شهدت أسواق النفط أسبوعا صعبا بسبب المتغيرات الجوهرية واسعة التأثير في الأسعار، التي بدأت بتعثر كبار المنتجين في الدوحة الأحد الماضي في التوصل إلى توافق بشأن تجميد الإنتاج بسبب الموقف الإيراني المتعنت بالمشاركة في الاتفاق، وهو ما قاد إلى خسائر سعرية حادة كبح من تفاقمها إضراب عمال النفط في الكويت، الذي هبط بالإنتاج الكويتي بنحو 60% إلا أن الأزمة لم تستمر كثيرا وتم إنهاء الإضراب بنجاح.
وعقب انتهاء الإضراب تلقت الأسعار دعما قويا وواسعا من تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذي توقع انهيارات واسعة في المعروض العالمي بسبب تجميد وإلغاء استثمارات نفطية بنسبة 40% وتوقف الحفارات الأمريكية وتراجع الإنتاج الصخري هذا العام بنحو 700 ألف برميل يوميا، وفقا لصحيفة “الاقتصادية”.
وفي هذا الإطار، أكدت منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” أن تعثر اتفاق الدوحة لا يعني انتهاء المحادثات والمفاوضات بين المنتجين حول قضية تجميد إنتاج بل على العكس سيتواصل هذا الأمر ونتوقع الوصول قريبا إلى نتائج مثمرة في هذا الملف يكون لها مردود إيجابي على دعم أسعار الخام، مشيرة إلى أن المنظمة ستظل على التزام كامل بدعم كل الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في السوق.
وأضاف تقرير “أوبك” أن مستوى أسعار النفط المنخفضة التي تعيشها السوق على مدى قرابة عامين استفاد منها كثيرا عديد من الدول المستهلكة بينما تعاني الدول المنتجة تراجعا حادا في مستويات الطلب على نفطها، مشيرا إلى أن المستهلك العادي لم يستفد جيدا من تراجع أسعار النفط بسبب لجوء أغلب دول العالم إلى تثبيت أسعار النفط والغاز، ما جعل المستهلكين لا يستفيدون بالقدر نفسه من الانخفاض الذي حدث في مستوى الأسعار خاصة في قطاع النقل.
وقال التقرير إن السنوات العشر الأخيرة شهدت تغيرات مهمة منها أن قارة آسيا أصبحت لاعبا رئيسيا في صناعة التكرير والبتروكيماويات والمنتجات النفطية بشكل عام، كما ازدادت أهمية مشروعات المصب فمعظم المنتجات النفطية لا يتم استهلاكها في مكان إنتاجها نفسه، كما نجد فروقا في الأسعار والأرباح بين النفط الخام والمنتجات النفطية، كما أن هذه المنتجات تتباين مستويات الطلب عليها بفعل مواسم الطقس وعوامل أخرى.
وذكر التقرير أن النفط الصخري الأمريكي يواجه صعوبات واسعة في المرحلة الراهنة خاصة بعد أن تسبب هذا الإنتاج في انهيار الأسعار وأصبح المستثمرون في هذا المجال يتطلعون إلى تجاوز صعوبات السوق والعودة إلى مستويات الإنتاج الملائمة والمرضية لطموحاتهم.
وأضاف التقرير أنه باستعراض البيانات والتحليلات الاقتصادية نجد أنه خلال السنوات الثماني الماضية قامت دول “أوبك” معا بتحقيق زيادة في الإنتاج محدودة وتقدر بنحو 770 ألف برميل يوميا، بينما نجد أن الولايات المتحدة – خلال الفترة نفسها – رفعت إنتاجها بأكثر من ستة ملايين برميل يوميا، وكل من كندا وروسيا والبرازيل بنحو مليون برميل يوميا.
وتساءل التقرير لماذا يجب على “أوبك” وحدها في ضوء هذه الإحصائيات خفض إنتاجها وتحميلها وحدها مسؤولية تخمة ووفرة المعروض في السوق رغما أنها أقل المساهمين في حالة التخمة الراهنة؟
وأوضح التقرير أن التعاون بين المنتجين أصبح مهما جدا وأكثر إلحاحا من أي فترة سابقة في ضوء عدم بلوغ السوق حالة الاستقرار والتعافي المنشودة، مشيرا إلى أن برامج التعاون يجب أن تشمل آفاقا واسعة سواء على المديين القصير والطويل.
وحول مستقبل “أوبك”، أكد التقرير أن مستقبل المنظمة مبشر ويحيطه التفاؤل ولكن يجب أن نعى جيدا أن “أوبك” مثل أي منظمة أو شركة كبرى تجتاز أوقاتا سعيدة وأوقاتا أخرى صعبة وتبقى الإشكالية في مدى تبنى الآليات الجيدة وردود الفعل المناسبة في الأوقات العصيبة من أجل الحفاظ على نمو وازدهار المنظمة وهناك حاجة دائمة إلى تعديل برامج وآليات العمل ودراسة المواقف والفرص المتاحة وتطوير الأداء في ضوء سياسات مرنة وواعية.
ورأى التقرير أنه على الرغم من صعوبات السوق الحالية فإن “أوبك” لديها قناعة قوية بغد أفضل لأنها واثقة بأن الطلب على النفط الخام يتزايد كما أن حصتها في السوق لا تزال تتمتع بقدر كبير من الازدهار.
وقال التقرير إن “أوبك” تتمتع بإدارة متميزة ومتطورة ومن المؤكد – عكس ما يتوهم البعض – أنها لن تصبح أبدا منظمة تعيش في برج عاجي بمعزل عن ظروف السوق بل هي تتفاعل جيدا مع ظروف السوق وتعمل على تحقيق الأهداف والأغراض المهمة التي وجدت من أجلها ولن تقدم أبدا على إنتاج دراسات غير مفيدة، بل إن كل دراساتها ذات قيمة مضافة عالية، كما أن الإدارة العليا للمنظمة وهي المجلس الوزاري تقيم بموضوعية كل الدراسات الصادرة عن “أوبك” وتحث على جعل الدور البحثي والمعلوماتي للمنظمة أكثر فائدة وتطورا ومساهما جيدا في خدمة صناعة النفط في الدول الأعضاء خاصة وفي العالم بشكل عام.
وبحسب التقرير فإن التطورات التكنولوجية لها تأثيرات واسعة وممتدة في سوق الطاقة ويجب دراستها بشكل جيد ومعمق، مشيرا إلى أنه لم يكن أحد يقبل قبل 20 عاما على سبيل المثال على شراء السيارات الكهربائية أو الهجينة، بينما نلاحظ حاليا أن هذا النوع من السيارات بدأ في اختراق السوق ببطء في أوروبا والولايات المتحدة.
وأوضح التقرير أنه من الصعب عمليا توقع حجم الطفرة التكنولوجية في العالم مشيرا إلى أن أسواق الطاقة أصبحت في المرحلة الحالية أكثر ديناميكية وتعقيدا مقارنة بما كانت عليه قبل عشرة أو خمسة عشر عاما. ونوه التقرير إلى أنه بمناقشة العرض العالمي من النفط وتوقعات نمو الطلب ندرك على الفور تطورا مهما خلال العام الماضي، حيث لجأت الكيانات الكبرى في الصناعة خاصة الشركات الدولية إلى إجراء خفض كبير في النفقات الرأسمالية وترافق ذلك مع إجراء الكثير من عمليات تسريح العمالة.
ويرى التقرير أن هذا التطور ينطوي على تغييرات جوهرية في علاقة العرض والطلب خاصة في ضوء الصورة الاقتصادية القاتمة التي تحيط ببعض الاقتصادات الكبرى من دول خارج “أوبك” مثل الصين وروسيا والبرازيل، وأضيف إلى قائمة التحديات أخيرا اتفاق الأمم المتحدة لمكافحة التغير المناخي، الذي تم إبرامه في باريس نهاية العام الماضي حيث ستكون له تأثيرات واسعة في مستقبل صناعة الطاقة في العالم.
وأشار التقرير إلى أن نمو الاقتصاد العالمي هو المحرك الرئيسي للطلب على النفط على المدى الطويل، موضحا أن النمو الاقتصادي يعتبر المتغير الأكثر أهمية في التأثير على سوق الطاقة، مضيفا أن تقديرات “أوبك” تشير إلى أن الاقتصاد الدولي سينمو بنحو 3.6 في المائة سنويا حتى عام 2020، ثم يتراجع بعد ذلك على نحو طفيف.
واعتبر التقرير أن التوقعات الاقتصادية لمستويات الطلب على النفط إيجابية خاصة في ضوء النمو السكاني المتسارع وازدياد الحاجة إلى الطاقة، مشيرا إلى أن الناتج المحلي الإجمالي له ارتباط وثيق بسوق النفط، مؤكدا تزايد أهمية الأسواق الناشئة والنامية في منظومة الطاقة في السنوات المقبلة كمكون رئيس للطلب. وأضاف التقرير أنه منذ وقوع الأزمة المالية العالمية في عام 2008 ودول العالم تسعى إلى اتباع سياسات اقتصادية أكثر فاعلية لمنع تكرار الأزمات وسعت حثيثا إلى تقليل الاعتماد على موارد الوقود الأحفوري ولكن الواقع العملي يؤكد أن الوقود الأحفوري سيظل مهيمنا على منظومة الطاقة في العالم لعقود مقبلة.