الاتفاق السعودي – الروسي على اتخاذ إجراءات مشتركة لتحقيق استقرار سوق النفط يمثل مرحلة جديدة من بناء الثقة بين أكبر منتجي النفط في العالم، السعودية وروسيا. عملياً يعني إعلان هذا الاتفاق أن الدولتين مهتمتان برفع سعر النفط. وتحقق ذلك عندما ارتفعت أسعار البرميل ٥ في المئة قبيل إعلان الاتفاق. وزير الطاقة السعودي خالد الفالح له خبرة طويلة بسوق النفط وعالمه إذ أنه ابن «أرامكو» وعمل طويلاً في الشركة قبل تولي رئاستها ثم وزارة الطاقة، وهو يدرك تماماً تاريخ التزامات روسيا في قطاع إدارة الإنتاج مع دول «أوبك». وكانت هناك دعوات متكررة لروسيا لحضور مؤتمرات «أوبك» مع طلب أعضاء المنظمة من روسيا أن تتعاون معهم في إدارة الإنتاج. وكانت دائماً كلمات جميلة من دون احترام الالتزام فعلاً. أما اليوم فالاتفاق مختلف لأنه يفتح صفحة جديدة في العلاقات على الصعيد السياسي، خصوصاً بعد عدد من اللقاءات بين القيادة السعودية وفلاديمير بوتين وآخرها لقاء ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان ببوتين في الصين على هامش قمة العشرين.
إن العلاقة الروسية السعودية قد لا تتبلور باتفاق على سورية لأن روسيا مصممة على حماية نظام بشار الأسد، ولكن الاتفاق النفطي يفتح الباب لحوار قد يأخذ في الاعتبار مصالح أخرى لروسيا مع السعودية يمكن أن تقنع بوتين بالحل السياسي في سورية على أسس «جنيف ١» والتخلي عن الأسد في النهاية. فالاتفاق السعودي الروسي على صعيد النفط وإعلانه من دون القول تحديداً ماذا يعني هو في شأن الحد من الفائض النفطي المستمر في السوق العالمية. فقد تتجه روسيا والسعودية إلى إقناع دول «أوبك» في الجزائر في ٢٧ الشهر الجاري على هامش منتدى الطاقة العالمي إلى تجميد إنتاجها. وكانت جرت محاولة سابقة ورفضت إيران مراراً تجميد إنتاجها لأنها قيد زيادة الإنتاج إلى مستواه قبل الحظر النفطي الذي رفع منذ توقيع إيران الاتفاق النووي مع الدول الست. وقد زادت إيران إنتاجها في شكل سريع بمليون برميل في اليوم وهي تنتج حالياً حوالى ٣،٧٥ مليون برميل في اليوم والمعروف أنها تحتاج شهرين أو ثلاثة لزيادة هذه الكميات مئة أو ١٥٠ ألف برميل في اليوم وليس بكميات كبرى تحتاج إلى استثمارات خارجية تأخذ وقتاً، لأن حقول إيران قديمة وتحتاج إلى ضخ ضغط كبير بكميات كبرى من الغاز.
والشركات الأجنبية تنتظر قبل الاستثمار في حقول إيران لمعرفة كيف ستكون العقود النفطية فيها. فهناك نقاش حالياً في البرلمان الإيراني حول نوعية عقد محدد بين النواب الذين يوصفون بإصلاحيين وبين المتشددين الذين يريدون البقاء على عقود تسمى buy back وهي الطريقة القديمة التي لا تحبذها الشركات الأجنبية. فاحتمال تجميد الإنتاج قد يكون تحصيل حاصل في الأشهر المقبلة حتى لو بقيت إيران خارج الاتفاق نظراً لعدم قدرتها على زيادة إنتاجها في شكل أكبر. والحقيقة أن جميع الدول المنتجة خارج وداخل «أوبك» تريد أسعار نفط بمستوى أعلى من المستوى الذي هبط إليه السعر حالياً. وروسيا اليوم تعاني من اقتصاد في وضع كارثي وأزمة مالية كبرى وهي تخوض حرباً مكلفة في سورية وتحتاج إلى زيادة عائداتها النفطية. والسعودية كما قال خالد الفالح مراراً تتخوف من تراجع استثمارات الشركات النفطية العالمية نتيجة انخفاض سعر النفط مما يؤدي في السنوات المقبلة إلى انخفاض في المخزون ونقص في العرض والعودة إلى أسعار مرتفعة جداً تعيد سيناريو العامين ٢٠١٣ و ٢٠١٤ الذي أدى إلى تكثيف إنتاج النفط الصخري. فالجميع اليوم مهتم برفع سعر النفط لأسباب مختلفة، ولكن السؤال المطروح هو: هل تلتزم روسيا وإلى متى نظراً لتاريخها مع «أوبك»؟
المصدر : https://wp.me/p70vFa-fga