كثر الحديث هذه الأيام عن جدوى اللجوء من عدمه إلى قرض صندوق النقد الدولى بمبلغ ٣.٢ مليار دولار، وعما إذا كان الاقتراض الخارجى عموما مناسبا. هذا الجدل كان سيكون فى محله منذ عام عندما كنا نملك ترف اختيار نوعية القروض المتاحة، وعندما كانت هناك دول كثيرة أيضا مستعدة لمساعدتنا، وكان هناك أمل بأنه بعد بضعة أشهر من الاضطرابات السياسية سيعود الاقتصاد لطبيعته وسنستعيد معدلات الإنتاج العادية. والآن بعد مرور أكثر من عام فإن وعود المساعدات والاستثمارات لم تتحقق، ولم نعد الآن فى وضع يسمح لنا بالانتقاء.
وليكن واضحا أن الاقتراض المحلى إذا كان كافيا ومستداما فإنه الأفضل، حيث إن الديون وفوائدها من الممكن إعادة سدادها إذا لزم الأمر عن طريق طباعة المزيد من النقود، مما سيؤدى إلى التضخم، ولكن التضخم يمثل تهديدا أقل بكثير من الإخفاق فى السداد، وأيضا لأن عامل الزمن حتى فى ظل وجود معدلات فائدة مرتفعة سيجعل خدمة الدين المحلى أقل ثقلا. ولكن قد يكون هناك وقت نحتاج فيه إلى الاقتراض الخارجى من المؤسسات التنموية لحفظ توازن الاقتصاد ومنع حدوث أزمة فى الثقة وكإشارة إلى صحة السياسات المطبقة فى البلاد مما ينعكس على ثقه المستثمرين.
هذا هو الموقف الآن: قامت الحكومة بالتوسع فى الاقتراض المحلى من النظام المصرفى إلى الدرجة التى أصبحت البنوك فيها غير قادرة على تمويل عجز الموازنه نظرا لتراجع مستويات السيولة بها.
انخفض التصنيف الائتمانى للبلاد فى السنة الماضية عدة مرات بسبب عدم الاستقرار السياسى، بالإضافة إلى تراجع حاد فى احتياطيات النقد الأجنبى. وهذا التصنيف يؤثر بالسلب فى قدرة الحكومة والقطاع الخاص على الاقتراض من الأسواق العالمية، فالتصنيفات الائتمانية أساسا تعبر عن رأى هذه المؤسسات فى قدرة الحكومات على الوفاء بالتزاماتها.
لم تتحقق تعهدات المساعدات أو الاستثمارات التى قدمت فى العام الماضى.. فقد الاقتصاد المصرى الثقة والمصداقية بالنسبة للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء نتيجة الافتقار إلى رؤية أو خطة اقتصادية.
ومن ثم فهناك أسباب للنظر بجدية فى الاقتراض من صندوق النقد الدولى رغم أن الناس درجوا على التخوف من الشروط المجحفة التى من الممكن أن يفرضها الصندوق على الدول المقترضة منه والتى قد لا تناسب ظروفها وتعمق من مشاكلها الاقتصادية، وهذا حدث بالفعل من قبل فى أواخر التسعينيات مع دول شرق آسيا. أنا لا أعلم بالتحديد الشروط المطلوبة بواسطة الصندوق، ولكن تستطيع الحكومة والبرلمان أن يناقشا سويا هذه الشروط والموافقة فقط على ما هو مناسب لمصلحة البلاد، فمبلغ القرض المطلوب ليس كبيرا، ولكن تكمن أهميته فى أنه يعمل بمثابة خاتم للثقة فى الاقتصاد المصرى، مما سيسهل بعد ذلك من حصولنا على تمويل خارجى لاستثماراتنا الجديدة التى نحن فى حاجة ماسة إليها حيث إن الادخار المحلى لدينا غير كاف لمواجهة احتياجاتنا الاستثمارية.
أنا لا أدعو لشىء محدد. أنا فقط أقول إن الوقت قد حان لاستعراض جميع الخيارات المتاحة دون استبعاد أى منها إلا لأسباب اقتصادية أو سياسية حقيقية.. وأخيرا فقد حان الوقت لوضع خطة واضحة لاحتياجاتنا التمويلية ضمن رؤية اقتصادية متكاملة، فالعبرة ليست بحجم الدين عموما سواء كان خارجياً أو داخلياً، وإنما العبرة بحسن استخدام هذه الأموال، فمن الممكن استخدام الأموال فى استثمارات جديدة لها مردود اقتصادى واجتماعى وتزيد من موارد الدولة، وكذلك من الممكن أن تستخدم فى معظمها فقط لسد عجز الموازنة، لكن شتان بين الحالتين.
*نقلاً عن صحيفة “المصري اليوم”.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-Rb