عندما نتحدث عن السياسية وإرتباطها بالإقتصاد فلا بد لنا ان نشير الدكتور رجائي المعشر الذي أستطاع خلال تجربته الطويلة أن يكون لصيقاً بالهم العام، فظل ملتحماً بالوطن كاقتصادي يمارس السياسية باقتدار، والأهم من ذلك يمارس حب الوطن والانتماء إليه كما لا يستطيعه كثر.
المعشر رجل مثقف وواسع الاطلاع، ويملك ايماناً عميقاً بمبادئ الدولة الأردنية ومصالحها العليا وطّده أفق سياسي وثقافي، قلما تجده في أوساط الاقتصاديين ورجال الأعمال.
خلال تسلمه مناصبه العديدة ظل المعشر محتفظا بسمات الناشط السياسي والاجتماعي في عدد من المنظمات المدنية، ولقيت محاضراته استحسانا غير مسبوق لدى اصحاب الفكر والمثقفين، وترجم كذلك ديمقراطية اعلامية منقطعة النظير فيما يتعلق بسقف الحريات الاعلامية في إحدى أهم الصحف اليومية (العرب اليوم) طوال تسلمه رئاسة مجلس ادارتها، فقد نأى المعشر عن استثمار منبره الصحفي عن التعامل معه كمنبر خاص لقول او لفعل ما يريد، مكتفيا بان يكون رجل افعال لا اقوال ومنابر .كذلك ، لم تنأى به جذوره البرجوازية عن الهم الاردني العام وهو أحد مؤسسي حزب البورجوازية الوطنية الأردنية, “الحزب الوطني الاشتراكي” في الخمسينيات، فقد كان والده صالح المعشر صاحب رؤية وطنية كرجل اقتصاد وسياسة و رجل وطني عرفه الاردنيون كرمز وطني أردني، سبق له ان خاض الانتخابات النيابية التي جرت لأول مرة عام م1947 بعد استقلال المملكة عام 1946 وانتخب في مجلس النواب لعدة دورات ولكنه قدم استقالته في خامس مجلس نيابي إثر إعلان الأحكام العرفية.
ولد رجائي المعشر في عمان عام 1944، ليلتحق في مطلع الستينات بالجامعة الاميركية في بيروت، ويحصل منها على الشهادة الاولى في الكيمياء، لكن الشاب الذي ترعرع في بيت سياسي، ربما ادرك ان هذا التخصص العلمي لن يفتح امامه طريق المناصب السياسية العليا، فيمم وجهه شطر الولايات المتحدة ليحصل على درجة الدكتوراة في ادارة الاعمال من جامعة الينوي ، عمل الدكتور رجائي المعشر مدير دائرة في الجمعية العلمية الملكية ، قبل ان يسند اليه الرئيس زيد الرفاعي حقيبة الاقتصاد الوطني في حكومته الثانية عام 1974، ليعود الرئيس ويسند اليه في حكومته الثالثة حقيبة الصناعة والتجارة، وهي الحقيبة ذاتها التي اسندها له الرئيس مضر بدران في حكومته الاولى عام 1976، ليبتعد ابو صالح عدة سنوات عن الفريق الحكومي ويعود للانضمام اليه مجددا عام 1985 في الحكومة الرابعة والاخيرة للرئيس زيد الرفاعي حيث اسند له حقيبة وزارة التموين والصناعة والتجارة ، الا انه استقال من منصبه مطلع عام 1988 قبل ان تنهي الحكومة ولايتها السياسية.
الدكتور رجائي المعشر الذي عمل في ثلاث حكومات مع الرئيس زيد الرفاعي ، جلس لاكثر من دورة على مقاعد مجلس الاعيان الذي يرأسه الرئيس الرفاعي، وفي الوقت الذي ضمه مع الرئيس مضر بدران فريق وزاري واحد، عمل معه في حكومته الاولى، وهو يعرف جيدا حجم الصراع الخفي، الذي كان يطفو للسطح احيانا بين الرجلين، في عقدي السبعينات والثمانينات ، ويؤكد مقربون منه ان ابا صالح ظل بعيدا عن التمترس في هذا الخندق او ذاك.
رغم انه ولد ويقيم في عمان، الا ان الدكتور رجائي المعشر يعرف شوارع السلط وحاراتها وعائلاتها جيدا ، ولم تأخذه مشاغله الكثيرة عن التعامل مع قضايا اهله السلطيين، في وقت نأى بنفسه عن التجاذبات السياسية والحزبية ، رغم ان والده كان احد اقطاب الحزب الوطني الاشتراكي وهو الذي استقال من البرلمان الذي جاء بحكومة الرئيس سليمان النابلسي بعد الانقلاب عليها وإعلان الاحكام العرفيـة.
التوصيف الذي ينطبق على الدكتور رجائي المعشر انه رجل اقتصاد ورجل مصارف ، ومشاركته في الحكومات الاربع تمت ضمن البوابة الاقتصادية ، لذلك كان طبيعيا ان ينحاز ابو صالح لاهتماماته المالية والاقتصادية ، من خلال ادارته لعدد من الشركات في القطاع الخاص ، فهو رئيس مجلس ادارة البنك الاهلي ، البنك الذي شهد في السنوات السابقة اندماج عدد من البنوك المحلية فيه ، وأسس شركة التأمين العامة وقادها ، وكذلك الشركة الاهلية للاستثمارات المالية وغيرها.
السياسة والاقتصاد والاعلام ، ثالوث ادرك هذا السلطي ، الذي صار احد ابرز رجالات عمان ، انه القادر على صناعة المستقبل ، بما يضمن حياة حرة وكريمة ، لكن قيام اسبوعية شيحان مطلع عام 2006 بإعادة نشر الصور الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم ، احرج رجل السياسة والاقتصاد ، رئيس مجلس الادارة ، فذهب الى بيع اسبوعية شيحان مع اول عرض يتلقاه ، رغم ان جريدة العرب اليوم دفعت به لتوضيح وجهة نظره من بعض السياسات العامة ، وخاصة في دائرة بعض المتنفذين.
الذين يعرفون الدكتور رجائي المعشر، أو تعاملو معه، يؤكدون انه رجل هادئ مثقف ودود، تتجلى فيه طيبة الاردني الذي لم يدر ظهره لهموم امته وقضاياها ، ولذلك فإن وجوده لعدة دورات في مجلس الاعيان ، يشير الى حضوره السياسي ودوره في ميدان الرقابة والتشريع.
وفي خضم ما لاقته حكومة الرئيس الرفاعي الابن من تجاذبات متعددة الجذب والشد في الصالونات السياسية والشعبية، ظل المعشر بوصلة أمان حقيقية في الحراك الحكومي لايمانه ان الوطن والمواطن هم اردني بامتياز، مستقياَ رؤيته تلك من ارث الهاشميين في تعاطيهم للهم الاردني ومواطنيه، فعلى الرغم من رياح التغيير التي تهيمن على سماء اقتصادنا الاردني باصعب مراحلة، وبقي على موقفه مؤمنا بمقولة الهاشميين فعلا وقولا بأن الانسان الاردني لا شك اغلى ما نملك، والمتتيع للمعشر ازاء ذلك يستطيع ان يرصد حراكه في الكثير من الفعاليات والنشاطات التي تصب في قناة الاردنيين كمثقفين واعلاميين واقتصاديين وسياسيين .