الآن تمر الصين والولايات المتحدة بتغيرات بنيوية كبرى تخشى كل منهما أن تكون كفيلة بإنهاء العصر الذهبي عندما كانت الصين تنتج سلعاً منخفضة التكاليف فتشتريها الولايات المتحدة. وبشكل خاص، يخشى العديد من المراقبين من أن تقود هذه التغيرات إلى منافسة مباشرة بين البلدين وألا يخرج منها فائز سوى طرف واحد.
وهو خوف مفهوم، ولكن الفرضية الأساسية غير صحيحة، فكل من الجانبين بوسعه أن يكسب من هذه التغيرات من خلال صياغة علاقة جديدة تعكس الحقائق البنيوية المتطورة: نمو الصين وحجمها نسبة إلى الولايات المتحدة، والتغيرات التكنولوجية السريعة التي تعمل على تشغيل العمليات أوتوماتيكياً وإزاحة الوظائف؛ وتطور سلاسل التوريد العالمية المدفوع بارتفاع دخول الدول النامية، ولكن يتعين عليهما أولاً أن يعترفا بأن النمط القديم القائم على الاعتماد المنفعي المتبادل بلغ منتهاه بالفعل، وأن الأمر يتطلب نموذجاً جديدا.
لقد خدم النموذج القديم الجانبين طيلة ثلاثة عقود من الزمان، وكان النمو في الصين مدفوعاً بالصادرات الكثيفة العمالة التي اكتسبت المزيد من القدرة التنافسية من خلال نقل التكنولوجيا والمعرفة من الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية. وكان هذا مقترناً بالاستثمارات الصينية العامة والخاصة الهائلة (التي مكنتها المدخرات الضخمة، والمفرطة أخيرا)، سبباً في تعزيز ارتفاع الدخول بالنسبة للملايين من المواطنين الصينيين.
من ناحية أخرى استفاد المستهلك في الولايات المتحدة – إلى حد كبير – من انخفاض الأسعار النسبية للسلع المصنعة في الجانب القابل للتداول من الاقتصاد. وبهذا تحول تشغيل العمالة في الولايات المتحدة نحو أنشطة ذات قيمة مضافة أعلى، الأمر الذي دعم بالتالي ارتفاع الدخول في أمريكا أيضا.
ولقد عملت الشركات المتعددة الجنسيات على تشغيل سلاسل توريد عالمية تتسم بالكفاءة والتعقيد، والتي يمكن إعادة تشكيلها بوصفها النمط المتحول للميزة التنافسية المفروضة. ولقد انتقلت سلاسل الإمداد العالمية من الغرب إلى الشرق إلى حد كبير، وهو ما يعكس تركيبة وموقع الطلب في الجزء القابل للتداول من الاقتصاد العالمي.
ونظراً للمتطلبات على الجانبين، فإن كيفية ضمان إقامة علاقة مثمرة ومفيدة للطرفين بين الولايات المتحدة والصين تشكل شأناً بسيطاً وواضحاً نسبيا، فالصين لا تزال في احتياج إلى الوصول إلى أسواق الدول المتقدمة وتكنولوجياتها، ولكن التركيز بدأ يتحول نحو المعرفة والإبداع والمهارات المحلية. وبوسع الولايات المتحدة، التي لا تزال تشكل قوة رئيسة في عالم الإبداع، أن تساعد في هذا الصدد، ولكنها تحتاج في المقابل الوصول إلى السوق الصينية النامية، فضلاً عن تكافؤ الفرص بمجرد وصولها هناك. ويصدق القول نفسه عندما نتحدث عن تنمية القطاع المالي.
ومن المؤكد أن انخفاض العجز في الحساب الجاري الأمريكي من شأنه أيضاً أن يفيد الصين، التي تحولت احتياطياتها من النقد الأجنبي (3,2 تريليون دولار أمريكي)، والتي تحتفظ بأغلبها في هيئة أصول مقومة بالدولار، إلى استثمار ضخم ومحفوف بالمخاطر. والتقدم نحو التوازن الخارجي في الولايات المتحدة كفيل بالسماح بالخفض التدريجي البطيء للاحتياطيات الصينية، وبالتالي التخفيف من صداع إدارة الأصول.
إن التوصل إلى فهم أعمق للتغيرات البنيوية الطارئة على الجانبين من شأنه أن يعزز قدرتهما على تحديد مجالات التعاون المشترك، ولكن جوهر العلاقة بسيط، فالصين تحتاج الإبداع الأمريكي لكي تنمو، والولايات المتحدة تحتاج أسواق الصين لكي تنمو، ولكي يستفيد كل من البلدين من هذا التعايش التكافلي فلا بديل غير التعاون، والاستثمارات الضخمة، والإصلاحات على جانبي المحيط الأطلسي.
*نقلاً عن صحيفة “الاقتصادية” السعودية.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-1D9