مجلة مال واعمال

أزمة 2008 .. الاقتصاديون يتصدون للهجوم على تخصصهم

-

16

تصدى خبراء اقتصاديون بارزون بقوة لادعاء آندي هالدين، كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، بأن مهنتهم تعاني أزمة.

مارك هاريسون، الأستاذ في جامعة وورويك، قال أمس الأول إن هالدين يدين علم الاقتصاد بأكمله، مستندا إلى خطأ طفيف في التوقعات بشأن ما سيحدث بعد التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وتساءل: “هل علم الأوبئة في أزمة بسبب عدم تنبؤ مسؤولي الصحة العامة بأكبر وباء إيبولا في التاريخ؟”.

ورفض توني ييتس، الأستاذ في جامعة برمنجهام، أي فكرة تقول إن تخصص الاقتصاد تعرض لفقدان الثقة به. وقال: “إن التنبؤ بنتائج نظام معقد يضم أكثر من 60 مليون شخص أمر صعب حقا”. وأضاف: “من وقت إلى آخر ستكون هناك أخطاء كبيرة”.

تحدث هالدين عن إخفاق البنوك المركزية في التنبؤ بالأزمة المالية عام 2008/2009، واعترف بأن بنك إنجلترا بالغ في تقدير التأثير القصير المدى لـ “خروج بريطانيا” في الاقتصاد.

بالنسبة للنواب المحافظين الداعمين لـ “خروج بريطانيا”، تصريحات هالدين مساء الخميس كانت بمثابة البلسم. فقد قال الخبير الاقتصادي لبنك إنجلترا: “من العدل القول إن المهنة إلى حد ما في أزمة”، مشيرا إلى أن الفشل في توقع الأزمة المالية كان “لحظة مايكل فش (المتنبئ الجوي البريطاني)” – في إشارة إلى تنبؤ خاطئ للأرصاد الجوية قبل عاصفة كبيرة هبت عام 1987.

ستيف بيكر، أحد أبرز النواب المحافظين المناهضين للتكامل الأوروبي، برز للدفاع عن هالدين، قائلا: “رغبة آندي في مواجهة المشاكل الأساسية للاقتصاد (…) تعد مصدر إلهام”. وتابع: “كثيرا ما أختلف معه، لكنه على حق تماما في أن علم الاقتصاد يحتاج إلى إعادة نظر بعد كثير من حالات الفشل بعيدة الأثر”.

وتتجاهل الانتقادات حقيقة أنه قبل الاستفتاء كانت التوقعات الاقتصادية موحدة حول النتائج الفورية. إذ توقعت وزارة المالية حالة جمود اقتصادي: الشركات ستكون عازفة عن المخاطر، في حين أن الأسر ستشد الحزام. وكان هذا إلى حد كبير هو موقف البنك المركزي، الذي تكهن محافظه، مارك كارني، بحدوث “ركود من الناحية الفنية”.

هذا أغضب معسكر داعمي “خروج بريطانيا” – لكن الاقتصاديين الداعمين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كانوا واثقين بالقدر نفسه من أن التصويت لخروج بريطانيا ستكون له عواقب سلبية على المدى القصير. وقال جيرارد ليونز، المستشار الاقتصادي السابق لبوريس جونسون، إن التصويت لخروج بريطانيا سيؤدي إلى حالة “نايكي سووش”: صدمة حادة على المدى القصير، لكن المزيد من الازدهار على المدى الطويل.

فلماذا يمر الاقتصاديون بلحظة مايكل فيش ـ ومع ستة أشهر من الأداء الاقتصادي اللائق منذ حزيران (يونيو) يفهمون الأمر بشكل خاطئ بخصوص الآثار المترتبة على التصويت لخروج بريطانيا؟

وتواجه عملية التوقعات الاقتصادية صعوبة هائلة عند تأرجح المزاج العام. جون ماينارد كينز لاحظ منذ فترة طويلة، تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، أهمية “الغرائز النشطة” لدى كل من الأفراد والشركات، بدلا من البيانات الأساسية القابلة للقياس، مثل الدخل، أو الأجور، أو الأسعار، أو الإنفاق.

وبشكل عام يكمن فشل التنبؤ في افتراض أن المزاج العام لن يتغير، وبالتالي يفشل الاقتصاديون في وضع أصبعهم على الفترة التي تبلغ فيها دورة الأعمال قممها وقيعانها.

لكن بعد 23 حزيران (يونيو)، حدث العكس: توقع خبراء الاقتصاد أن يصبح المزاج العام كئيبا على نحو يؤدي إلى انخفاض الإنفاق، لكن هذا لم يحدث. ورد كثير من الاقتصاديين بأن هذا ليس له تأثير يذكر في الآثار الطويلة الأجل لخروج بريطانيا، وأن الغطرسة على المدى القصير يمكن أن تحجب آفاقا أسوأ على المدى الطويل.

وبالنسبة لأزمة 2008/2009، يتفق خبراء الاقتصاد إلى حد كبير على أن نماذج الاقتصاد الكلي الكبيرة فشلت في أن تشمل القطاع المصرفي، أو إمكانية أن التمويل قد يفشل بشكل كارثي. وقالت ديان كويل، الأستاذة في جامعة مانشستر: “قبل الأزمة كانت نماذج [التنبؤ بالاقتصاد الكلي] ميؤوسا منها. فقد تجاهلت أهمية المؤسسات المالية وجميع الرفع المالي المتراكم في القطاع المالي”.

لكن هذا ليس كل القصة. اقتصاديون بارزون، مثل راجورام راجان ونورييل روبيني، كانوا يحذرون من المشاكل في القطاع المالي قبل حدوث الانهيار الاقتصادي. أكثر من ذلك، الفشل في رؤية المتاعب وهي في الطريق كان أكثر انتشارا من التوقعات الاقتصادية.

وأحد انتقادات هالدين لعلم الاقتصاد، الذي تكرر يوم الخميس، هو أنه يميل إلى افتراض أن الناس يتصرفون دائما على أنهم أفراد عقلانيون من ذوي المصلحة الذاتية، وأن الاقتصاديين لا يضعون الجوانب المعروفة من عدم العقلانية في النماذج. وكثير من الاقتصاديين سيختلفون مع ذلك ويقولون إن الكثير من اتجاهات الاقتصاد وأكثرها شيوعا على مدى العقدين الماضيين كانت تدرك مسألة العقلانية وغير العقلانية.

ويعد النمو في الإنتاجية أمرا أساسيا للرفاهية الاقتصادية، لكن خبراء التنبؤات وجدوا صعوبة في التنبؤ بمتى يتم التوصل إلى التقدم التكنولوجي، ومدى السرعة التي يتم بها اعتماد ذلك التقدم، وبالتالي تعزيز الازدهار.

في حين لم تكن تلك مشكلة كبيرة بالنسبة لكثير من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، على اعتبار أن نمو الإنتاجية كان ثابتا تقريبا، إلا أن المحاولات لتوقع مسار التكنولوجيا تسببت في أخطاء كثيرة في الآونة الأخيرة. وبحسب البروفيسور كويل، ليس من المعقول أن نتوقع من الاقتصاديين التنبؤ بنتائج “عمليات غير مؤكدة على المدى الطويل” متضمَّنة في تطوير التكنولوجيات.

إحدى حالات التوبيخ الشهيرة لخبراء الاقتصاد جاءت أواخر عام 2008، عندما زارت الملكة إليزابيث كلية لندن للاقتصاد، وسألت لماذا لم يكن أحد قد شاهد الأزمة المقبلة وهي في الطريق. ويرى الاقتصاديون هذا الأمر على أنه قضية لا تتعلق بالتنبؤ بقدر ما تتعلق بالتفكير الهائل بالتمني والغطرسة في كامل حوكمة النظام المالي.

ومنذ عام 2010، كان خطأ التنبؤ الكبير في المملكة المتحدة والعالم هو الإفراط في التفاؤل بشأن نمو الإنتاجية. نتيجة لذلك، حتى مع انخفاض معدلات البطالة إلى مستويات ما قبل الأزمة، كانت كمية الأموال الموجودة أقل مما كان متوقعا. كان الخطأ هو أن نفترض أن متوسط المعدلات الماضية من نمو الإنتاجية من شأنه أن يستمر مثلما كان الحال على مدى عقود.

وكان هنالك شجار هائل داخل علم الاقتصاد حول وضع مقدار كمي للأثر الذي يفرضه التقشف منذ الأزمة المالية. ويوافق معظم الاقتصاديين على أن تخفيض الإنفاق وزيادة الضرائب يعملان على إضعاف النمو، لكن مدى هذا الأثر محل اختلاف. كذلك يختلف خبراء الاقتصاد حول ما إذا كان التقشف، أو ضعف الأوضاع المالية العامة بشكل غير قابل للاستدامة أسوأ بالنسبة للاقتصاد على المدى المتوسط.

قبل الاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي كان الرأي السائد بين خبراء الاقتصاد هو أن التصويت لمصلحة الخروج يهدد بخطر التعرض للركود، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى حدوث تباطؤ. حتى الآن، عملت الأسواق المالية على تقليص قيمة الأصول البريطانية، لكن الأسر تواصل الإنفاق كما لو لم يحدث أي شيء.

مثل معظم خبراء الاقتصاد، لا يزال هالدين يعتقد أن هذا في الغالب “أثر له علاقة بالتوقيت”، وسيشهد عام 2017 ضغطا على الأوضاع المالية للأسر.