مجلة مال واعمال

الاقتصاد الإسلامي يستعد لاقتحام أبواب العالمية

-

General view shows atrium of Mall of Berlin shopping centre during its opening night in Berlin

على رغم مرور عقود طويلة على التجربة الاقتصادية الإسلامية، إلا أن هذا الاقتصاد ظل مقتصراً في أذهان الناس على أنه ترجمة حرفية جامدة للشريعة الإسلامية، فما أن يذكر الاقتصاد الإسلامي حتى يحضر في الأذهان شكل تاريخي قديم من أشكال العمل والتداول، شكل يبقيه معزولاً عن الحاضر ومقتضياته والمستقبل وتحدياته.

هل هذا الاقتصاد هو دراسة وتحليل للسلوك الاقتصادي للفرد المسلم؟ أم أنه تحليل وتوجيه للسلوك الاقتصادي للبشر في شكل عام؟ هل هو دراسة للظاهرة الاقتصادية في إطار المجتمع المسلم؟ أم هو دراسة مطلقة للظواهر الاقتصادية في المجتمعات كافة؟ على هذه الأسئلة يجيب عبدالله محمد العور، المدير التنفيذي لمركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي، بالقول: «إن تبني الاقتصاد الإسلامي لا يلزم العاملين تحت مظلته بأن يكونوا مسلمين، لكنه يدفعهم باتجاه الالتزام بأحد أهم أركان الثقافة الإسلامية، وهو العمل النافع الذي يترك آثاره الإيجابية على محيطه». ولكي يكون الاقتصاد عالمياً، كما يقول العور، فلا بد من أن يحدد مصادر معرفته وثقافته وتشريعاته وقوانينه التي يجب عليها أن تجمع بين خصوصية التجربة الإسلامية من ناحية وعمومية التجربة الاقتصادية التقليدية من ناحية أخرى. وهذا يضعنا أمام مصادر عدة على الاقتصاد الإسلامي أن يستقي منها ثقافاته، ونهجه، وقوانينه التي تنظم عمله.
ويحدد العور المصدر الأول قائلاً: «الشريعة الإسلامية هي التي تحدد مشروعية العمل من عدمه. وبما أن الشريعة الإسلامية تحمل من النصوص العادلة والأخلاقية والإنسانية التي تجعل من العمل جديراً بالجهد المبذول فيه، فهي هنا لا تتعارض مع باقي العلوم الأخرى إذا جاءت منسجمة مع شروط العدالة والأخلاق والإنسانية. ولعل ما يضع الشريعة الإسلامية في مقدم مصادر المعرفة للاقتصاد الإسلامي هو مبدأ العدالة في توزيع الثروة، والموازنة بين الملكية العامة والخاصة، وبين دور الدولة في تحديد مسار النشاط الاقتصادي وبين الإبداع الفردي أو المؤسساتي. فالشريعة هنا قادرة على الجمع بين الالتزام والابتكار، بل تضع الأسس الثابته والراسخة التي تجعل من الابداع مفيداً وذا قيمة تضاف للنشاط الاقتصادي والإنساني. وبالاستناد إلى هذه الوقائع يصبح التفريق بين فقه الاقتصاد وعلوم الاقتصاد ممكناً، فالفقه أساس علم الاقتصاد الإسلامي وليس كامل هذا العلم، لأن العلم يتناول أموراً فنية وتفصيلية أكثر.
أما المصدر الثاني وفق العور فهو التجربة التاريخية للتنمية في الدولة الإسلامية وخير معبّر عن هذه التجربة هي النتائج الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للنشاط الوقفي في التاريخ الإسلامي. «لقد وصلت تجربة الأوقاف مرحلةً تجاوزت فيها مجرد كونها وسيلة لمساعدة المحتاجين والفقراء أو الاهتمام بالمساجد من حيث بنائها او رعايتها لتتحول إلى عصب النشاط الاقتصادي التنموي وانتقلت من المساعدات والعمل الخيري إلى الاستثمار في العقول والمواهب والمهارات للحرفيين والعلماء والمثقفين، فتولت دفع أجور المؤرخين والمترجمين، وموّلت بناء المكتبات، وشقّ القنوات المائية للزراعة وبنت المعامل للحرفيين… لقد كانت تجربة تنموية إنتاجية بامتياز تكاملت فيها أدوار الهيئات القائمة على الوقف حتى طاولت مختلف نواحي الحياة».
أما المصدر الثالث، فهو وفق العور، «التجارب الاقتصادية للشعوب والأمم الأخرى والقرآن الكريم مملوء بقصص الأولين، أي قصص ما قبل ظهور الديانة الإسلامية، وهذا يؤسس لمفهوم أن العبرة من التجربة التاريخية لكل الشعوب متاحة ومشروعة طالما أنه يتم قراءتها بمنظور إسلامي تطوري وليس بمنظور التسليم بما كان قائماً. والتجربة الاقتصادية التاريخية للأمم مملوءة بالعبر والدروس والنماذج الناجحة، مما يجعلها مصدراً غنياً من مصادر علم الاقتصاد الإسلامي».
ويأتي المصدر الرابع من الواقع الاقتصادي أي ما يعرف بمنهج التحليل، «والتحليل يحتاج الى قاعدة فكرية غنية كي يكون سليماً في نتائجه، يقول العور، «وهنا يأتي دور الفقه، الذي يمنح الدارس والمتابع لحركة الواقع الاقتصادي القواعد الأساسية لتحليل وفهم هذا الواقع. ومن الأخطاء الشائعة التي يقع فيها بعض منظري الاقتصاد التقليدي هي قراءة الواقع من باب التسليم بالنتائج، أي التسليم بما هو قائم مما يفقدهم القدرة على التغيير وتطوير المنظومة الاقتصادية، بينما المطلوب قراءة هذا الواقع على اعتبار ما يجب أن يكون وليس على اعتبار ما هو كائن».
أما المصدر الخامس فهو العلوم الاقتصادية الوضعية. هنا يوضح العور أن ليس كل ما أنتجه العقل البشري من نظريات اقتصادية تقليدية خطأ، وليس جميعه صواب أيضاً. الدليل على ذلك الإنجازات التي أبدعتها هذه العقول وأوصلت الاقتصاد الى محطات ثورية في الصناعة والإنتاج والتكنولوجيا، ومن جهة أخرى العدد الكبير من الأزمات والانتكاسات التي عانى منها الاقتصاد العالمي ولا يزال، بالإضافة إلى عجز هذا الاقتصاد حتى اللحظة عن حل المعضلات الأساسية لعدد كبير من الشعوب والمتمثلة بالبطالة والفقر المدقع.