على مدى عقود طويلة وصف التين الشوكي في المغرب، بفاكهة الفقراء، يجنيه سكان البوادي من حدائقهـم المسيجة به، ويقتنيه سكان المدن ببضعة دراهم للكيلوغرام الواحد.
وبعد حلول الألفية الثالثة بسنوات قليلة، تغيرت النظرة لهذه الفاكهة الصيفية، التي تستعمل بقاياها كعلف للماشية، حين كشفت عن سر “إكسير الشباب” الكامن في بذورها.
وكشفت الأبحاث في مجال طب التجميل، أن الزيوت المستخلصة من بذور التين الشوكي أو “الهندية” في العامية المغربية، تحتوي على نسبة عالية جدا من فيتامين “إي” المضاد للشيخوخة، وفيتامينات أخرى ضد الأكسدة.
ويعد هذا الزيت من أغلى الزيوت في العالم، حيث يصل سعره إلى ألف دولار للتر الواحد.
هذه الثورة التي أحدثها زيت الصبار في عالم صناعة مستحضرات التجميل، جعلت شركات دولية توجه البوصلة نحو المغرب، لما يتوفر عليه من مؤهلات، فهو يعتبر واحدا من أكبر منتجي ومصدري هذه الفاكهة في منطقة البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا. وتضم المملكة 200 ألف هكتار من الصبار، وتصدر ما يزيد عن مليون طن سنويا من فاكهة التين الشوكي.
استخراج زيت “الذهب الأخضر“
ارتبط اسم المغرب في ذاكرة صناعة مستحضرات التجميل، بزيت أركان النادر، الذي يحظى بطلب عالمي لافت، وهذه التجربة تكررت بشكل أو بآخر، مع زيت الصبار.
وتقول زهرة بودبايز، رئيسة تعاونية أكناري بإقليم سيدي إفني، التي ينتج أفضل أنواع التين الشوكي في المغرب، إن التعاونية، التي تأسست عام 2001 بهدف إنتاج زيت أركان ومستحضرات تجميل، تمكنت عام 2007 من استخلاص أول لتر زيت من بذور التين الشوكي.
وجاءت الخطوة بناء على طلب من شركة أوروبية.
وتوضح زهرة أن “إنتاج لتر واحد من زيت الصبار يحتاج لنحو طن من الفاكهة، وتمر عملية التحضير بمراحل عدة، انطلاقا من الجني والتنظيف من الأشواك واستخراج البذور ثم تجفيفها، قبل عصرها في آلة خاصة”. وهذه العملية تتطلب تعاونا بين 10 عاملات.
وتكشف زهرة أن الجمعية، استطاعت في ظرف سنوات، الحصول على طلبات من عدة شركات عربية وأوروبية وأميركية، وقد استطاعت أن تحصل على شهادات جودة من طرف مؤسسات عالمية.
وتورد في حديثها أنه بعد الانتهاء من عملية العصر، تحول البقايا إلى صابون كما تصنع منها مستحضرات تجميلية تباع في السوق المحلية.
وتؤكد رئيسة جمعية أكناري أن نساء الجمعية حققن استقلالا ماديا بفضل عوائد صناعة زيت الصبار.
كيف تطورت صناعة زيت الصبار في المغرب؟
تبيع الجمعيات المحلية المغربية الزيت الخام إلى الشركات المستوردة بأثمنة تتراوح ما بين 250 و 350 دولارا للتر الواحد من الزيت، بينما تعيد تلك الشركات تسويقه دوليا بما يصل أحيانا إلى 1000 دولار للتر.
ورغم هذا التباين الكبير، فإن الصناعة المرتبطة “بالذهب الأخضر” فتحت أفقا جديدا للتنمية المحلية في المغرب.
وانتقلت صادرت زيت الصبار من 0.002 طن سنة 2008 إلى ما يناهز 5 أطنان خلال السنوات الماضية.
ويقدر عدد الفاعلين المنتجين لهذا الزيت بأكثر من 30 شركة صناعية وجمعية محلية مسجلة في بيانات المؤسسة المغربية للتتبع الصادرات (موروكو فوديكس).
وأكد نبيل شوقي، مدير تنمية سلاسل الانتاج بوزارة الفلاحة المغربية، أن حجم الصادرات تطور في العقد الماضي تزامنا مع إطلاق مخطط المغرب الأخضر، الرامي إلى النهوض بقطاع الفلاحة وتثمين المنتج المحلي.
وأوضح المسؤول في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية” أن الطلب العالمي يتزايد بشكل كبير على زيت الصبار المصنع في المغرب، مشيرا إلى أن خريطة التصدير متنوعة وتضم بلدان عدة بينها الولايات المتحدة الأميركية، واليابان، وفرنسا، وألمانيا، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وبولندا.
تهديد الحشرة القرمزية
مجهودات توسيع رقعة زراعة الصبار تواجه تحديا فرض نفسه منذ عام 2014، تاريخ ظهور الحشرة القرمزية التي تهاجم هذه النبتة دون غيرها، وتلحق خسائر كبيرة بالإنتاج، كونها تقتات على نبات الصبار حيث تمتص سوائله، مما يؤدي إلى جفافه وموته في حالة شدة الإصابة.
وقد أثرت الحشرة القرمزية على الإنتاج بضواحي الدار البيضاء، خلال السنوات الماضية حيث أتت على المحاصيل بالكامل، في بعض المناطق.
ويؤكد المهنيون، أن خطورة الحشرة على صناعة زيت الصبار تكمن في المبيدات المستعملة لإنقاذ المحاصيل. حيث تشدد الشركات المستوردة على ضرورة أن يكون الزيت خاليا من أي بقايا لمواد كيماوية.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-BMY