قبل عدة أيام عرضت إحدى القنوات الفضائية تقريرا لطفلة في السنة السادسة من عمرها سرق المرض فرحتها وكبل حصاره روح طفلة تحلم أن تبرأ من أوجاعها، وتعيش كأقرانها، قصة تستوقفنا نقف أمامها بصمت أمام مشاعر باردة لا تأبه بوجع الآخر تتوقف عنده لحظات وتتناساه لاحقا.
تبدو هذه الطفلة للوهلة الأولى يشع من عينيها نور غريب يجذب أنظار كل من ينظر إليها، لكنها في حقيقة الأمر عاجزة عن أن تبصر بسبب المرض الذي أطفأ عينيها الملونتين الواسعتين، لا حول لها ولا قوة أمام مرض اغتال طفولتها لكنه لم يتركها صريعة اليأس بل الأمل دوما حليفها.
كلمات كثيرة ومعبرة تحاول إيصالها هذه الطفلة القوية فهي رغم ما تعانيه من ألم إلا أنها تصر على أن تعيش حياتها بشكل طبيعي كأقرانها الأصحاء حيويتها المتقدة وإرادتها الحديدية، تزيدها حبا وأملا وتفاؤلا لتتمكن من المقاومة والاستمرار هناك داخل أعماقها المتوجعة ترسم عالما خاصا بها، عالما نقيا خاليا من الهموم والأحقاد تنسج تفاصيله ببراءتها وعفويتها أحلاما وأماني كثيرة لم تكتمل بعد، ترغب في تحقيقها بعيدا عن وحشية المرض الذي جعلها تذبل قبل الأوان لكن روحها الطفولية، تأبى أن تهرم أو تستسلم لذلك تصر على أن تنسى آلامها وتتجاهلها محاولة التأقلم مع وضعها الجديد.
مشيتها المتعثرة وابتسامتها الساحرة رغم إعيائها ترويان وبدقة معاناة حقيقية كتب سطورها القدر لتكون نموذجا حيا على الطفولة المنهكة التي تحاول أن تقتحم نافذة روحنا الموصدة لتخبرنا أنها تستطيع أن تحول ضعفها إلى قوة وعزيمة وإصرار وأن بإمكانها أن تنتقي من وجعها سعادة نفتقدها نحن الأصحاء. صحيح أن التقرير لم يتجاوز بضع دقائق لكنه نجح فعلا في تقديم صورة واقعية عن تلك الحياة التي تعيشها هذه الطفلة المحاصرة.
الأمر المدهش في هذه القصة المؤلمة هو إصرار الطفلة الغريب على التحديق في كل الأشياء رغم أنها تعي تماما أنها لن ترى شيئا أبدا ومع ذلك كانت تعاود التحديق مرارا وتكرارا علها تبصر ثانية، ربما الأمل وحده هو من كان يدفعها إلى فعل ذلك براءتها المأسورة تحاول جاهدة أن تنتشلها من أوجاعها فهي ما تزال قادرة على الفرح واللعب واللهو.
إحساسها بأنها طفلة طبيعية لا ينقصها شيء يجعلها تنحي مرضها جانبا وتتجاهل ظلام عينيها وحتى تتمكن من استكشاف كل ما يحيط بها كانت تستعين بيديها تمدهما في الفراغ الموحش لتتحسس الأشياء بأناملها الغضة الرقيقة. بهذه العفوية والبساطة استطاعت تلك الطفلة أن تحطم جميع الحواجز التي اختلقها المرض بينها وبين واقعها وكأنه يريد أن يهمس في أذنها ويقول لها إن الحلم لم يعد من حقها لكن رغم ذلك يبقى هناك شعاع أمل يطل من عينيها المنطفئتين يشدها إلى الحياة ينسيها حجم الألم الملقى على كاهلها يدفعها إلى استرجاع ذكرياتها القليلة المحفورة في زوايا بيتها المهدم والذي أصبح أنقاضا. صورة وحيدة تسيطر على مخيلتها تنتزع منها ألما آثر البقاء في حنايا روحها المتهالكة صورة تلامس بصدق حياة جميلة يملؤها الدفء كانت تعيشها قبل أن يباغتها المرض.
رغبات وأمنيات كثيرة تحاصر هذه الطفلة البريئة تحاول دفعها إلى الأمام متجاوزة بإيمانها العميق مرارة المرض وقسوته لتبدأ حياة جديدة خالية من المعاناة والألم كل ما تحتاجه هو اهتماما خاصا ودعما كبيرا ينقلها من القاع إلى القمة لتستطيع أن تبرأ من وجعها الذي لا يشفق على تلك الطفولة المحرومة من أسباب الراحة والرفاهية.