توصل أعضاء منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك) وحلفاؤهم إلى اتفاق قياسي لخفض الإنتاج العالمي للنفط بنسبة (10%) بعد انخفاض بالطلب، تسبب به الإغلاق الناجم عن فيروس (كورونا)، وقد تقرر خفض الإنتاج بمقدار 9.7 ملايين برميل يومياً.
ورأى البعض، أن هذا (الاتفاق التاريخي) يعكس تعاوناً بين المملكة السعودية وروسيا وأمريكا، وأنه سيحوّل (حرب الأسعار)
الناتجة عن إغراق الأسواق بالنفط، إلى تعاون عالمي، فهل سيؤدي هذا الاتفاق إلى انتهاء حرب الأسعار فعلاً.. وما انعكاسه على أسعار العملات المتذبذبة منذ أسابيع.
استقرار لا ارتفاع
قال الخبير المالي، الحسن علي بكر: جاء اتفاق (أوبيك) الأخير بظل التحديات الكبيرة والخطيرة، التي تواجهها أسواق النفط بالفترة الحالية، نتيجة جائحة (كورونا)، فهنالك تراجع بشكل كبير جداً، حدث ومن المتوقع أن يستمر في الطلب على النفط، وهو الأمر الذي يجعل من عملية الإنتاج السابقة، التي كانت تقوم بها الدول المنتجة للنفط (أوبيك+)، تكون كبيرة في ظل تراجع الطلب، فحدث الفائض، الذي خفض الأسعار، وهدد ربحية هذه الدول وقدرتها على الحفاظ على مستويات معينة من الدخل.
وأضاف بكر لـ”دنيا الوطن”: ” السلبية التي شهدتها المفاوضات ما بين (أوبيك) وروسيا، والتي رفضت خلالها روسيا تخفض إنتاج النفط في البداية، كانت بمثابة ضربة إلى أسواق النفط، وأدت إلى انخفاض بشكل ماراثوني في أسعار النفط في مستويات هي الأدنى له منذ عقود طويلة، حيث وصل سعر البرميل 20 دولاراً، يعتبر سعراً منخفضاً للغاية، ويهدد فعلياً بعض الدول المنتجة للنفط، والتي تعتمد بدخلها بشكل كامل على النفط”.
وأشار الخبير المالي، إلى أن تلك التحديات دفعت روسيا للرضوخ لمطالبات (أوبيك) بالاجتماع والاتفاق على خفض الإنتاج، وهو ما تم فعلياً خلال الاجتماع الأخير لـ (أوبيك+)، مما أدى لاستعادة النفط لشيء من خسائره، ولكنه يبقى في مستويات منخفضة للغاية.
وكشف أن (سوق النفط) سيواجه في الفترة الحالية، تحدياً كبيراً، ليس على جانب العرض فقط، ولكن على جانب الطلب، عبر التراجع الكبير في الطلب على النفط، نتيجة حالة توقف الإنتاج في بعض الدول، وتوقف المصانع، ما أدى إلى تراجع الطلب على النفط، متمماً: ” لا تزال التحديات موجودة، تم تجاوز جزئية مهمة، وهي حالة الهلع التي أصابت السوق في الفترة الماضية وتسببت بانخفاض الأسعار”.
وأكد أن اتفاق (أوبيك) الأخير، سيشكل دعماً للنفط، لكنها لن تتمكن من إعادة النفط إلى مستويات الارتفاع السابقة، مكملاً “لكنها حققت المطلوب والمرجو منها بتحقيق نوع من الاستقرار في المستويات الحالية في مستويات النفط، ولم نعد نشهد الانخفاضات المتتالية، التي شهدتها الأسواق ما قبل هذا الاتفاق”.
وأكمل: لا يزال النفط يتحرك ضمن مستويات جيدة، منذ أن تم التوصل لاتفاق الأسبوع الماضي، وبدأت التذبذبات تنحصر في أسواق النفط، والتحركات بدأت تتخذ الطابع الأفقي في أسعار النفط الخام، ولن تتمكن من العودة إلى الارتفاع بقوة، لكنها أيضاً ستمنع هبوطه، وأبقته ضمن الأسعار الحالية المستقرة.
وحول تأثيره على الاتفاق على أسعار العملات الأخرى، قال: العملات التي تعتمد في تسعيرتها، وفي اقتصادها على النفط بشكل خاص، ومنها الدولار الكندي، فكان هناك تفاعل كبير من الدولار الكندي مع هذا الخبر، حيث تمكن من تحقيق مكاسب خلال الجلسات التي تلت هذا الاتفاق، وتمكن من استعادة مستويات ما دون الـ 140 التي كان قد تخلى عنها مع بداية الجائحة.
وأكمل: أما العملات الأخرى، فما زال هناك الكثير من العوامل التي تؤثر بها، خاصة فيما يتعلق باستمرار حالة عدم اليقين من الوضع الحالي في العالم، نتيجة الجائحة، ولم يتم حتى الآن تحديد الأضرار النهائية التي يمكن أن تصيب الاقتصاد في ظل استمرار حالة عدم الوضوح الجارية.
إسقاط النفط الصخري
وأشار الدكتور محمود صبرة، رئيس قسم الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة الأزهر، أن الانخفاض الكبير في أسعار النفط، الحق ضرراً حاداً جداً في شركات إنتاج النفط الصخري، وأدى إلى خروجها من السوق، متمماً: “وأعتقد أن هذا هو الهدف من عملية زيادة المعروض بشكل كبير جداً”.
وقال صبرة لـ”دنيا الوطن”: من الطبيعي أن عملية الارتفاع التي حدثت، ستؤدي إلى شكل من أشكال الاستقرار في السوق العالمي، ولكن لا أعتقد أنها سترجع الأسعار إلى المستويات السابقة، نظراً لوجود انخفاض كبير جداً في الطلب، الذي سيؤثر بشكل طبيعي على الأسعار، ويحافظ على حالة التدني.
وأكمل: استقرار أسعار النفط، سيؤدي إلى استقرار أسعار عملات الدول المنتجة للنفط، وهذا سوف يساهم في ارتداد سعر الذهب، ولكن المشكلة ليست في أسعار عملات الدول المنتجة للنفط، بل في الاضطرابات على المستوى العالمي التي أدي إلى شكل من أشكال فقدان الثقة في كل عمليات الاستثمار المالي، وانهيار الأسهم على المستوى العالمي، وأدى إلى إرباك كبير جداً في سوق العملات.
يُذكر أن (أوبيك) هي منظمة الدول المصدرة للنفط، وهي منظّمة عالمية، تضم إحدى عشرة دولة، تعتمد على صادراتها النفطية اعتماداً كبيراً لتحقيق مدخولها، ويختصر اسمها إلى منظمة الأوبك ويعمل أعضاء الأوبك لزيادة العائدات من بيع النّفط في السّوق العالمية.
تهديدات أمريكية واستقرار على أسعار العملات
وأوضح الدكتور خليل النمروطي، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الإسلامية، أن إغراق الأسواق بالنفط وانهيار أسعاره كان نتيجة التحدي بين السعودية وروسيا، فكل منهما عملت على إنتاج النفط بكميات ضخمة جداً، مشيراً إلى أن تكلفة الإنتاج في السعودية منخفضة مقارنة مع الأسواق الأخرى.
وقال الدكتور النمروطي خلال حديثه مع “دنيا الوطن”: هناك علاقة عكسية بين سعر الدولار وسعر النفط، عندما ينخفض سعر النفط سعر الدولار يرتفع، لأن المستثمرين والمضاربين يميلون حينها لشراء الدولار أكثر من النفط لكسب أرباح أكثر، فهو نوع من الملاذ الآمن، والعكس صحيح، عندما يرتفع سعر النفط يستثمرون أموالهم في النفط وترتفع الأسعار أكثر.
وأضاف: “الآن انخفضت أسعار النفط إلى أقل مستوى لها خلال 18 سنة، أي لغاية عام 2002، شبه انهيار بالأسعار، وهناك بعض الدول المستفيدة من تخفيض الأسعار، كالدول المستوردة للنفط، بينما تضررت الدول المصدرة للنفط، والتي تعتمد باقتصادها عليه”.
وأشار إلى أن الاتفاق تم بناء على تهديدات أمريكية، من قبل الرئيس دونالد ترامب، بفرض رسوم جمركية كبيرة على استيراد النفط، متوقعاً خلال بدء تنفيذ الاتفاق في بداية الشهر المقبل، ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمي ما بين 30 إلى 35 دولار.
وعن أسعار العملة، أشار إلى ألا أحد يستطيع أن يتنبأ بأي شيء دقيق، خصوصاً أن الأمر يتعلق بظرف استثنائي، وحالة اقتصادية غير مستقرة، جائحة مستجدة، مستدركاً: “لكن إذا ارتفعت أسعار النفط لـ 35 دولاراً، يمكن أن نشهد هبوط خفيف في سعر الدولار الأمريكي، وربما لا يحدث ذلك أيضاً”.
ورجح أن يحدث شبه استقرار في أسعار العملات، بالمقارنة بالفترات السابقة، التي شهدنا فيها ارتفاعات كبيرة دفعة واحدة.