يعتقد الآباء والأمهات في الصين أن التعليم في المدارس الخاصة سيساعد على تطوير القدرات الإبداعية لدى أطفالهم، وسيمنحهم ما يحتاجونه لمواجهة تحديات المستقبل. الصحفية فيرجن مانجن تبحث في الأسباب التي تجعل الصينيين يقبلون على التعليم الخاص بشكل متزايد.
تدرس “أنجلينا” البالغة من العمر 11 ربيعا في مدرسة في العاصمة الصينية بكين، وتتحدث الصينية والانجليزية بطلاقة. وتحب هذه الطالبة ممارسة لعبة كرة القدم ولعبة لاَّكروس، وهي لعبة أمريكية تقليدية، وتقضي أوقات عطلة الصيف في مخيمات في الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد اختار والدا “أنجلينا” تعليماً خاصاً بالكامل بدلاً من نظام التعليم العام في الصين. كان القلق يساورهما حول ما يطلق عليه “تأثير وعاء الضغط” (بسبب التوتر الشديد الذي يتعرض له الطلبة وأولياء الأمور في امتحانات المرحلة التي تسبق الالتحاق بالجامعة).
“اخترت التعليم (الصيني) الخاص لابنتي بسبب عدم توفر التفاهم الكافي بين المدرسين والطلبة في المدارس الحكومية. كما إن الدراسة فيها تسبب إجهاداً كبيراً”، كما قالت “أيمي لين”، الأم التايوانية التي انتقلت للعيش في الصين مع زوجها قبل ست سنوات.
وأضافت “لين”: “أود إرسالها إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاحقاً لتدرس هناك، حيث تتوفر في ذلك البلد جامعات وفرص عمل أفضل”.
اختيار التعليم الخاص
عائلة “لين” هي واحدة من بين العديد من العائلات الصينية الميسورة التي رفضت نظام التعليم الحكومي الصيني التقليدي. وهناك أعداد متنامية من أولياء الأمور تطالب مدارس أطفالها بتقديم المزيد، وهم يريدون نهجاً بديلاً أقرب إلى النهج الغربي.
ويعتقد هؤلاء الآباء والأمهات أن ذلك سيساعد على تطوير القدرات الإبداعية لأطفالهم. وفي المقابل، نجدهم على استعداد لدفع مزيد من الأموال.
وتقدّر شركة “سي إل إس أي” للاستثمارات والوساطة المالية، والتي يتركز عملها في آسيا، قيمة سوق التعليم الخاص في الصين الآن بأكثر بقليل من ملياري يوان صيني (ما يقرب من 315 مليون دولار أمريكي.)
كما تتوقع الشركة أن ينمو التسجيل في المدارس العالمية، وجميعها مملوكة للقطاع الخاص، بنسبة 14 في المئة سنوياً حتى عام 2018.
إن قطاع التعليم الخاص في إزدهار: إذ تتوفر العديد من الخيارات المتنوعة من الفصول الدراسية التي يمكن لأولياء الأمور دفع رسومها، وتمتد هذه لتشمل دروساً خصوصية مرة واحدة في الأسبوع، وفصولا تعليمية كاملة الوقت، بما في ذلك الإقامة في الأقسام الداخلية.
توفر بعض المدارس مناهج تعليمية تبدأ من دور الحضانة لأطفال في عمر ثلاثة أعوام وحتى إكمالهم الدراسة في عمر 18 عاماً، حيث تقدم العديد منها أنشطة إضافية بعد انتهاء ساعات الدراسة يتم فيها تدريس اللغة الانجليزية أو الفنون أو الموسيقى.
أظهر بحث نشرته مؤسسة “ماكينزي” في يناير/كانون الثاني 2015 تجاوز أعداد دور الحضانة الخاصة أعداد دور الحضانة الحكومية في الوقت الحاضر.
أما في مرحلة التعليم الثانوي، فإن نسبة المدارس الخاصة في الصين قد ارتفعت إلى 10 في المئة، وذلك مقارنة بنسبة 3 في المئة قبل أقل من عقد من الزمن.
الضغط على الطلبة من رياض الأطفال
في كل عام، يجلس أكثر من تسعة ملايين طالب في الصين على مقاعد الامتحان المرعبة التي ستحدد أي جامعة يمكن قبولهم فيها.
وفي نهاية المطاف، يحدد ذلك الوظائف والأعمال التي سوف يمارسونها، وبالتالي حالتهم الاجتماعية المستقبلية. يبقى النظام التعليمي الحكومي موجهاً بالكامل تقريباً باتجاه النجاح في امتحان الثانوية العامة، الذي يعرف لديهم باسم “غاوكاو” (أو امتحان القبول). إنه امتحان يسبب ارتفاعاً في الضغط للطلبة والآباء معا.
إن التعليم والتثقيف بمستويات عالية يبدأ في سن مبكرة جداً. لذا يسارع أولياء الأمور في تسجيل أطفالهم في أفضل دور الأطفال. ويؤدي هذا بدوره إلى دخول أطفالهم في أفضل المدارس الابتدائية والمتوسطة إنتهاءً بالقبول في مدارس الثانوية العامة ذات الأداء الأفضل. ويتم في هذه المدارس الأخيرة توفير أفضل المدرسين والأدوات والموارد المدرسية.
يقول “يانغ دونغبينغ”، الخبير في أمور التعليم في “معهد بكين للتكنولوجيا” وعميد “معهد القرن 21 لبحوث التعليم”: “يهمل النظام التعليمي الحالي تطوير الذات والقيم والمسؤوليات الاجتماعية، وهذا هو سبب المشاكل الكبيرة التي يعاني منها بلدنا.”
ويضيف “يانغ”: “يصعب كثيراً تغيير العقلية من تعليم موجّه نحو امتحان القبول إلى عقلية أخرى يتم فيها تطوير الذات”.
واستجابة لهذا، انتشرت المدارس الخاصة في عموم الصين. لم يحصل هذا فقط في المراكز الحضرية بل في العديد من الأماكن لتملأ فراغاً متسعاً ما بين توقعات الطبقة الوسطى الجديدة لما يجب على التعليم أن يوفره، وبين ما يمكن أن توفره المدارس العامة الصينية.
أرادت “ماريان داكيت” الاستفادة من هذه النزعة، لذا قامت بتأسيس مدرسة “أتيلير” الخاصة لتعليم الفنون في بكين. كانت “داكيت” قد استهدفت في البداية مجموعات محلية متمركزة للعمالة الوافدة.
يتم في مدرسة “أتيلير” تعليم كل ما له علاقة بالرسم بالمواد الزيتية إلى النحت، لطلبة هم في أغلبهم من الصينيين بأعمار تتراوح ما بين 3 و 15 ربيعاً.
تُدرّس المواد باللغة الانجليزية أو الفرنسية من قبل مدرسين أجانب. ويتقدم بعض الطلبة، في سن المراهقة المتقدمة، للتسجيل في معاهد فنون مبدعة ذات شهرة عالمية مثل “سنترال سينت مارتنز” في لندن، أو “بو آرتس” في باريس.
تفكير إبداعي
تقول “داكيت”: “يأتينا الطلبة الصينييون لأننا نقدم لهم دورات تطوِّر من قدراتهم الإبداعية. لا تتعلق المسألة بالنتائج بل إنها تخص إمداد الطلبة بخبرات حقيقية يمكنهم استعمالها لاحقاً في حياتهم.”
لقد أتاح الطلب على المقاعد الدراسية في “أتيلير” للمواطنة الفرنسية “داكيت” أن تفتح مدرسة ثانية في العاصمة الصينية، علماً بأنها قدمت إلى بكين قبل ما يقرب من ثمانِ سنوات. وهي تخطط الآن للتوسع في مدن أخرى في الصين.
تقول “كانغ شي”، التي أسست مع زوجها وزوجين آخرين مدرسة خاصة في بكين في العام الماضي: “السبب في فتحنا لهذه المدرسة الخاصة هو إدراكنا لما يفتقده أطفالنا (نحن).”
وتعمل “شي” مدرِّسة ممارسة، ودرَّست في الولايات المتحدة الأمريكية خلال تسعينيات القرن الماضي قبل العودة الى الصين والعمل لصالح شركة عالمية.
وتتبع “أكاديمية أورورا العالمية”، وهي مدرسة بتمويل ذاتي ويديرها خال “شي”، الذي كان في السابق مديراً لمدرسة مرموقة في بكين، منهجا دراسيا نابع من العاملين فيها، ويتركز حول جسم وعقل الأطفال.
ويتعلم الأطفال في هذه المدرسة، على سبيل المثال، كيفية تفكيك وإعادة بناء دراجة هوائية وزراعة الخضار والفواكه التي تعجبهم، أو إزالة المواد التي تلوث نهراً يجري على مقربة منهم. وتشمل الدروس مواضيع متنوعة تمتد من أمور البيئة إلى التاريخ والحضارة الصينية القديمة.
عند سؤالها عما إذا كانت تواجه مصاعب في إقناع أولياء الأمور بإرسال أطفالهم إلى مدرسة بديلة متحررة مثل هذه، ابتسمت “شي” وأجابت قائلة: “كلا. الآباء والأمهات الذين يأتون إلينا يفتشون بالفعل عن شيء آخر، بديل. كل ما هنالك هو أننا نلبي احتياجاتهم.”
من الطبيعي أن لا تكون الدراسة الخاصة زهيدة التكاليف. لكن أولياء الأمور يقتنعون، في نهاية المطاف، بأن اختيارهم سيؤدي إلى نتائج مثمرة.
تقوم مجموعة “هورون” الإعلامية بنشر تقرير سنوي يتضمن قائمة بأثرياء الصين. وفي دراسة نُشرت ضمن تقرير لهذه المجموعة الإعلامية عن أصحاب الملايين الصينيين، تبيّن أن الأغنياء منهم مستعدون لاستثمار ما بين 20 إلى 25 في المئة من نفقاتهم السنوية على تربية وتعليم أطفالهم.
وتنفق عائلة “لين” 180 ألف يوان (28 ألف دولار أمريكي) سنوياً على تعليم “أنجلينا” ومدارسها الخاصة الأخرى في بكين، والتي تستوفي أحياناً رسوماً تصل إلى ضعف هذا المبلغ. في المقابل، تصل رسوم تسجيل طفل في المدارس العامة الصينية إلى قرابة 10 آلاف يوان (1500 دولار أمريكي) في السنة.
يعود السبب في ذلك إلى أن التعليم الخاص في الصين ليس فقط منفذاً للوصول إلى المناهج العالمية بل إنه يوفر أيضاً إمكانية مغرية للقبول لاحقاً في جامعات خارج البلد، إضافة إلى الحصول على وظائف برواتب عالية.
ربما ينتهج الآباء نهجاً مختلفاً، لكن غاياتهم وتوقعاتهم لما يمكن أن يصل إليه أطفالهم لم تتغير بشكل جذري. لا زال الغالبية العظمى منهم يبحثون عن مواقع بارزة يشغلها أبناؤهم في جامعات خارج البلد.
ويهدف الكثير منهم تحقيق عوائد لاستثماراتهم بوضع أبنائهم في إحدى كليات “آيفي ليج” في الولايات المتحدة الأمريكية، أو جامعتي أوكسفورد أو كامبريدج في المملكة المتحدة.
لقد ازداد عدد الطلبة الصينيين الدارسين في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أكثر من 274 ألف طالب في عام 2014، وكان هذا الرقم قد وصل إلى 60 ألفاً فقط في عام 2004، وفقا لما نشره “معهد التعليم الدولي”. ويعني هذا أن الطلبة الصينيين يمثلون ما يقرب من ثلث طلبة الخارج الدارسين في الولايات المتحدة الأمريكية.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-91L