بين ضغوط متزايدة من الولايات المتحدة وأوروبا، وجد مدراء الأصول أنفسهم في موقف حرج، حيث يواجهون تهديدات بسحب استثمارات ضخمة من جانب مسؤولين أمريكيين جمهوريين ينددون بالدعم الكبير الذي يقدمه هؤلاء المديرون لقضايا المناخ والعدالة الاجتماعية. في المقابل، تتجه الأنظار إلى أوروبا، حيث تُظهر صناديق التقاعد والشركات الأوروبية رغبة متزايدة في التوجه نحو استثمارات مستدامة.
في الآونة الأخيرة، بدأ بعض كبار مديري الأصول في الولايات المتحدة بالتراجع عن تحالفاتهم مع قضايا المناخ بسبب الضغط السياسي والتشريعي. وقد انعكس ذلك على دعمهم للقرارات البيئية، مما دفعهم إلى تغيير استراتيجياتهم الاستثمارية خوفًا من فقدان عقود استثمارية. ولكن هذا التوجه قد يعرضهم لخطر فقدان التعاقدات مع صناديق التقاعد الأوروبية التي تهتم بشكل متزايد بالاستدامة.
دراسة حديثة أجرتها «برنسيبلز ريسبونسيبل إنفستمنت»، وهي هيئة تركز على الاستثمارات المستدامة بدعم من الأمم المتحدة، كشفت عن فجوة متزايدة بين ملّاك الأصول ومديري الأصول في ما يتعلق بالاستثمار المسؤول. وتبيّن أن ملّاك الأصول، مثل صناديق المعاشات التقاعدية وشركات التأمين، يميلون إلى تبني نهج أكثر نشاطًا في قضايا البيئة والمجتمع، في حين يظل مدراء الأصول أكثر تحفظًا، متأثرين بالضغوط قصيرة المدى على أدائهم المالي.
من بين النتائج المهمة للدراسة أن 58% من ملّاك الأصول يستخدمون تحليل «السيناريو المناخي» لتقييم المخاطر في محافظهم الاستثمارية، مقابل 29% فقط من مديري الأصول. هذا التفاوت يعكس التوجهات المختلفة بين الطرفين، حيث تلتزم صناديق التقاعد بالمستقبل البعيد لأعضائها، بينما يواجه مدراء الأصول ضغوطًا اقتصادية حادة تتطلب نتائج مالية أسرع.
أما في أوروبا، فقد بدأت شركات إدارة الأصول الكبرى في الاستفادة من هذا التوجه نحو الاستدامة. على سبيل المثال، كانت «أموندي»، أكبر مديرة أصول في أوروبا، هي المستفيد الأبرز من قرار «صندوق الشعب» التقاعدي البريطاني بسحب استثمارات ضخمة من شركة «ستيت ستريت» الأمريكية. حيث تسلّمت «أموندي» 20 مليار جنيه إسترليني من هذه الأموال، مع التركيز على الاستثمارات المستدامة وتوليد القيمة على المدى الطويل.
هذه التطورات تأتي في وقت حساس بالنسبة لمديري الأصول الأمريكيين، حيث أظهرت البيانات ازدياد عدم التوافق بين مديري الأصول الأمريكيين والأوروبيين في قضايا الاستدامة. وبينما تراجع دعم مديري الأصول الأمريكيين لقضايا البيئة، ظل دعم نظرائهم الأوروبيين لهذه القضايا قويًا، ما يعكس الفارق الكبير في الأولويات بين المنطقتين.
هذا التحول يشير إلى أن أوروبا قد تكون المكان الأمثل الآن للاستثمارات المستدامة، حيث يواصل العديد من كبار صناديق التقاعد والشركات الأوروبية الضغط على مديري الأصول لضمان التزامهم بمعايير البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG). وفي هذا السياق، تشير التوقعات إلى أن أوروبا قد تكون هي الوجهة المفضلة لمزيد من تدفقات الاستثمارات المستدامة في الفترة المقبلة.
وفي ظل هذه التحولات، يظل السؤال قائمًا حول ما إذا كانت هذه التوجهات ستؤدي إلى تحول دائم في السوق أو ما إذا كانت ستظل محكومة بالتقلبات السياسية والاقتصادية. في كل الأحوال، تبرز الفرص أمام شركات إدارة الأصول الأوروبية مثل «أموندي»، التي بدأت في جني فوائد هذا التحول.
هل ستستمر أوروبا في جذب هذه الاستثمارات، أم أن التحولات في السياسة الأمريكية ستؤدي إلى توازن جديد في هذا السوق؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة.