بدأت مسيرة التنمية في المملكة منذ اليوم الأول لتوحيدها على يد المؤسس المغفور له الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود أسكنه الله الجنة. ومنذ ذلك الحين والمملكة تخطو خطى واثقة نحو البناء الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي والنهوض العلمي حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن والحمد لله. ولقد لعب النفط دورا بارزا في نهضتنا الحضارية والاقتصادية والعلمية. فمنذ افتتاح الملك عبد العزيز البئر رقم 7 في العاشر من أيار (مايو) 1939 وبدء تدفق العوائد على خزانة الدولة، بدأ الإنفاق الحكيم على كل ما يحقق الرفاهية والتقدم والتنمية للمواطنين. ومنذ ذلك الحين تأثرت المملكة إيجابا وسلبا بكل انخفاض وارتفاع في أسعار النفط، إلا أننا استطعنا أن ندير التقلبات السعرية للبترول بحصافة وحنكة، وتمكنا من بناء بنية تحتية متطورة واقتصاد متين ونظام تعليمي متقدم وبيئة تشريعية عادلة، أصبحنا من خلالها أكبر دولة اقتصادية في المنطقة. فكل الإنجازات المتحققة تؤسس لقاعدة قوية ومتينة يمكن لنا من خلالها أخذ اقتصادنا إلى المرحلة التالية من التقدم، وذلك من خلال العمل على فك ارتباط نمونا الاقتصادي بارتفاع أسعار النفط من جهة، والعمل على تطوير مصادر الطاقة البديلة من جهة أخرى، وذلك للاستفادة القصوى من البترول بتصديره، ولتأسيس بيئة مستقبلية يمكن لنا من خلالها الاستغناء عن النفط في توليد الكهرباء وتحلية المياه.
ولفك ارتباط نمونا الاقتصادي بارتفاع أسعار النفط يجب علينا العمل بأقصى طاقة ممكنة لتأسيس بيئة صناعية قائمة على الجودة. فالجودة هي الميزة النسبية التي نستطيع العمل عليها، وتطويرها والمنافسة بها مع أي دولة كانت، وذلك لأن الجودة هي العامل الأساسي الأهم في تحديد اختيار المنتج من أي طرف كان. فعلى سبيل المثال، عند النظر إلى الصين وميزتها النسبية الفائقة في الإنتاج وبأقل تكلفة في العالم، نجد أن ميزان التبادل التجاري للصين مقابل ألمانيا يسجل عجزا سنويا لم تتمكن الصين من التغلب عليه. وذلك لأن الألمان يملكون ميزة الجودة الصناعية. فعلى الرغم من أن المنتجات الألمانية تصنع بتكلفة أعلى بـ20 في المائة من أي مكان في العالم، إلا أن جودة صناعاتها تحتم على العالم التعامل معها ومع منتجاتها. وبالمثل اليابان، فميزان التبادل التجاري للصين مقابل اليابان يسجل عجزا لم تتمكن الصين من التغلب عليه رغم انخفاض أسعار منتجاتها، وذلك لجودة المنتجات اليابانية. ومن هنا فالعمل على تأسيس صناعات ذات جودة عالية هي السبيل الناجح للنهوض باقتصادنا لمرحلة متقدمة تصبح معها صادراتنا النفطية 15 في المائة من مجمل الصادرات، بدلا من 90 في المائة من مجمل الصادرات كما هو الآن. ولتحقيق ذلك لا بد من بث ثقافة الجودة في جميع الأوساط ابتداء من البيئة التعليمية وانتهاء بفرض تشريعات تفرض مستوى عاليا من الجودة سواء للصناعات أو الخدمات، حتى تصبح الجودة ثقافة وأسلوب حياة. وحينها سيصبح الطلب على المنتجات والخدمات السعودية مرتفعا إلى درجة يصبح معها التوسع في الصناعات النهائية، كالسيارات مثلا، نتاجا طبيعيا لواقع الطلب العالي على كل الخدمات والصناعات السعودية. وعندئذ سيصبح النفط مصدرا للطاقة لتشغيل الآلة الصناعية (أسوة ببقية الدول الصناعية المتقدمة) وليس مصدرا نعتمد عليه للدخل. ووقتها لن يكون انخفاض أسعار النفط مصدرا للقلق، ذلك لأننا سنكون دولة مصدرة للمنتجات فائقة الجودة، ولأن صادراتنا النفطية لن تشكل الوزن الأكبر لإجمالي صادراتنا.
ومن أجل العمل على الاستفادة من الطاقة البديلة والمتجددة حتى نحقق أعلى درجات الفائدة من النفط بتصديره، ولتقليل اعتمادنا على النفط أيضا، تم تأسيس مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة. والتي تعمل على تلبية الطلب السعودي المتزايد على الطاقة الكهربائية والمائية من خلال مضاعفة هذه الطاقة ثلاث مرات تقريباً خلال 20 عاما من الآن، وباستخدام موارد المملكة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية الكثيفة، والحد الأدنى من الغطاء الغيمي، إضافة إلى طاقة الرياح والطاقة الجوف أرضية، إضافة للطاقة الذرية، كما هو منصوص عليه في موقع المدينة على الإنترنت. وتشير التقديرات إلى أنه وبحلول 2032 وعند تحقيق الإستراتيجية المنوطة بمدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، سنتمكن في المملكة من توفير ما يصل إلى 500 ألف برميل نفط يوميا. إن تأسيس المدينة ليس إلا امتدادا للسياسة المتبعة لولاة الأمر ومنذ توحيدها على يد المغفور له الملك عبد العزيز بالعمل على كل ما فيه تقدم ونهضة لمملكتنا الحبيبة. وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز – أيده الله – حين أمر بتأسيس المدينة أراد لها أن تكون بداية لمستقبل مشرق وواعد نستطيع الاستغناء معه عن النفط لتوليد الكهرباء ولتحلية المياه.
إن المستوى الاقتصادي والعلمي والتشريعي المتقدم الذي وصلنا إليه في المملكة يحتم علينا العمل على الانتقال إلى المرحلة التالية من النهضة والتقدم، من خلال العمل على جعل الجودة ميزة نسبية للصناعات والخدمات السعودية. كما ينبغي علينا العمل على الاستفادة من الطاقة البديلة والمتجددة لتوليد الكهرباء والماء، بما يحقق الاستفادة القصوى للنفط بتصديره وبما يؤسس لمستقبل نستطيع الاستغناء معه عن النفط لتوليد الكهرباء ولتحلية المياه، بما يحقق تطلعات ولاة الأمر ورغبات المواطنين، فنحن نستحق ذلك.