مجلة مال واعمال

الإمارات.. اختصار مسيرة تحتاج إلى 300 عام

-

355يمتاز وقع التطور في الإمارات بسرعة استثنائية، لأنه يسير وفق نهج مدروس نابع من داخل المجتمع، حيث تضع القيادة التطور في أعلى درجات الهرم، في كل رؤية تتبناها، وكل استراتيجية تطلقها، وكل خطة تنفذها، وتعتمده هدفاً استراتيجياً مطلوباً تحقيقه، وفق جدول زمني لا يمكن لمسؤول أن يحيد عنه.
وتشكلت المجتمعات والدول على فترات زمنية بعيدة المدى، ولاح تطورها على مدى قرون نتيجة لمعطيات ومؤثرات خارجة على إرادتها، سواء كانت أحداثاً يومية أو تحولات إقليمية وتغيرات عالمية.
تبقى الإمارات نموذجاً عالمياً، فيما وصلت إليه من تقدم ورقي، حيث اختصرت الزمن، وفي فترة أقل من نصف قرن (50 عاماً) بنت كيانها القوي وتطورت وسابقت الزمن، وتفوقت على أمم ودول بدأت مسيرتها منذ زمن بعيد.
وخلال أقل من نصف قرن، اختصرت الإمارات مسيرة تحتاج إلى أكثر من 300 عام، فهي مرت بعصر اللؤلؤ (ما قبل النفط)، ثم عصر النفط (عهد الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله)، ورغم أن عصر النفط مازال قائماً ومستمراً، فإن الإمارات بطبيعتها وبذكاء قيادتها تسابق الزمن، وتستعد لما بعد النفط.
هذه العصور الثلاثة في أي بلد في العالم، تحتاج في أحسن تقدير إلى ما لا يقل عن ثلاثة قرون لكي تتحقق، ولكن الإمارات عاشتها في أقل من نصف قرن بفضل من الله وقيادة واعية، وشعب مخلص يخط تاريخاً مشرقاً بحروف من نور فوق صفحة الرمال المتحركة، وأبناء وفوا العهد فبنوا مدناً عصرية متكاملة فوق البحر.
وفي هذا السياق، تقول الصحفية الألمانية بربارا شوماخر: زرت الإمارات مرات عدة، وفي كل زيارة أرى كل شيء يتغير ويتطور، وكنت شاهدة على تحول وسائل النقل من الجمال إلى السيارات، وتطور الطرق من مدقات صحراوية تضيع معالمها مع أولى نسمات الصباح إلى طرق فسيحة معبدة بمقاييس عالمية، والمطارات التي كانت أرضاً بوراً، أصبحت اليوم تضج بأزيز الطائرات التي تقلع وتهبط كل دقيقة.
وتضيف: رأيت البحر، كيف تحول من مصدر ضروري للرزق وبالكاد يجود بلقمة العيش، إلى مسرح للترفيه والتسلية، حيث يمارس الشباب الرياضات البحرية والتزلج على الماء، وتجوبه اليخوت الفخمة، وأصبح الغوص بحثاً عن اللؤلؤ أثراً بعد عين.
وتتابع: المدهش أن هذه المهنة التي كانت عصب الحياة حتى الستينات، استبدلت بها الصناعات الثقيلة والتكنولوجيا، خاصة في الطيران والطاقة والفضاء. وعندما أجوب الصحراء اليوم، أجد في أماكن مضارب بيوت الشعر، بنايات تتعدى الـ 20 طابقاً، تتلألأ وسط الصحراء. وعندما أبحر في أبوظبي أجد الجزر التي كانت موحشة، تحولت إلى مدن عصرية متكاملة. وفي دبي هيرات اللؤلؤ أصبحت فوقها جزر، والجزر بنيت فوقها مدن خيالية، حين رؤيتها تحتبس الأنفاس.
وتقول شوماخر: عشش الصيادين والغواصين التي كانت موجودة على شاطئ أبوظبي، اختفت وأصبحت ذكريات جميلة، يعود طيفها، عندما أنظر إلى السماء، ولكن نظري الآن لا يجاري ناطحات السحاب الزجاجية الشاهقة الموجودة في المكان.
وتضيف: الملمح الأهم الذي يلفت الزائر للإمارات، هو الطفرة الحياتية التي تتطور يوماً بعد يوم في جميع أنحاء المكان، والعالم يبدي إعجابه بما حققته من إنجازات في المجالين الاجتماعي والاقتصادي في وقت قصير، استعداداً لعصر ما بعد النفط، حيث خطت خطوات بارزة في طرق التحول إلى الاقتصاد المتنوع والرقمي الذي لا يعتمد على النفط فقط.
وتتفق آراء المؤرخين والباحثين على أن عام 1971 كان نقطة مفصلية في تاريخ الإمارات، حيث بدأت تتشكل الإمارات الحديثة على يد المؤسس الراحل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، واستمرت القيادة الرشيدة على نهج زايد الخير، واليوم وهي تستعد لعصر ما بعد النفط، تريد أن تكون مركزاً صناعياً وتجارياً عالمياً، حسب رؤية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله.
إن الإمارات، وهي تستعد لمرحلة ما بعد النفط، تنتهج سياسة الباب المفتوح، لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية، إذ تتخذ الحكومة الخطوات اللازمة لإرساء القواعد التي تيسر على المستثمر، وهو ما جعلها تأتي في المرتبة الثانية بين الدول العربية في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية، خلال السنوات العشر الأخيرة، كما أن الاقتصاد الإماراتي برهن على أنه مرن للغاية في بيئة الاقتصاد العالمية الصعبة، حيث إن عملتها مستقرة مقابل الدولار الأمريكي، وآمنة، ويسهل تحويلها مع عدم فرض أي قيود على إعادة تصدير الأرباح أو رأس المال، وانخفاض الضرائب على الواردات تقريباً على كل البضائع، وانعدامها بالنسبة إلى واردات المناطق الحرة والكلفة المنافسة للعمالة.
وتمكنت الإمارات من ولوج الألفية الثالثة، وهي تخطو خطوات مهمة نحو عصر ما بعد النفط والبحث عن مصادر جديدة للدخل، خاصة مع هبوط أسعاره إلى 45 دولاراً للبرميل، واستطاعت ترسيخ مكانتها الاقتصادية في العالم أجمع، فقد أصبحت على قائمة أكبر الاقتصادات الناشئة، وهو ما عكسه التسارع في نسب النمو الذي حققته على كل الصعد، حيث أسهمت الطفرة الاقتصادية في تعزيز جاذبية الدولة لاستقطاب الاستثمارات من شتى أنحاء العالم، بفضل سياسة الانفتاح الاقتصادي التي اتبعتها، ومن خلال قوانينها التي تتسم بالمرونة، مقارنة بغيرها من دول المنطقة، وتوفيرها بيئة استثمارية تعد الأفضل فيها.
واقتصاد الإمارات حالياً، هو ثاني أكبر اقتصاد عربي، بعد السعودية، وواحد من أسرع الاقتصادات الناشئة على مستوى العالم، حيث يبلغ الناتج المحلي للدولة قرابة 430 مليار دولار، وتبنت الإمارات ثوابت اقتصادية مدروسة وممنهجة، أفضت إلى النهضة الاقتصادية التي شهدتها، خلال العقود الأربعة الماضية.
وتتمثل تلك الثوابت في تنويع الاقتصاد ومصادر الدخل والانفتاح الاقتصادي وتأسيس بنية مواتية للأعمال، فضلاً عن تسخير الثروة لخدمة أبناء الوطن والأجيال المقبلة.
وتتفق آراء المحللين على أن نجاح استراتيجية التنويع الاقتصادي، قد حصن النمو الاقتصادي من التقلبات التي تشهدها أسواق النفط العالمية، بحيث صار الاقتصاد الإماراتي أقل انكشافاً أمام التداعيات السلبية الناجمة عن أي انخفاضات في أسعار النفط.
وعلى الرغم من ورود توقعات، بأن تهدأ وتيرة النمو الاقتصادي في دول المنطقة، نتيجة الانخفاضات في أسعار النفط، فإن الآراء تتوقع بأن يلعب القطاع غير النفطي دوراً معوضاً لأي تراجعات محتملة في أسعار النفط، ما من شأنه المحافظة على ديمومة النمو الاقتصادي.
وساعدت البنية التحتية المتطورة التي تسهل أداء الأعمال في أن تصبح دولة الإمارات مقصداً للشركات العالمية الراغبة في توسيع وجودها في المنطقة عموماً، وساعد موقعها الاستراتيجي الذي يربط شرق العالم بغربه وتطور منافذها البحرية والجوية، لتصبح معبراً تجارياً للتبادل التجاري والاقتصادي بين دول العالم كافة.
كما سعت إلى التركيز على القطاع الصناعي، كونه إحدى الركائز الأساسية في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام وبدأت بالصناعات المرتبطة بالقطاع النفطي، حيث حققت الصناعات التحويلية تقدماً كبيراً فيها، بالتزامن مع التقدم في حجم الإنتاج، كما ركزت على الاهتمام بالصناعات الأخرى وتحديداً المعدنية والأثاث والخشب والألمنيوم ومواد البناء والآلات والمعدات.
وتصدرت الإمارات المركز الأول على قائمة دول المستقبل لعام 2015 / 2016 في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في مؤشر مجلة «إف دي أي» (الاستثمارات الأجنبية المباشرة)، واحتلت المركز الأول في جميع الفئات، وشملت الإمكانات الاقتصادية، وتسجيلها أقل معدل للبطالة بين دول المنطقة 3.8 في المئة، في الوقت الذي تتمتع فيه بأعلى مستوى من معدل نمو إجمالي الناتج المحلي.
وبناء على مؤشر الاستثمار الأخضر لأسواق الاستثمار الأجنبي المباشر، جذبت الإمارات 1514 مشروعاً بين عامي 2010 و2014، وهو أعلى معدل جذب للمشاريع الاستثمارية الأجنبية في الشرق الأوسط وإفريقيا.
وأظهر تقرير المجلة، أن نحو ثلث الشركات المستثمرة والعاملة في الإمارات أكدت أن القدرة على النمو محلياً، من أهم أسباب اختيارها الاستثمار فيها.
كما خرجت من الإمارات استثمارات في 1003 مشاريع، منها 30 في المئة في قطاع خدمات التمويل المالي، ومن الشركات الناشطة في الاستثمار الخارجي مجموعة «إن إم سي»، وبنك دبي الإسلامي، وبنك أبوظبي الوطني.
وتنفق أكثر من 4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي على التعليم، وهي أعلى نسبة إنفاق في الشرق الأوسط، ما نتج عنه ارتفاع نسبة الانتظام في التعليم الثانوي وارتفاع معدل تعلم القراءة والكتابة بنسبة تزيد على 99 في المئة، كما تعد الإمارات من أكثر الدول استقراراً في المنطقة.
ويشجع انخفاض تكلفة الاستيراد والتصدير المستثمرين الذين يستطيعون الوصول إلى أسواق الإمارات بمنتهى السهولة، حيث يوجد فيها سبعة موانئ كبرى ومتوسطة، تسهل الوصول إلى طرق الشحن في الخليج العربي. كما تملك مطارات عدة، تخدم المسافرين إلى 234 مقصداً في العالم، وأسهم ذلك في أن تحتل المرتبة الأولى في إمكانية التواصل مع العالم.
ولأن الإمارات أيقونة التطور والتقدم والابتكار والإبداع، ودولة المستقبل، فلا عجب أن يصر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، على أن الإمارات سوف تحتفل مع آخر شحنة نفط سيتم تصديرها بعد 50 عاماً.
إن دولة المستقبل ماضية لقطف ثمار ما تغرسه في جينات أبنائها، من أجل غد أفضل، ليس للمواطنين فقط، وإنما لكل المقيمين على هذه الأرض الطيبة، ولكل مسهم في نهضة مستقبل هذا البلد الذي سيعم خيره بلا شك على جميع القاطنين فيه.
صحيح أن ما أنجز، خلال العقود الماضية، يصعب حصره، ولم نذكر منه إلا القليل، ولكننا نترك الباقي لكل باحث عن الحقيقة في هذه الدولة التي أبت إلا أن تكون الدولة رقم واحد، ودولة المستقبل بكل المقاييس، وما نراه اليوم من نماء متواصل ورقي وتقدم يشار إليه بالبنان، إنما هو إمارات المستقبل. (وام)