كنت أعتقد أن المدير الناجح هو ذلك الذي بمقدوره أن يجد الحلول للمعضلات والمشاكل التي تواجه العمل وحده ودون معونة من بعيد أو من قريب ومن رؤسائه أو مرؤسيه، وقد تحول هذا الاعتقاد مع الأسف إلى ما يشبه قناعة متأصلة لسنوات، خصوصًا بعد أن مارست العمل الإداري في مؤسسات كانت تدار وفق المنطق التقليدي الذي يعتمد على ما يراه المدير باعتباره رب الأسرة الذي لا يمكن أن يخطئ أو يجانب الصواب.
هذه النظرة القاصرة تبدلت مع الوقت ومع الاطلاع عن قرب على تجارب أكثر ديناميكية وتقدمية في العمل الإداري، خصوصًا تلك التي بنيت على أساس الإنتاج والإنجاز، والتي تتناقض بشكل جوهري مع تلك التي تعتمد على أسس العمل والأداء فقط، حيث أصبح المدير الناجح هو القادر على بناء فريق قوي يساعده على تجاوز وحل الإشكالات التي تواجه العمل، مع تحمله كامل المسؤولية لأي فشل، ومشاركته بإيجابية مع أفراد فريقه واحدًا واحدًا في كل نجاح يتحقق.
في عالم الأعمال هناك أشكال وأنواع عدة من المديرين، منهم من يلتزم حدودًا أخلاقية في التعامل والعمل، ومنهم من يفهم الإدارة باعتبارها ميدانًا لحروب مختلفة المستويات والخلفيات، تحتم عليه استخدام الحيل والمؤامرات لتحقيق أهدافه التجارية والشخصية على حد سواء، وفي تلك الحالتين هناك أسباب قد يراها البعض مبررة تدعو لاستخدام كلتا الاستراتيجيتين الإداريتين.
ليس صحيحًا ألبتة أن المدير الناجح يجب أن يكون لديه أعداء كثر، إلا إذا اعتبرنا أن النجاح لا يتحقق إلا من خلال الإدارة وفق سياسة ميدان الحرب المشار إليه، كما أنه من الصحيح القول إن المدير الذي يسعى لتحقيق أكبر قدر ممكن من النجاحات عليه أن يكون قادرًا على بناء التحالفات الداخلية والخارجية التي بها يمكن أن يكوّن ذخيرة كافية من الطاقات والإمكانيات التي توفر له المساندة في مساعيه المختلفة الرامية لتحقيق الأهداف التي يصبو إليها.
عملية بناء الولاءات قد تكون من مخرجاتها ونتائجها الجانبية تكوين جبهة عداء تكبر وتصغر بناء على مدى نجاح أو فشل ذلك الإداري في بناء فريقه الموالي، هذا الفريق الذي يتكون من أطياف متعددة أساسها الأول هو طاقمه الداخلي وفريقه الأساسي، إضافة إلى أطراف مختلفة مثل المنافسين والمساندين وموفري الخدمات والمستفيدين والعملاء والمشرعين وبطبيعة الحال الملاك وأصحاب القرار الحاسم.
النجاح كهدف يتطلب معطيات منها ما يمكن للمدير توفيره، ومنها ما عليه العمل لخلق الظروف لكي تتوافر، فأعضاء الفريق هم الركيزة الأساسية التي بها يمكن له أن يدخل الميدان، وهو على ثقة بأنه قادر على مواجهة التحديات والصعوبات، التي إن تجاوزها بمساعدة فريقه سيكون قد تمكن من خلق الظروف التي ستساعده على تحقيق النجاح المستهدف، كل ذلك مع الوضع في الحسبان أن بيئة العمل التي هي جزء منها لا تخلو من الأوجه غير الأخلاقية التي عليه بكل ما يحمله من مثل وقناعات أن يتعامل معها باللغة والطريقة التي تفهمها تلك البيئة الحيادية والمتعددة الأوجه.
إذًا المدير الذي يعتقد أنه قادر على الإدارة وحده عليه قبل أن يقرر استخدام هذه الاستراتيجية النرجسية أن ينظر لمحيطة ليعرف أنه قد يجد نفسه في موقع لا يحسد عليه عندما تحين الظروف التي تتطلب منه العمل مع أطراف لن تتوانى في التخلي عنه ودفعه نحو الهاوية فقط؛ لأنه لم يعترف بهم ولم يشاركهم الرحلة التي أوصلته إلى تلك النقطة التي خسر بعدها كل شيء.
*نقلاً عن صحيفة “الاقتصادية” السعودية
المصدر : https://wp.me/p70vFa-127