات وحدة العناية المركزة، ومعدات الحماية الطبية، والأدوية المضادة للفيروسات. وفي الوقت نفسه تقريباً، وصلت شاحنة صينية إلى إيطاليا تحمل أكثر من 230 صندوقاً من المعدات الطبية. وكان هذا أقل مما وعد به عضو مجلس الدولة الصيني، وانغ يي، وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، في مكالمة هاتفية، قبل أيام، وبعد يومين من المكالمة الهاتفية كانت الإمدادات في طريقها إلى إيطاليا.
تجربة سابقة
عاشت إيطاليا تجربة سيئة في الماضي القريب، فخلال أزمة اللاجئين عام 2015، وصل نحو 1.7 مليون شخص إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، معظمهم إلى إيطاليا واليونان، لكن في عام 2017 كانت بعض الدول الأعضاء في الاتحاد لاتزال ترفض قبولهم بموجب خطة تضامن. وفي ذلك قال مساري إن «أزمة الفيروس شبيهة بأزمة اللاجئين، فالدول التي لم تتأثر مباشرة ليست مستعدة في الغالب للمساعدة، ومن الواضح أن الدول المختلفة لديها تصورات مختلفة للتهديد، ونحن (إيطاليا) نشعر بأن الفيروس يمثل تهديداً عالمياً وأوروبياً، ويحتاج إلى استجابة أوروبية، لكن الدول الأخرى لا ترى ذلك بهذه الطريقة».
إيطاليا المتعثرة ستؤثر سلباً في أصدقائها الأوروبيين، أيضاً، وسيشمل ذلك اقتصاداتهم، لكن الرد السلبي على نداء إيطاليا يشير إلى قضية أكبر، وهي كيفية استجابة الحلفاء الأوروبيين، في حالة حدوث أزمات أكثر تدميراً من فيروس «كورونا»، مثل هجوم إلكتروني ضخم يقطع إمداد الطاقة لفترة طويلة، ومن دون طاقة كهربائية، تتوقف النشاطات الأساسية الأخرى عن العمل بسرعة، أيضاً.
وفي الواقع فإن حقيقة أنه لا بلد، باستثناء محتمل للصين، يمكن أن يعيش من دون حلفاء مقربين، هي السبب وراء تأسيس حلف شمال الأطلسي «الناتو»، قبل 71 عاماً، ومجموعة الفحم والصلب الأوروبية بعد ذلك بثلاث سنوات. ومن المفترض أن تبذل الدول الأعضاء في الحلف قصارى جهدها للدفاع عن دولها، لكنها جميعاً تعلم أنها بحاجة إلى بعضها، والدفاع الجماعي هو سبب وجود «الناتو».
وتعرف جميع الدول الأعضاء أنها يمكنها اللجوء إلى الجيش الأميركي إذا نفدت الذخيرة، كما حدث أثناء تدخل الحلف في ليبيا عام 2011.
بعثات أجنبية
في وقت يواجه عضو رئيس، بالاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، المصاعب الشديدة، يُظهر حلفاء إيطاليا أنه لا يمكن الاعتماد عليهم في أزمة حادة، وهذا يعني أن إيطاليا قد تتجه بشكل متزايد نحو الصين. وستبقى عضواً قوياً في الاتحاد والحلف، لكن لماذا يجب أن تدعم حلفاءها الأوروبيين في المرة المقبلة التي تكون فيها في مأزق؟ ولماذا يجب عليها الانتباه إلى دعوات الحلفاء الأوروبيين لتغيير موقفها من المشاركة في مبادرة «الحزام والطريق» الصينية التي انضمت إليها العام الماضي؟ وتبنت إيطاليا والصين برنامج تعاون أمني، العام الماضي، شملت ضباط شرطة صينيين يقومون بدوريات في شوارع روما وميلانو.
لماذا ينبغي على إيطاليا الاحتفاظ بقواتها، البالغ قوامها نحو 6000 جندي، في البعثات الأجنبية، والقوات التي تقود وتشكل أجزاء كبيرة من مهمة الأمم المتحدة لحفظ السلام في لبنان وقوات الناتو في كوسوفو، والجنود الذين يساعدون في الدفاع عن لاتفيا جزءاً من الوجود المعزز للحلف الأطلسي، والبحارة الذين يشاركون في مهمة الاتحاد الأوروبي لمكافحة القرصنة الصومالية، والذين يراقبون غرب البحر الأبيض المتوسط ليس لمصلحة إيطاليا فقط، ولكن لبقية أوروبا أيضاً.
يبدو أن «اللعنة» تحل على إيطاليا أحياناً، ومع ذلك فإن عضوية الاتحاد الأوروبي كانت جيدة، في الغالب لإيطاليا، فقد تحسن اقتصادها بشكل كبير، من خلال السوق الموحدة واليورو، واستفاد مواطنوها بشكل كبير من حرية الحركة، إذ يعيش نحو 2.7 مليون إيطالي، حالياً، في دول أعضاء أخرى بالاتحاد. ويقدر الإيطاليون العضوية الأوروبية، إذ أظهر استطلاع أجراه مركز «بيو» للأبحاث عام 2018، أن 58% من الإيطاليين لديهم نظرة إيجابية إلى الاتحاد الأوروبي، وهو أقل إلى حد ما من متوسط الاتحاد الأوروبي البالغ 62%، لكنه أعلى بكثير من 37% في اليونان. وفي 13 مارس، تدخلت المفوضية الأوروبية لمساعدة الاقتصاد الإيطالي، لكن حتى الآن لم تتحقق أي مساعدة طبية من الدول الأعضاء.
في الواقع، مع غياب التضامن، في الوقت الحالي، قد يفقد الاتحاد الأوروبي دعم إيطاليا، وستواصل الصين الاستفادة من الوضع، وهذا لا يجب أن يحدث، وبدلاً من ذلك، يجب على المستفيدين من الاتحاد الأوروبي، والدول ذات العدد المنخفض من الإصابات بالفيروس المستجد، مثل سلوفاكيا وبلغاريا وجمهورية التشيك، والمجر ورومانيا وبولندا، إرسال أقنعة لإيطاليا وأي شيء آخر قد تحتاج إليه الأخيرة. وبخلاف ذلك لا يُتوقع أن يأتي الجنود الإيطاليون لمساعدة حلفاء أوروبيين، عندما تقوم روسيا بمفاجأة دولة أوروبية، من اختيارها، أو عندما تقوم دولة معادية أو وكلاؤها بضرب بولندا.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-Aus