ورغم تأكيد رئيس المجلس الصحي العالي د. طاهر ابو السمن أن قانون المسؤولية الطبية رفع الى رئاسة الوزراء وأعطي صفة الاستعجال، فقد رفضت مسودة القانون من قبل نقابة الأطباء يوم أمس الاول، لنعود الى المربع الاول وسط الجدل حول قانون يبدو جليا أن من الصعب تطبيقه.
مبررات النقابة تبدو كما هي ولا اختلاف فيها في كل مرة يتم رفض مسودة المشروع فيها باعتبار المسودة «لا تلبي مطالب الأطباء بوجود قانون ينصف المريض والطبيب بالمعيار ذاته».
يأتي ذلك رغم أن الجانب الرسمي ممثلا بوزارة الصحة وبوزرائها على اختلاف توجهاتهم يرى أن قانون المسؤولية الطبية أولوية قصوى على أجنداتهم المتعاقبة، وأن المحافظة على الانجازات الطبية وسمعة القطاع الطبي الاردني تتطلب وجود قانون للمساءلة الطبية يحفظ نوعية الخدمات الطبية المقدمة ويرتقي بها من خلال ضمان حقوق وسلامة المرضى وضمان ذات الحقوق بالنسبة لمقدمي الخدمة الصحية.
وبتعاقب الوزراء وتعاقب الجلسات الحوارية والنقاش حول هذا القانون الذي يبقى مسودة ترفع الى الجهات المختصة وتسحب مرة أخرى، يبدو أن القول الفصل في الموضوع هو لنقابة الاطباء.
وفي كل مرة تتباين الآراء بين مؤيد ومعارض لمواد القانون ولا يخلو الموضوع بالطبع من اتهامات.
فبرأي المؤيدين فإن النقابة هي من تجهض القانون، فيما يرى آخرون أن دور النقابة لا بد أن يكون فعالا في صياغة هذا القانون وأن أي مشروع يجب أن يكون من خلالها. وهناك عدد آخر يتهم جهات طبية بالوقوف وراء إقرار المشروع لجني الارباح.
قانون المساءلة الطبية موجود في أكثر دول العالم تقدما، وفي بعض الدول العربية أيضا، إلا أن العديد من الأطباء يجدون أن المشروع يجب أن يكون من خلال تعديل في قانون النقابة، أي أن يكون المشروع الابن الشرعي للنقابة، لا سيما أن النقابة لديها لجنة شكاوى ومجلس تأديب أعلى، وهناك العديد من العقوبات موجودة ومفعلة وتتدرج من التنبيه الى عقوبة شطب الطبيب وإغلاق عيادته.
ورغم عدم وجود دراسات طبية حقيقية إلا ما ندر عن الأخطاء الطبية في المملكة، يؤكد الأطباء أن نسبة الأخطاء قليلة جدا، وأن العقوبات موجودة من قبل الوزارة ومن قبل النقابة، وهناك عقوبات مشددة لدى الجهتين اضافة الى ان القانون المدني بمادته (256) يعتمد أسلوب الخطأ في تحديد الأضرار الناتجة عن الممارسات الطبية.
كما يمكن استخدام القانون الجزائي للحكم في هذه القضايا، فضلا عن تطبيق المملكة لقاعدة المسؤولية الجماعية والفردية، حيث يتساءل العديد من الأطباء والمختصين هنا: «ماذا سيضيف القانون؟».
نقيب الاطباء د. احمد العرموطي قال ان النقابة لا تعارض إيجاد قانون للمسؤولية الطبية من حيث المبدأ وانها على استعداد لاقتراح إجراء تعديلات على مسودة المشروع الذي قدم لها من المجلس الصحي العالي اذا كانت الجهات ذات العلاقة على استعداد للأخذ بجميع مقترحاتها.
واضاف لـ»الدستور» ان مجلس النقابة سيناقش المشروع بناء على ملاحظات الأطباء الذين شاركوا بالاجتماع الذي دعت اليه النقابة لمناقشته.
وأبدى العرموطي استعداد النقابة لصياغة مشروع قانون للمسؤولية الطبية بما يكفل حق الطبيب والمريض في آن معا.
وقال ان ايجاد مثل هذا القانون يحتاج لنصوص تحفظ حق الطبيب وحق المريض في آن واحد، وان يسبق اقراره تحسين بيئة عمل الأطباء في المستشفيات وبروتوكولات طبية ووصف وظيفي للطبيب وتعليم طبي مستمر.
واوضح ان مطلب النقابة بعدم توقيف الطبيب إلا بعد ثبوت الخطأ الطبي يجب ان يكون مثبتا بقرار قضائي وليس من قبل اللجنة الفنية المقترحة في المشروع الذي يحصر تحديد الخطأ بلجنة فنية واحدة، وان تكون هناك اكثر من لجنة فنية للنظر في الشكوى الواحدة بحيث يتم الاعتراض على قرار اللجنة الفنية لدى لجنة اخرى.
وقال ان المشروع يقيد القضاء باللجنة الفنية التي يجب ألا تكون صاحبة الحكم في الخطأ الطبي بل يستأنس برأيها، مشيرا الى ان المسؤولية الطبية مطبقة في القضاء حاليا، وانه يمكن اضافة مواد الى قانون النقابة بحيث يتم التنسيق بين النقابة والقضاء في حال وجود خطأ معروض على اللجنة الفنية التي يجب ان تمثل اطباء من مختلف القطاعات الطبية.
ولدى استعراض تفاصيل الموضوع نجد حلقة مفقودة تحتاج الى مزيد من العمل، فإذا كان الجميع لا يرفض وجود مساءلة لمن يخطئ ضمن إطار القانون، وما دامت النقابة والوزارة لديهما العقوبات الرادعة، فإن السؤال المطروح: أين الخلل في عدم وجود قانون الى الآن لا يعد إضرارا بالسمعة الطبية والمجلس الطبي في المملكة، بل إنه على العكس سيقدم وجها حضاريا آخر يضاف الى إنجازات القطاع الطبي بكافة مكوناته؟.
والسؤال أيضا: لماذا يخشى الطبيب قانون المساءلة ويرى أن هذا الإجراء ضده بالكامل، حيث وصل الأمر الى حد أن يقول عدد من الاطباء «إذا أقر القانون سنهاجر».
القطاع الطبي الأردني حقق نجاحات كبيرة جدا، ومن المؤكد أن هذا النجاح جاء من خلال خبرات أطبائنا بكافة التخصصات، وإن حصل الخطأ فهو موجود في كل دول العالم، ويعتقد الكثيرون أن الموضوع أو القانون ومواده تحظى بدراسة مستفيضة ترتكز على النظريات العلمية وعلى مبدأ العدالة، فلم رفض؟.
القانون – وفق المؤيدين له – رصيد يضاف الى إنجازات القطاع الطبي، مشيرين الى ضرورة الحوار مع النقابة كونها لا ترفض القانون جملة وتفصيلا، بل تريد أن يكون القانون ضمن إطار النقابة وألا يكون قانونا مستقلا لوجود تشريعات ضابطة للعمل في النقابة من خلال آداب المهنة والدستور الطبي.
وأخيرا، يبدو جليا من التجارب السابقة خطأ الاعتقاد بأن قانونا للمساءلة سيخرج دون موافقة نقابة الاطباء، والواقع خير شاهد على ذلك.