“الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك” مقولة انتجها العقل العربي واستثمرها العقل الغربي
يجمع خبراء التنمية الاقتصادية والقائمين على رسم ووضع الخطط الاستراتيجية في المؤسسات الكبرى ومراكز الأعمال, على أن الاستثمار في الوقت من أهم القضايا التنموية الاقتصادية والإنتاجية المعاصرة.
وتعد الدول الاسكندفانية مثالا حياً لنجاح وازدهار لافت في مسألة التنمية عبر الاستثمار في الوقت, الى الحد الذي سمح للبريطانيين بإطلاق وتداول المقاولة التي ذاع صيتها في برامج التنمية المختلفة “إن الوقت يقاس بالمال”, فالوقت اصبح سلعة, تباع وتشتري تبعاً لعوامل متعددة, مرتبطة ارتباطا كلياً بحركة الإنتاج, ومعدلاته, وقيمته وأهميته.
ففي الوقت الذي تمكنت فيه مجموعة النمور الأسيوية؛ وفي مقدمتها: ماليزيا, وسنغافورة, وتايلند, وكوريا من تقديم نماذج جيدة في مسألة الاستثمار بالوقت, لرفع معدلات الإنتاج الوطني, وتحقيق مكاسب اقتصادية انعكست بشكل مباشر على المنظومة الاجتماعية, والتعليمية والثقافية, مما دفع هذه البلدان الى التطور والتنمية البشرية, بالمقابل فإنه من المؤسف حقا ان معظم أقطارنا العربية, رغم ما تمتلكه من استراتيجيات, وتصورات, وطاقات بشرية, وموارد اقتصادية, لم تستطع حتى هذه اللحظة الاستثمار بالوقت, وتحقيق معدلات إنتاجية وتنموية عالية, وهو ما يضع العديد من الأسئلة الهامة حول ذلك, أبرزها: من المسؤول عن هدر الوقت في أقطارنا؟ولماذا تأخر استثمارنا للوقت حتى الآن لدرجة أننا تلفنا عن ركب الأمم المتقدمة, التي حققت نتائج علمية, وتعليمية, وثقافية وصناعية واقتصادية, واجتماعية متقدمة عبر استثمارها للوقت في مشاريع التنمية وضربت بذلك النماذج الكبرى في المجتمعات الإنسانية.
معدلات وإحصائيات
المفارقة في هذا الموضوع اننا في تراثنا وأدبياتنا نستعمل كثرا شعار”الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك”ولا نعمل بهذا القول على مستوى التطبيق, اذ نكتفي بالترويج له على المستوى النظري فقط, في حين دخل الوقت عاملا مهما من عوامل بناء التنمية عند الأمم الأخرى, وعلى مختلف الأصعدة, وصار جزاءاً من ثقافة شعوب هذه الأمم يعرفون كيف يديرونه, ويستثمرونه على نحوٍ جيد, بما يخدم مصالحهم الإنتاجية ويدفعهم نحو التقدم.
ولقد أظهرت الإحصائيات الحديثة أن 80% من اليابانيين يستطيعون إدارة وقتهم بنجاح, مقابل 78% لشعوب الدول الاسكندنافية, و72% للبريطانيين, و61% للفرنسيين, و57% للأمريكيين, وبالطبع لا توجد إحصائيات دقيقة في الوطن العربي معنية باستثمار الوقت, ولكن بالمقارنة بالدول الصناعية, والعواصم الاقتصادية فإن النسبة في وطننا العربي لن تزيد في احسن الأوقات عن 8%, وهي نسبة مرتبطة بالإنتاج الصناعي والاقتصادي والمعرفي, الامر الذي جعل منا تابعين للأخر, غير قادرين على استثمار طاقاتنا, ومقدراتنا, وإمكاناتنا, ووقتنا في تحقيق معدلات إنتاجية عالية, لذلك فإن التبعية التكنولوجية والمالية والغذائية لبلدان العالم الثالث تجاه البلدان المصنعة, قد بلغت حجما يتعذر معه على أي بلد ان يسمح لنفسه بقطع علاقاته الاقتصادية مع البلدان المصنعة أو حتى مجرد الامتناع عن بيع مواده الأولية.
اما النمور الاسيوية وعبر استثمارها لكل مقدراتها ومنها الوقت والعمل على عنصر التنمية فيه فقد استطاعت قطع 40% من شوط الفكاك من تبعية الاخر.
فلسفة العمل والإنتاج
في اليابان يمضي العامل في عمله ما بين ثماني ساعات الى تسع, تعد ساعات عمل فعلية, ينتج فيها بحجم ما هو مروم له ان ينتج تقديريا وفق الساعات المخصصة, واي خلل في ذلك, يخضع العامل للرقابة والتقييم, وإعادة التأهيل.
وفي دول غرب أوروبا يعمل الموظف في موقعه ما بين ست الى ثماني ساعات عمل فعلية, والإنتاج لابد ان يأتي متوافقا مع ساعات العمل, وبما هو مخطط له… وأي خلل في ذلك فإن الخسائر ستحل فوق راس المؤسسة وهذا بالطبع غير مسموح به ولا يمكن التغاضي عنه …
لان الفلسفة العامة في ذلك تقول ساعات العمل للعمل وساعات الراحة للراحة وساعات البيت للبيت فلا خلط بين هذا وذاك, فساعات العمل لا تذهب للبيت ولا تأتي على حساب ساعات الراحة والرياضة والقراءة وساعات كل هذه حب برمجتها لا تأتي على حساب العمل.