مجلة مال واعمال

أزمة العراق والاقتصاد الأردني

-

يؤثر تفجر الأحداث في العراق، خلال الأسبوعين الماضيين، بشكل كبير على الوضع الاقتصادي في المملكة، خاصة وأن الحدود الأردنية مع سورية شبه متوقفة منذ ما يزيد على ثلاث سنوات. وها هو الوضع في العراق يلتحق بجواره السوري أيضاً، ويشير إلى وضع مشابه.
الآن، أصبح تنفيذ الكثير من الاتفاقيات، وتصدير بضائع الأردنيين أو المستثمرين الآخرين إلى العراق، أموراً غير ممكنة، بسبب خطورة الأوضاع الناشئة في بلاد الرافدين. وفي حين نأمل أن تنتهي الأحداث الدامية الأخيرة سريعاً، فإن ذلك لن يكون بالأمر اليسير.
حرمت أوضاع العراق الأخيرة الاقتصاد الوطني من تصدير ما قيمته 33.6 مليون دينار، علماً أن مجموع الصادرات الوطنية إلى العراق بلغ العام الماضي 883 مليون دينار. وهذا هو الأثر المباشر الظاهر الذي يمكن تحديده بسرعة. إلا أن الخسائر قد تكون أكبر من هذا الرقم بكثير، خصوصاً فيما يتعلق بالنفط وتقلبات أسعاره في اتجاه صاعد، جراء الأوضاع الصعبة التي تشهدها المنطقة. وقد ارتفع سعر برميل “برنت” فعلاً ليصل 115 دولاراً خلال الأيام القليلة الماضية، مقارنة بالسعر الذي حددت الحكومة الأردنية سعر المحروقات بناء عليه خلال الشهر الحالي، وهو 109.6 دولار للبرميل. ويعني هذا أن تسعير الوقود سيرتفع خلال الشهر المقبل، حسب السعر العالمي الجديد.
صحيح أن الحكومة، في جانب المالية العامة، ستحقق إيرادات أعلى من الضرائب المفروضة على البنزين بصنفيه (أوكتان 90 و95) والسولار، لكن استمرار ارتفاع أسعار النفط عالمياً، والذي يعد من الأمور المتوقعة في حال حدوث مزيد من الاضطرابات في المنطقة، سينعكس قطعاً على النمو الاقتصادي الهش أصلاً، والذي ما يزال دون 3 %. وسيعني الفشل في تحقيق النمو المستهدف أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي ستقفز إلى مستويات غير متفق عليها ومخطط لها ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي المنسق مع صندوق النقد الدولي.
سوف يكون الأثر السلبي المترتب على ذلك هو اتساع العجز في الحساب الجاري الذي انخفض العام الماضي إلى ما دون 10 % من الناتج المحلي الإجمالي، وسوف تزداد الهوة بين قيمة الصادرات والواردات. بالإضافة إلى ذلك، يبدو احتمال تدفق لاجئين عراقيين إلى المملكة أمراً غير مستبعد. وفي حال حدث ذلك، فإن سيناريو لجوء العام 2014 سيكون مختلفاً تماماً عما حدث في العام 2003، حين قدم العديد من اللاجئين العراقيين وأقاموا في المملكة وكانوا يمتلكون أموالاً. فالوضع اليوم سيكون مختلفاً تماماً، وستكون نتيجته إحداث المزيد من الضغط على موارد المملكة المنهكة أصلاً بسبب اللجوء السوري. يضاف إلى ما سبق تعميق حالة عدم اليقين التي تسيطر على جمهور الراغبين في إقامة استثمارات، وتفضيلهم التريث، وبالتالي فقدان المملكة فرصاً استثمارية جديدة، مع ما يرافقها من إمكانية توليد وظائف جديدة.
الاقتصاد الوطني الأردني ليس اقتصاداً عملاقاً حتى يستطيع استيعاب كل هذه الصدمات الخارجية. وبالتالي، يجب أن تنظر الدول الشقيقة والصديقة إلى وضع المملكة وأهميتها لاستقرار المنطقة، عبر تمكين قدرتها على الصمود أمام الأمواج المتلاطمة من حولها. ومن ثم، ينبغي أن تعمد هذه الدول إلى تقديم الدعم المالي السخي على غرار ما فعلته دول الخليج مع الشقيقة مصر. بخلاف ذلك، ستستمر المديونية الأردنية المرتفعة أصلا في ارتفاع مطرد، خصوصا وأننا على أبواب طرح نحو مليار دولار من سندات “اليورو بوند” بالكفالة الأميركية هذا اليوم. فهل يشكل ذلك أقصى ما يمكن تقديمه للأردن حقاً؟