مجلة مال واعمال

الثقافة و الصحافة الأردنية

-

بقلم / سارة السهيل
كانت الصحافة الاردنية ولا تزال مرآة عاكسة لنبض الشعب ومعبره عن طموحاته وأحلامه ومحافظه على موروثه وزاده الحضاري والثقافي ، وجسرا للتلاقح الفكري والابداع محليا وعربيا وعالميا .
عنيت الصحافة الأردنية بنقل المورث الثقافي والإنساني ، و اصطبغت منذ نشأتها عام 1920 وحتى خمسينات القرن الماضي بالطابع الثقافي الأدبي في التعبير عن مضمونها الفكري والادبي ، وبسببها  نشطت الحركة الشعرية ، فلم تعد ذائقة المتلقي الاردني قاصرة على تلقي ابداع  الشعر البدوي فحسب بل تعداه الى تذوق شعر التشطير  والمعارضات غيرها.
كما حظي الإبداع النثري والنقد الأدبي باهتمام الصحافة الأردنية ، فعرفت  الرواية والقصة بشكليها القصيرة والطويلة ، بجانب تناول الأدب العربي والعالمي والمقالات  عن قادة الفكر والابداع العربي والعالمي .
واشتهرت حقبة خمسنيات القرن الماضي ببزوغ شمس الصحافة المتخصصة بالادب والثقافة  مثل مجلة الحمامة ، وجريدة جزيرة العرب ، و الحكمة وصوت الجيل ، و الوعي ، و القلم الجديد ، و الرابطة الفكرية ، لكنها عانت من مشكلات عدم الانتظام في الصدور ، و ضعف الإمكانات المادية .
ولما كان الإنتاج الأدبي مسيطرا على المنتج الصحفي آنذاك ، فكان معظم  كتابها من الادباء والمثقفين  وليسوا من السياسيين أو الصحفيين المهنيين ، وهو ما انعكس في غلبة الطابع الادبي على كتابة  المقالات والتقارير السياسية .
تمازجت الصحافة مع الادب في هذه الحقبة و ساهمت في تشكيل الوعي الفكري  والبناء الثقافي للمجتمع الاردني  , وكلاهما ساهم في تطوير الاخر وانتشاره.
أما حقبة الستينات فقد شهدت تراجع الصحافة الادبية للمجلات ، وبزوغ نجم  الصحافة اليومية كالرأي وغيرها فعملت على تقديم تغطيات للانشطة الثقافية والأدبية و تخصيص جزء من مساحتها للشؤون الثقافية والأدبية ، وتطورت التجربة بإصدار ملاحق أسبوعية متخصصة تعنى بالشأن الثقافي.
مثلت الملاحق الثقافية بالصحف جسرا مهما لعبور المبدعين الى الجمهور بسلاسة ، وقامت بالعديد من عمليات التبشير  بكتب وكتابات أدبية وفكرية وفلسفية ، وتقديم أسماء شابة نضجوا ومع الوقت صاروا نجوما لامعة في المشهد  الثقافي العربي ، وفتحت الباب للباحثين والنقاد لطرح فكرهم مع فتح الباب للمشاركة العربية فاستقطبت اقلام أعلام الثقافة العربية .
حققت الصفحات الثقافية والملاحق بالصحف الاردنية نجاحات كبيرة في جذب جمهور القراء بفعل عوامل عديدة  أهمها ان مسئولي هذه الصفحات ومديري تحريرها في معظمهم كانوا من الكتاب الادباء والمبدعين ، ومنهم ابراهيم العلوجي المشرف على الملحق الثقافي الاسبوعي لصحيفة الرأي ، فهو أحد ابرز مؤسسي الصحافة الثقافية بالاردن والعالم العربي ، وصاحب أشهر كاتب عامود ثقافي يمزج بين التأمل الفكري والثقافي بالواقع السياسي ، وتتلمذ الكثيرون على يديه  .
استفادت صحيفة  الرأي من خبرات الرواد الصحفيين والادباء ، مثل جمعة حماد عميد الصحافة الاردنية الذي تولي ادراتها علي مدار اثنتي عشر عاما ، و ايضا استفادت من خبرات الاديب عبد الرحيم عمر الذي ساهم في تأسيس الصحيفة منذ البداية وهو من كبار مبدعي الاردن وله جائزة باسمه لافضل ديوان شعر عربي أطلقتها رابطة الكتاب .
كذا أسهمت الصفحات الثقافية بالجرائد الاردنية وعلى رأسها ” الرأي ” في وضع  رواد الحركة الثقافية في صدراة المشهد الثقافي واستكتابهم بمقالات أسبوعية مثل الكاتب الراحل حسني فريز  ، اسثثمارا لتجاربه الابداعية وتوجهاته الفكرية وعطائه الممتد بين الشعر والقصة والترجمات .
وحملت ذاكرة القراء العامود الاسبوعي”  سواليف ” بصحيف الرأي ، للكاتب الصحفي والمسرحي أحمد حسن الزعبي ومعالجته لقضايا المجتمع الاردني السياسية والاجتماعية والفكرية .
ولما كان مديروا الصفحات الثقافية والملاحق الاسبوعية بالصحف الاردنية  مثقفين ومبدعين فغلب الطابع الثقافي علي الاعلامي لديهم ومن ثم أثري المشهد الفكري والابداعي الاردني علي مستوى الابداع والتلقي معا ، واكتسبت الملاحق الثقافية ألقا وزخما في الحياة الثقافية الاردنية الى حد صار النشر فيها علامة على تميز الادباء مثل
رؤساء الصفحه الثقافيه احمد المصلح . ابراهيم العجلوني.سميحه خريس.حسين نشوان.رسمي الجراح.محمد العوايشه.ابراهيم السواعير جعفر العقيلي…
وعلى الرغم من الاتجاه المحافظ نسبيا في السياسة التحريرية لصحيفة الرأي وانشغالها بالهم الثقافي الوطني اولا ثم العربي والدولي ، فانها كانت تتبني الاتجاهات الفكرية والثقافية الحديثة وحققت من خلالها نجاحات انقرائية كبيرة .
تجلى ذلك عندما وقعت ” الرأي ” اول اتفاقية صحفية مع اليونسكو ضمن 14 دولة عربية لاصدار مشروع  ” كتاب في جريدة ” والذي بموجبه يتم اختيار احد اهم النصوص العربية قديما او حديثا واصداره في كتاب ، ولاقت هذه التجرية الثقافية نجاحا كبيرا بالادرن والدول  العربية .
في تقديري ان الصحافة الثقافية بالجرائد الاردنية نجحت في تكريس الموروث الحضاري والثقافي الوطني وتعزيزه والفخر به ، و توسيع الافاق المعرفية لجمهور القراء وتنشيط  أخيلتهم وتنمية ذائقتهم  وتشكيل رؤاهم نحو الواقع والمستقبل ، لكنها اليوم تواجه  تحديات كبيرة مثل غيرها من الصحف العربية  يتطلب منها ابتكار اشكال جديدة للتغطيات الصحفية ، والتوسع في اثارة الجدل والنقاش حول القضايا الفكرية والثقافية التي تهم الشارع الاردني ، وفتح الابواب أكثر مما سبق لقبول المعارضات الفكرية والشعرية والادبية ما من شأنه ان يخلق حالة من الوهج الفكري بالمشهد الثقافي الاردني .
سارة طالب السهيل