اعداد:
المحامي عبداللطيف مدهش
مشكلة العصر والتحدي الأكبر
اجلى صورالأزمة الاقتصادية الحالية وأهم نتائجها يتمثل في معدلات البطالة التي أخذت في الارتفاع في مختلف أصقاع الأرض، ومع ذلك فالبطالة ليست مشكلة حديثة أو مستحدثة، بل هي قديمة قدم الأنظمة الاقتصادية وعلم الاقتصاد كما نعرفه اليوم.
ولعلنا لا نبالغ في القول إن ادعينا أنها – أي مشكلة البطالة – كانت ومازالت من أكبر المشكلات التي تواجه الحكومات ومن أعقد الظواهر التي تواجه علماء المتقدمين والمتأخرين.
وعلى الرغم من تفأوت المدارس الفكرية في مقاربة هذه المشكلة ودرجة نجاح الحكومات في القضاء عليها فإنه لا يمكن إنكار وجود نوع من التوافق بين المنظرين والممارسين للاقتصاد على أن الحل يكمن في التنمية والمزيد من التنمية، بمعنى أن حل مشكلة البطالة يعتمد ويتمحور حول النمو الاقتصادي الكفيل بإيجاد المزيد من الوظائف، لكن هذا التوافق يجب ألا يمنعنا من النظر في حقيقة التنمية ودورها في رفع مستوى الرفاهية الاجتماعية، وفي القضاء أو على الأقل الحد من انتشار واستفحال مشكلة البطالة.
من هنا فاننا وفي هذا التقرير سنفرد الحديث عن البطالة ونشوئها والأسباب المؤدية إلى ظهورها في اقتصاديات العالم سواء المتقدم منها أو تلك الاقتصاديات التي هي في طور النمو فضلا عن التعرف على الجوانب والمضاعفات والتأثيرات المباشرة منها وغير المباشرة وما تلحقه تلك الظاهرة من أضرار اقتصادية واجتماعية تطال شرائح واسعة من الموارد البشرية التي تشكل العنصر الأساسي من العناصر الرئيسية في بناء سياسة اقتصادية ناجحة تضع نصب عينيها تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية المستدامة وصولا إلى حالة من الرفاهية التي هي غاية كل سياسة اقتصادية تنموية أصيلة.
البطالة في العالم الثالث
أضحت مشكلة البطالة عائقا تنمويا كبيرا في الكثير من دول العالم الثالث وأصبحت سببا في تهديد استقرار العديد من الأنظمة والحكومات في ظل المعدلات المتزايدة للنمو السكاني في هذه البلدان وزيادة الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك اذ ان اثار البطالة التي يعاني منها شباب دول العالم النامي وكذلك البعض من دول العالم المتقدم على حد سواء تنعكس سلبا على سلوكهم وتلقي بظلالها على المحيط وما يتولد عنه من الإحساس بالإحباط والهزيمة الداخلية.
ولا شك ان البطالة أضحت في مختلف دول العالم مشكلة المشاكل بل هي أم المشاكل التي تؤدي غالبا إلى تفاقم نتائجها على المجتمع حيث إن أولى بنات البطالة الفقر ويليها المرض ومن ثم التخلف المطبق وهناك ما يقارب مليار عاطل عن العمل موزعين على مختلف أنحاء المعمورة.
البطالة تدخل مرحلة جديدة
ويبدو أن البطالة قد دخلت مرحلة جديدة تختلف تماماً عن بطالة عالم ما بعد الحرب العالميّة الثانية حيث كانت البطالة جزءاً من الدورة الاقتصادية بمعنى أنّها تظهر مع ظهور مرحلة الركود وتختفي مع مرحلة الانتعاش.
أمّا الآن فقد أصبحت البطالة ومنذ ما يزيد عن ربع قرن من الزمان مشكلة هيكلية فبالرغم من تحقّق الانتعاش والنمو الاقتصادي تتفاقم البطالة سنة بعد أخرى.
وفي البلاد النامية تتفاقم البطالة بشكل عام مع استمرار فشل جهود التنمية وتفاقم الديون الخارجية وتطبيق برامج صارمة للانضباط المالي ومما زاد من خطورة الأمر أن هناك فقراً شديداً في الفكر الاقتصادي الراهن لفهم مشكلة البطالة وسبل الخروج منها الأمر الذي شجع ظهور بعضا من الأفكار التي تتبنى فكرة البطالة أضحت مشكلة تخص ضحايا المجتمعات التي لم تنجح في التكييف مع مفهوم العولمة الجديد أو تندمج في اقتصادياتها.
الاثار السلبية للبطالة
وتتجاوز مشكلة البطالة بعدها الاقتصادي إلى حدود اكبر وفضاءات أوسع حيث ينسحب ذلك التأثير على الواقع السلوكي والنفسي والاجتماعي لشرائح كبيرة في المجتمعات المتخلفة حيث تؤكد التقارير الصادرة عن معهد السياسات الاقتصادية التابع لصندوق النقد العربي، أن خطورة مشكلة البطالة في الدول العربية لا تنبع من تأثيرها الاقتصادي فحسب ولكن من تأثيرها النفسي والاجتماعي.
كما أن نسبة البطالة بلغت 15% بالإضافة إلى حجم البطالة المقنعة الذي يصل إلى 25% باستثناء نسبة العاملين في القطاع غير الرسمي والبالغة 35% من حجم قوة العمل حيث يتضح من هنا مدى عمق وحجم تلك المشكلة الاقتصادية في مجتمعات العالم النامي عموما والدول العربية خصوصا.
تحليلات عدة
من هنا فإن حدة البطالة ونتائجها وتأثيراتها في النظام الرأسمالي دفعت بعدد كبير من المفكرين من مختلف مدارس الاقتصاد السياسي إلى محأولة تحليلها وتفسيرها وإبراز انعكاساتها الاجتماعية والسياسية وواضح من خلال وجهة نظر تلك المدارس المختلفة أمثال المدرسة الكلاسيكية القديمة والمدرسة الماركسية والمدرسة النيو كلاسيكية ومدارس أخرى وتفسيراتها للبطالة أن كل مدرسة كانت تنطلق من موقع طبقي واجتماعي معين في التحليل.
نتائج مخيبة للامال
بالإمعان في تطور النمو الاقتصادي في البلدان العربية، نجد أنها قد جاءت مخيبة للآمال و لم تحقق ما كان منتظرا منها، فلم ترفع مستوى نصيب دخل الفرد العربي بدرجة محسوسة، و أشد من هذا أن الفجوة بين الدول العربيـة والدول الصناعية المتقدمة في تزايد مستمر لتباين معدلات النمو في كل منهـا، ويمكـن تحديد أشد العقبات التي تواجه الدول العربية في هذه المسألة من تأخرها عن مساعي التنمية، حيث يوعز ذلك إلى جمود الهيكــل الاقتصادي للدول العربية إضافة إلى تأخرها في الجهود الإنمائية والصناعية، حيث نجد أن صناعاتها الآن بالضرورة ناشئــة لا تستطيع منافسة منتجات الدول الصناعية إلا إذا توافرت لها دفع من أنواع الحماية.
وما يزيد من العقبات التي تواجههـا الدول العربية نتائج تباطؤها في تحقيق معدلات النمو الاقتصادي وفشل سياساتها الاقتصادية التي كان ينتظر منها تقليــل قلاقل تفاقم أزمة البطالة بها.
إن ما نبرزه في هذا المقام هو بعــض الجوانب التي تعيق تقدم مخططات التنمية الاقتصادية هذه الــدول، حيث تبين هذه العقبات جانبا آخر من مسـاوئ الوضع الذي تواجهه الدول العربية نتيجة تأخرها في سلم التقدم الاقتصادي.
حيث باءتت أغلب برامج التصحيح الاقتصادي التي طبقتها الدول العربية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي في إحداث أي نمو اقتصادي حقيقي، وبنسب مقبولة تعمل على التخفيف من حدة البطالة في هذه الدول، بل على العكس من ذلك تماما فقد وسعت هذه البرامج الفجوة وزادت من أعداد العاطليـن عن العمل، وكذلك إفتقار قطاعات كبيرة من الشعب نتيجة لرفع الدعم على السلع و الخدمات الأساسية.
نمو قوة العمل العربية
أصبحت اغلب الدول العربية تتحمل عبئا كبيرا في سبيل مواجهة تفاقم أزمة البطالة خصوصا بين الشبــاب وذوي الشهادات العلمية والتقليل من آثارها السلبية، وذلك بسبب تداخل عدد من العوامل ذات العلاقة المباشرة بقضية التشغيل كالنمو السكاني، نمو القوى العاملة ومستويات مهارتها وإنتاجيتها، الأداء الاقتصادي والتطورات الاجتماعية.فعلى الرغم من تحقيق البلدان العربية تقدما في بعض المؤشرات الاجتماعية كانخفاض معدل الوفيات، تحسن متوسط العمر المتوقع عند الولادة وفي معدلات الأمية لا تزال العديد من الدول تعاني من بعض هذه المشاكل وعلى رأسها نمو القوى العاملة بمعدل أكبر من معدلات نمو فرص العمل.
تأثير البطالة على الاقتصاد
يقول البرفسور لودفينغ فوس ميزس عليكم أن تتذكروا أنه في السياسات الاقتصادية لا توجد معجزات.
لقد قرأتم في كثير من الصحف والخطب حول ما سمي بـ”المعجزة الاقتصادية الألمانية وان كل بلد يستطيع أن يمر بمعجزة مماثلة من النهوض الاقتصادي، على الرغم من إصراري على القول بأن النهوض الاقتصادي لا يتأتى عن معجزة الا إنه يتأتى عن تطبيق سياسات اقتصادية سليمة.
وعليه يجب أن تكون الحكومة راعية ليس للناس أنفسهم ولكن للأحوال التي تسمح للأشخاص والمنتجين والتجار والعمال ورجال الأعمال والمدخرين والمستهلكين من متابعة ما يصبون إليه من أهداف بسلام, فإذا ما فعلت الحكومة ذلك وليس أكثر من ذلك فسوف يصبح الناس قادرين على العناية بأنفسهم أفضل كثيراً مما يمكن للحكومة أن تفعل.
وللبطالة تأثيرات اقتصادية واجتماعية عديدة حيث تؤدي البطالة إلى الظواهر التالية:
- البطالة تؤدّي إلى انتقاد الأمن الاقتصادي حيث يفقد العامل دخله وربّما الوحيد، ممّا يعرضّه لآلام الفقر والحرمان هو وأسرته.
- تسبب البطالة معاناة اجتماعيّة وعائليّة ونفسيّة بسبب الحرمان وتدني مستويات الدخل.
- تؤدّي البطالة إلى إهدار في قيمة العمل البشري وخسارة البلد للناتج الوطني.
- تؤدّي البطالة إلى زيادة العجز في الموازنة العامّة بسبب مدفوعات الحكومة للعاطلين ( صندوق دعم البطالة ).
- تؤدّي البطالة إلى خفض في مستويات الأجور الحقيقيّة.
- تؤدي البطالة إلى انخفاض في إجمالي التكوين الرأسمالي والناتج المحلي وهذا ما يؤدي بمرور الزمن إلى انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
- تؤدّي البطالة إلى شلّ الحياة في بعض القطّاعات الإنتاجية بسبب لجوء العمّال أحياناً إلى الإضرابات والمظاهرات.
- تؤدي البطالة إلى دفع العديد من الكفاءات العلمية وشريحة واسعة من المتعلمين إلى الهجرة الخارجية بحثا عن مصادر دخل جديدة لتحسين قدرتهم المعيشية ولتلبية طموحاتهم الشخصية التي يتعذر تحقيقها في مجتمعاتهم التي تعج بأعداد العاطلين عن العمل. حيث ساعدت البطالة على جعل الهجرة والسفر إلى الخارج حلما يراود أذهان الكثير من الشباب وتقول الإحصائيات انه خلال الـ15 سنة الماضية تزايد عدد من يعبرون الحدود سعيا وراء حياة أفضل بشكل مستمر ونحن في القرن الحادي والعشرين هناك فرد واحد من كل خمسة وثلاثين شخصا حول العالم يعيش كمهاجرين إننا إذا جمعنا كل المهاجرين في مكان واحد فإنهم سيكونون دولة هي الخامسة على مستوى العالم من حيث تعداد السكان. كما يقدر الخبراء أن ما تجنيه الولايات المتحدة من جراء هجرة الأدمغة إليها بنصف ما تقدمه من قروض ومساعدات للدول النامية وبريطانيا 56 % أما كندا فان العائد الذي تجنيه يعادل ثلاثة أضعاف ما تقدمه من مساعدات للعالم الثالث.
حلول جذرية
ومن هنا ننطلق في النظر إلى السياسات الاقتصادية السليمة التي يجب تبنيها ليتمكن المجتمع من الاستمرار في طريقه نحو التطور والتقدم وتحقيق معدلات نمو اقتصادية تضفي على سياسة التنمية المزيد من فرص تحولها من سياسة تنموية بحتة إلى تحقيق عامل الاستدامة الكفيل برفد الاقتصاد بجميع العناصر الضرورية لتامين النمو الاقتصادي وبالنسب المعقولة.
فلا يمكن ترك الحابل على الغارب كما يقول المثل إلى القطاع الخاص باتخاذ عنصر المبادرة وحيدا دون ضوابط وقوانين تحد من طموحاته وتهذبها باتجاه السياسة التنموية المنشودة وكما لا يمكن إطلاق يد القطاع العام هكذا دون وجود عامل المنافسة من قبل القطاع الخاص والرقابة النوعية لكي يتمكن القطاع العام من مواصلة التطور والاندفاع نحو الأمام تحت مظلة التطور وتحسين الجودة الإنتاجية.
فإذن إن إتباع سياسات اقتصادية سليمة ستمكن الاقتصاد من تدعيم فرص نموه وثباته حتى في حالة وقوع الأزمات.
افة العصر والمشكلة الاقتصادية الأكبر
الخلاصة
إن مشكلة البطالة هي من اخطر المشكلات التي تواجه اقتصاديات العالم النامي عموما واقتصاديات البلدان العربية خصوصا نظرا لما لها من آثار سلبية خطيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية فعلى المستوى الاقتصادي تفقد الأمة عنصرا هاما من عناصر التنمية ألا وهو عنصر الموارد البشرية وذلك سواء من خلال تعطيل قدراتهم نتيجة البطالة أو من خلال هجرتهم إلى الخارج أما على المستوى الاجتماعي فان البطالة توفر الأرض الخصبة لنمو المشكلات الاجتماعي.
وفيما يلي أهم الإقتراحات التي من شأنها أن تجعل من عملية مكافحة البطالة أمرا ممكنا فيما لو خلصت النية وتوفر القابلية على التضحية من اجل الجميع دون التركيز على المنافع والعوائد الخاصة ومنها:
- يقوم علاج مختلف أصناف البطالة على إيجاد فرص عمل كافية يوظف فيها العاملون قدراتهم لأقصى حد بما يحقق كفاءة إنتاجية عالية ومتزايدة من ناحية ويوفر مكسباً مرتفعاً ومتنامياً يكفل إشباع الحاجات الأساسية للناس في المجتمع وارتقاء مستوى الرفاه البشري مع الزمن من ناحية أخرى.
و يعنى هذا الهدف المركب خلق فرص عمل أفضل من المتاح حاليا على جانبي الإنتاجية والكسب على حد سواء وأكثر بكثير من المطلوب لمجرد مواجهة البطالة السافرة بحيث يمكن للمشتغلين فعلاً في أي نقطة زمنية الانتقال لأعمال أعلى إنتاجية وأوفر كسباً.
- يتعين الارتقاء بنوعية رأس المال البشرى من خلال الاستثمار المكثف في التعليم والتدريب المستمرين وفي الرعاية الصحية مع إيلاء عناية خاصة للمستضعفين الفقراء والنساء حتى يتأهل الأفراد في سوق العمل لفرص العمل الأفضل.
وهذه مهمة تاريخية ليس لها إلا الدولة وعلى حد وفائها بهذه المهمة سيتحدد مدى خدمتها لغاية التقدم.
- وحيث لا يُتوقع أن يتمكن رأس المال الكبير من خلق فرص العمل الكافية لمواجهة تحدى البطالة نظراً لتركيزه على الأنشطة الاقتصادية كثيفة رأس المال وخفيفة العمالة فيتعين توفير البنية المؤسسية المواتية لقيام المشروعات الصغيرة بدور مهم في خلق فرص العمل مع تحقيق تضافر فعال بين المشروعات الصغيرة وقطاع الأعمال الحديث.
ويتطلب تحقيق ذلك الهدف، تمكين عموم الناس خاصة الفقراء من الأصول الإنتاجية بالإضافة إلى رأس المال البشرى؛ ويأتي على رأس القائمة الائتمان بشروط ميسرة والأرض والماء في المناطق الريفية حيث يعيش أكثر الفقراء. كذلك يتعين توفير البيئة القانونية والإدارية لتسهيل قيام المشروعات الصغيرة ورعايتها حيث تتسم هذه المشروعات بالضعف وارتفاع احتمال الفشل. ويمثل ذلك التوجه – إن قام – تحولاً جذرياً في بيئة الاستثمار الحالية التي توفر الحوافز كل الحوافز لرأس المال الكبير بينما تترك المستثمر الصغير قليل الحيلة بالتعريف يرزح تحت ثقل أقسى العوائق التمويلية والإدارية والتسويقية.
- وقد تتطلب مكافحة البطالة – خاصة في البداية – توفير فرص عمل من خلال الإنفاق الحكومي على مشروعات البنية الأساسية مما يحقق غرضاً مزدوجاً:
تشغيل مكسب للفقراء.
تحسين البنية الأساسية والتي هي بحاجة لتطوير ضخم ومستدم.
حصري لمال واعمال يمنع الاقتباس او اعادة النشر يمنع الاقتباس الا باذن خطي
المصدر : https://wp.me/p70vFa-vkz