“هبة باردة هبة ساخنة” هذا هو حال اقتصاد لبنان في هذه الايام الذي سيكون على غرار اقتصادات السنوات السابقة، تعيش تداعيات الخلافات السياسية الداخلية وعدم الاستقرار الامني وتفاقم الازمة السورية على الداخل اللبناني ولا سيما لناحية عدد النازحين السوريين المتصاعد والمرشح ان يتجاوز المليون و500 الف نازح، أي اكثر من 37 % من الشعب اللبناني وانعكاس ذلك على المالية العامة والاقتصاد الوطني وسوق العمل والبنية التحتية.
“هبة باردة” تجلت في تأليف “حكومة المصلحة الوطنية” والعودة عن قرار منع الخليجيين من المجيء الى لبنان، والهبة السعودية للجيش بقيمة ثلاثة مليارات دولار، ثم مليار دولار، وعودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان.
في حين تمثلت هبة ساخنة بعدم القدرة على ملء الشغور الرئاسي، العمليات الارهابية التي استمرت في بعض المناطق وانعكاس ذلك على مختلف القطاعات الاقتصادية بما فيها القطاع السياحي، عدم وضع الهبة السعودية الاولى موضع التنفيذ، ارتفاع نسبة البطالة في لبنان خصوصا لدى الشباب والتي تجاوزت الـ37 %، وعدم توفير المناخ الاستثماري الملائم.
هبة باردة، هبة ساخنة، وهذا يعني استمرار استنزاف الاقتصاد الوطني الذي اصبح مرتبطا ارتباطا وثيقا بالتطورات السياسية والامنية في لبنان والجوار.
وتحدث صندوق النقد الدولي في تقريره الاخير عن الاخطار السلبية التي تشمل المزيد من الضعف في المالية العامة، وهذا يعني التأخير في تنفيذ الاصلاحات الهيكلية وارتفاع اسعار الفائدة، ويعني استمرار الدين العام ليشكل نحو 150 في المئة من الناتج القومي، والقى تقرير الصندوق الضوء على العجز المتراكم في الكهرباء حيث يشير الى ان العجز يصل حاليا الى نحو 3100 مليار ليرة في السنة، وبالتالي من المفروض تخفيف هذا العجز من طريق تعديل التعرفة الكهربائية ومكافحة مكامن الهدر التي تصل في بعض المناطق الى نحو 50 %.
ويمكن القول إنه يتوقع ان يبقى النشاط الاقتصادي ضعيفا في العام 2014 في ظل غياب اي بوادر ايجابية لحل الازمات في لبنان والازمة في سورية، وان يبلغ النمو هذا العام 8ر1 % و5ر2 % السنة المقبلة.
وبحسب التوقعات فانه ليس من المؤمل حدوث تغييرات ايجابية في قطاعات الاقتصاد الحقيقي خلال الفترة المتبقية من العام الحالي اذ ينتظر، وبحسب اكثر من تقرير عالمي ومحلي، ان يحافظ الاقتصاد على وتيرته المخفضة في انتظار صدمات سياسية وامنية ايجابية كانتخاب رئيس للجمهورية ووقف تداعيات الازمة السورية على الداخل اللبناني، وهذه الامور يبدو من الصعب الركون اليها قبل نهاية العام الحالي.
بالنسبة الى القطاع التجاري، فعلى الرغم من انتعاش الاسواق التجارية اثر تأليف حكومة المصلحة الوطنية وقرار رفع الحظر الخليجي عن الرعايا الخليجيين للمجيء الى لبنان، الا ان هذا الانتعاش سرعان ما عاد الى الوراء بحيث يشير المعنيون الى استمرار التراجع البنيوي غير المطمئن للقطاع التجاري اللبناني بحيث سجلت تلك الارقام تراجعا بلغت نسبته 13 %، مع ان البعض يذكر ان التراجع تجاوز الـ30 %.
وبحسب مؤشر جمعية تجار بيروت، “فرنس بنك لتجارة التجزئة” فقط لوحظ انخفاض لافت في مبيع السلع الصيدلانية بنسبة 14ر37 %، تدني مبيعات الاجهزة الخليوية بنسبة 41ر29 %، هبوط حاد في قطاع بيع الكتب والصحف والمجلات بنسبة 57ر24 % انخفاض يناهز 62ر9 % في مبيع التجهيزات المنزلية، هبوط بنسبة 33ر10 % في مبيعات الاحذية، 79ر2 % في مبيعات الالبسة، وتراجع حقيقي بنسبة 65ر5 في مبيعات المشروبات الروحية.
وبلغت الزيادة السنوية في عجز الميزان التجاري اللبناني 209 ملايين دولار بحسب إحصاءات المجلس الأعلى للجمارك، بحيث تخطى هذا العجز عتبة 62ر8 مليار دولار ومرد ذلك الى انخفاض الصادرات بنحو 654 مليون دولار الى 66ر1 مليار دولار.
وحلت الصين في المرتبة الأولى على لائحة الدول المصدرة الى لبنان، في حين تصدرت افريقيا الجنوبية لائحة الدول المستوردة من لبنان، كذلك احتلت صادرات اللؤلؤ والأحجار الكريمة وشبه الكريمة والمعادن الثمينة المرتبة الأولى على لائحة الدول المصدرة من لبنان.
وفي الوقت الذي كان يعول على القطاع السياسي، سجل هذا القطاع ضربة قوية بسبب العمليات الإرهابية التي حصلت في بدء فصل الصيف، مما أدى الى إحجام السياح عن المجيء الى لبنان تخوفا وتحسبا على رغم المجهود الذي قامت به وزارة السياحة عبر إطلاق حركة “لبنان حب الحياة” أو عبر إطلاق الرزم السياحية.
وبحسب تقرير “ارنست اند يونغ” فقد بلغت نسبة إشغال الفنادق في بيروت 49 % خلال النصف الأول من العام الحالي، وهذا يعني المزيد من التباطؤ مع العلم ان الاقتصاد كان يراهن على هذا القطاع لتحسين اوضاعه.
ويمكن القول ان مقومات النمو الاقتصادي والاستهلاكي او الاستثماري وتطور نمو الصادرات لا تزال ضعيفة بسبب الأوضاع السياسية والأمنية الداخلية والإقليمية، وفي هذا السياق انخفضت الصادرات الصناعية اللبنانية بنسبة 03ر17 % بسبب ضعف النقل البري وارتفاع كلفة النقل البحري والجوي.
وتبين إحصاءات المديرية العامة للشؤون العقارية تراجعا في أداء القطاع العقاري في لبنان مع انخفاض عدد المعاملات العقارية وتراجع قيمة المعاملات العقارية، وبلغت حصة الأجانب من عمليات البيع العقارية 50ر1 % وهذا دليل على غياب الاستثمارات الأجنبية، ما ادى الى جمود الحركة العقارية باستثناء العمليات التي تتم عبر اللبنانيين المنتشرين في العالم الذين لا يزالون يرغبون في شراء الشقق في لبنان.
أما في ما يتعلق بالمؤشرات المالية، فإن العام 2014 يعيش من دون موازنة عامة بحيث يستمر الإنفاق على القاعدة الاثني عشرية مع مستويات مقلقة للعجز في المالية العامة التي ستقارب 7700 مليار ليرة أي نحو 11 % من الناتج المحلي ووضع مقلق في المديونية العامة بسبب المنحى التصاعدي للدين العام نسبة الى الناتج المحلي الذي سيصل الى 150 % من الناتج المحلي.
هذا الوضع السيئ والمقلق للمالية العامة والمديونية يتسبب لاحقا في خفض التصنيف الائتماني للدولة اللبنانية وانعكاسها الائتماني على القطاع المصرفي اللبناني الذي سيبقى الممول الرئيسي للديون السيادية ما يؤدي الى اضطرار الدولة الى رفع معدلات الفوائد للمرحلة المقبلة.
أما الوضع المالي، فيمكن القول إن الليرة اللبنانية مستقرة ومتينة نتيجة احتياطات مصرف لبنان المهمة التي وصلت الى حوالى 37 مليار دولار ونتيجة السيولة المرتفعة بالعملات الأجنبية لدى القطاع المصرفي اللبناني، ونتيجة عدم وجود استحقاقات مالية ضاغطة سواء بالليرة اللبنانية او بالعملات الأجنبية.
ويذكر ان الدين العام وصل الى 70ر65 مليار دولار في نهاية حزيران، وقد ارتفعت حصة الدين الداخلي الى 33ر60 % من إجمالي الدين العام، في حين تراجعت حصة الدين الخارجي الى 67ر39 %.
أما القطاع المصرفي اللبناني فإن نموه سيبقى على غرار 2013 أي ما يقارب 7 % بسبب ثقة المودعين بمتانة القطاع، أما التسليفات فإنها تراجعت نتيجة الاخطار في العديد من القطاعات الاقتصادية ونتيجة جمود القطاع العقاري، أما ربحية القطاع المصرفي فتبقى مرتفعة في مستويات 2013 أي ما يقارب 1700 مليون دولار أميركي.
يلاحظ ان المؤشرات الاقتصادية ما تزال قاتمة وضبابية، وان الاقتصاد اللبناني يعيش كل يوم بيومه، باستثناء القطاع المصرفي الذي ما يزال يملك مقومات النمو نتيجة الثقة التي يحظى بها محليا وإقليميا، وعلى الرغم من الهبّات الباردة التي طرأت على الاقتصاد، فإن الهبات الساخنة بقيت هي المرجحة نتيجة التداعيات السورية والعراقية على الأزمة في لبنان.
ولاحظ الخبير المالي الاقتصادي الدكتور غازي وزني ان اقتصاد 2014 هو “اقتصاد ضبابي وقاتم يتأثر بالتطورات السياسية الداخلية والاقليمية والاستحقاقات السياسية المتعددة بدءا من انتخابات رئاسة الجمهورية الى محدودية السلطة التنفيذية، وبالتالي يمكن القول ان اقتصاد2014 سيكون متباطئا وضعيفا ومعدلات النمو تقل عن 2 % بسبب عدم تحسن النشاط السياحي، إضافة الى عدم التحسن في القطاع التجاري الذي يسجل تراجعا بين 20 و25 % في حركته، وأخيرا بسبب استمرار الجمود والتريث في القطاع العقاري”.
واضاف: “أما في ما يتعلق بالمؤشرات فإن 2014 يعيش من دون موازنة عامة ويستمر الإنفاق وفق القاعدة الاثني عشرية مع مستويات مقلقة للعجز والمديونية العامة”.
وأبدى تخوفه من ذلك “ما يسبب في خفض التصنيف الائتماني للدولي اللبنانية وانعكاس ذلك على القطاع المصرفي الذي يعتبر الممول الرئيسي للديون السيادية، ما قد يؤدي الى اضطرار الدولة الى رفع معدلات الفوائد للمرحلة المقبلة”.
وأكد ان “من المؤسف أن عام 2014 لن يشهد تقدما على صعيد ملف النفط والغاز بسبب الخلافات بين القوى السياسية، مع الإشارة الى ان تأجيل عمليات المناقصة لهذا القطاع له تبعات متعددة سواء على صعيد صورة لبنان الخارجية واستياء الشركات النفطية العملاقة وسواء على صعيد إمكان اسرائيل الاستيلاء على جزء من الحقول اللبنانية، كان يفترض على حكومة المصلحة الوطنية إيجاد حل لهذا الملف دون تباطؤ”.
ان عودة الرئيس الحريري الى لبنان أشاعت جوا من الارتياح السياسي والاستقرار الأمني وانعكست ايجابا على الوضع الاقتصادي والمالي، وقد سجل في هذا الإطار عند عودته بعض التحسن في بورصة بيروت وخصوصا على أسهم “سوليدير” بحيث تعتبر هذه الأسهم مرتبطة بمشروعه الاقتصادي والمالي، وفي سوق القطاع ايضا، ولكن هذه الإيجابية في المدى المنظور يمكن أن تتبدد سريعا في الأشهر المقبلة إذا لم تنعكس إيجابا في معالجة الاستحقاقات السياسية الداهمة، ويمكن القول ان عودة الحريري إيجابية في المدى المنظور ومرتبطة بإنجازاته في الأشهر المقبلة.
وأكد رئيس الهيئات الاقتصادية، الوزير السابق عدنان القصار أنّ”الاقتصاد اللبناني ما يزال يظهر مناعة قوية تجاه التحديات الداخلية والخارجية غير المسبوقة، حيث تشير التوقعات إلى أن معدل النمو من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سوف يبقى خلال العام الحالي2014 عند ذات المستوى المحقق عام 2013
والبالغ 1 %. -(بترا وفانا – جوزف فرح)
المصدر : https://wp.me/p70vFa-59n