مشاهد العسكرة وغياب الأمن من حولنا، تعصف بالاقتصاد المحلي. فقد مضى شهر كامل على بدء المواجهات الدامية في العراق بين مسلحي العشائر والمقاومة وتنظيم “الدولة الإسلامية” من جهة وبين حكومة نوري المالكي من جهة ثانية؛ وها هو العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يقترب من إنهاء أسبوعه الأول، فيما الأوضاع تزداد سخونة في الضفة الغربية ومناطق 48 ترقبا لانتفاضة ثالثة ضد الاحتلال وممارساته. وقبل ذلك، أدخلنا النظام السوري الذي يخوض حربا ضد شعبه للعام الرابع على التوالي، في مسلسل خسائر وقلق اقتصادي لا تُعرف له نهاية.
الخسائر لا تقف عند تدهور أوضاع أسطول الشاحنات بين الأردن والعراق وسورية، بخسائر تفوق 300 مليون دولار لشركات الشحن الأردنية، كما تصاعد النزف الصناعي بسبب الأزمة المتفاقمة في العراق، إذ تكبد الصناعيون الأردنيون حتى اليوم خسائر تفوق 150 مليون دولار وفقا لتقديرات غير الرسمية. فما هو مقبل أعمق في خطورته، بعد أن فقد كثير من المصدرين عقودا بملايين الدولارات مع العراق.
ضربات مستمرة للاقتصاد من خاصرته الشرقية، وقبلها الشمالية، تنضم لهما اليوم الجهة الغربية، لتكتمل الخسارة. فبعد الشكوى المريرة من طرف الحكومة الأردنية والسلطة الفلسطينية، خلال الأشهر الأربعة الماضية، من تضاؤل حجم التجارة بين الأردن وفلسطين إلى ما دون 90 مليون دينار سنويا، فإن التطورات المتلاحقة في الضفة الغربية المحتلة، كما مناطق 48، ستعصف بهذا التبادل وتنحدر به إلى مستويات أدنى. علما أن إسرائيل –التي تسيطر على المعابر الحدودية– تحتفظ بالحصة الأكبر من حجم التجارة من السلطة الفلسطينية.
والحالة هذه، فإنه يصعب تصديق توقعات صندوق النقد الدولي بشأن نمو الاقتصاد الأردني بنسبة
3.5 % خلال العام الحالي، مقارنة بنسبة 2.9 % في العام الماضي. فهذه التوقعات جاءت قبل أسابيع من تدهور الأوضاع في العراق، وتالياً العدوان الإسرائيلي على غزة وتسخين جبهة الرفض لقوة الاحتلال في الضفة الغربية.
ولن يقف الأمر عند نسبة النمو؛ إذ إن فرص العمل ستتراجع، كما سيزيد تهديد الفقر، وسط مخاوف من تراجع رغبة المستثمرين في ضخ المزيد من الأموال في الأردن، لا لسبب يخص المملكة، بل بسبب القلق الذي يحيط بها من كل الجهات. ويضاف هذا القلق الإقليمي وحالة عدم اليقين، إلى سلسلة تحديات تقليدية تمس الاقتصاد، منها نقص إمدادات الطاقة، وعجز المياه، إضافة إلى تحديات الفقر والبطالة وانحسار دور الطبقة الوسطى في البلاد.
صانع القرار الاقتصادي في وضع لا يحسد عليه، فيما يدفع المواطن الأردني ثمن كل هذه التحديات وتلك الخسائر. والمطلوب من الحكومة والبرلمان وضع خطة عمل تعطي أولوية لظروف الحرب والقلق هذه، وما تستلزمه من جهود للتكيف إلى أن تمر كل تلك العواصف. والاقتصاد الأردني في وضع أفضل من العديد من الاقتصادات الإقليمية. ففي مصر، شكلت المديونية ما يفوق 89 % من الناتج القومي الإجمالي، فيما يقف الاقتصاد اللبناني على شفير الإفلاس. أما الاقتصادان السوري والعراقي فقد تلاشت ملامح الحياة فيهما، وما المحاولات الحالية لإطفاء الحرائق التي تتصاعد ألسنتها إلا ذرا للرماد في العيون، بعد فشل حقيقي يلف هاتين الدولتين.