يقف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وقفة مستفيضة مع الخيول وعالم السباقات والفروسية، في كتابه «قصتي»؛ وهذا أمر متوقع من صاحب سيرة نشأ في بيئة تعلي الخيل، وتقدرها، وتكرمها. كما أن ذلك أمر يمتلك سياقاته الواقعية في سيرة صاحب السيرة نفسه.
وفي وقفته الطويلة مع الخيول وعالم السباقات والفروسية، يرصد القارئ عدة لحظات دالة، تكشف عن علاقة خاصة مع هذا العالم الفريد، ولعل من أبرز هذه اللحظات:
أولاً، الارتباط الناشئ منذ مرحلة الطفولة المبكرة، الذي يشير إلى عمق العلاقة، وصدقها، وعفويتها، فهي ليست شيئاً اكتسب بقرار، ولكنها أمر نما مع شخصية صاحب السيرة.
ثانياً، ارتباط مراحل علاقة صاحب السيرة بالخيول وعالم السباقات والفروسية، بمحطات من علاقته بأفراد عائلته الخاصين، فمن الوالد، إلى الأم، إلى الأشقاء.. إلى دبي نفسها.
ثالثاً، الحضور الكثيف للخيول في البيئة التي نشأ فيها صاحب السيرة. وما لهذا الحضور من تأثير في تكوينه في سنوات طفولته المبكرة، لا سيما أن عالماً كاملاً من الحكايات يحيط بهذا الحضور، وحيث «الجن أو الأرواح الشريرة لا تتجرأ على دخول خيمة توجد فيها خيلٌ عربية أصيلة».
وفي الفصول التي يتناول فيها سموه علاقته بفرسه الأولى «سودا أم حلج»، وتلك التي يروي فيها ملحمة الجواد المظفر، الأسطورة «دبي ميلينيوم»، نلاحظ بوضوح أن علاقة سموه بخيوله، ليست علاقة مالك بخيله، ولكنها علاقة كاملة، طابعها إنساني تام، يؤنسن الطرف الآخر والعلاقة به.
وهنا، يبدو الجواد «دبي ميلينيوم» صديقاً بالمعني الحقيقي للصداقة، والتواصل بين الفارس والجواد كامل الأركان، وافي المعاني، ويدل على ذلك، التفاعل الكامل المتسق بين الطرفين، في إرسال واستقبال متوافق.
إن وقفة سموه المستفيضة في «قصتي»، لا ترشدنا فقط إلى موقع الخيول وعالم السباقات والفروسية منه، ومن شخصيته ونفسه. بل، وتذكرنا كذلك بموقعها وأهميتها في ثقافتنا ونمط حياتنا الواقعي. وكذلك حال علاقة سموه بالجواد المظفر «دبي ميلينيوم»، التي تستعيد جزءاً أصيلاً من ثقافتنا، وعلى وجه التحديد، تلك العلاقة مع الجياد والخيل الـ «معقود في نواصيها الخير».
وفي الخلاصة، التي نستوعبها من هذه الوقفة المستفيضة، أن العلاقة مع الخيول وعالم السباقات والفروسية، ليست مجرد رياضة، كما أنها ليست مجرد نشاط مهني حياتي، بل هي جزء رئيس من هويتنا الثقافية والإنسانية.
الذكريات الأولى
1 ــ يرد ذكر الخيل مع الذكريات الأولى
التي يحتفظ بها سموه لوالده المغفور له
الشيخ راشد بن سعيد،
فكيف يصف ذلك فارس العرب ؟
راشد بن سعيد، معلّمي الأول. كان فارع الطول؛ ترتسم التجاعيد على ملامحه لكثرة التبسُّم، أما الخطوط المحيطة بعينيه فأضفت هيبة وجدِّيةً على وجهه. كان صوته هادئاً ودافعاً وقريباً من النفس. وعلى الرغم من ذلك، كان الصمتُ يخيّمُ على الجميع عندما يبدأ الكلام. من اللحظات الأولى التي لا أنساها معه عندما كان يردفني معه على خيله. كنتُ في الثالثة من عمري تقريباً، يردفني معه على خيله في جولاته الصباحية.
أبي والخيل ودبي، هي ذكرياتي الأولى عن طفولتي؛ أبي والخيل ودبي، هي ذاكرتي التي ستبقى معي حتى النهاية.
الخيل تجمع العزَّة والأنفة والرقة والقوة في نفس الوقت؛ وكذلك أبي، وكذلك دبي.
مع الأم
2 ــ ذكريات أخرى تجمع سموه مع الراحلة
والدته ويرد فيها ذكر الخيل وشؤونها
وما يعبر عن عمق العلاقة بالخيول؛
فكيف يصف ذلك؟
ما زلت أذكرها وهي تبحثُ عني ليلاً إذا تأخرت، لتجدني أغطُّ في نومي عند خيلي في الاسطبل. ما زلت أذكر علاجها واهتمامها بأول فرس لي، «أم حلج». ما زلت أذكر هوايتنا التي كنا نشترك فيها معاً، ونتحدّث فيها بالساعات؛ العلاج بالأعشاب. ما زلت أذكرُ استيقاظي في الصباح الباكر قبل إخوتي، وقبل جميع من في المنزل، لأذهب وأجلس معها وهي تُعدُّ الفطور، وأحدثها وتحدثني. ما زلت أذكر دفاترَ صغيرة كانت تعطيها لي وأنا صغير، لأدون فيها الكثير عن الخيل والصحراء والحيوانات.
«الصقلاوي»
3 ــ جواد الوالد يحتل مساحة من الذكريات
العزيزة، ويبدو أنه لعب دوراً في بناء تلك
العلاقة مع الخيول، فكيف يتذكر
سموه «الصقلاوي»؟
كان له حصان اسمه «الصقلاوي»، رباه صغيراً. وكان يرضعه من زجاجة الحليب بيده، وقد روَّضه ودرَّبه بنفسه. كبر الحصان، وأحبَّ الشيخ راشد، وأحبَّه الشيخ راشد. كان يمتطي حصانه «الصقلاوي» في المساء، ويقوم بجولته على المشاريع. كان الحصان يجول بحرية في الاسطبل وحوله وصولاً إلى باب القصر. وعندما كان والدي يرفع يديه، كان «الصقلاوي» يرفع ساقه الأمامية وحافره في الهواء ليردّ التحية. كما علمه والدي أن ينحني على ركبة واحدة عندما يطلب منه ذلك. لم يقُدْه والدي بالزمام يوماً أبداً. كان يذهب إلى موقع المشروع ويترجل عنه بينما يكون الزمام مرخيّاً حول رقبته، وكان «الصقلاوي» يتبع والدي كخادم مطيع، ثم يقف خلفه عندما يتحدّث إلى المشرفين على المشروع، مظللاً رأسه عادة خلف جسدِ والدي. كنت أحبُّ هذا الحصان، ووجدته يتمتع بشخصية تشبه شخصيتي في جوانب كثيرة، فضلاً عن تمتّعه بحس الفكاهة.
الخيل الأولى
4 ــ محبة الخيل واكتشاف العلاقة معها موضوع لمحطات عديدة من فصول «قصتي»،
فكيف يتحدث فارس العرب
عن خيله الأولى؟
هل تعرف ما هو الفرق بين الحب الأول والخيل الأولى؟
لا يوجد فرق. الخيل الأولى والحبّ الأول وجهان لعملة واحدة بالنسبة لي.
أحبُّ الخيل منذ الصغر. تربيتُ في بيت كان والدي يجول بحصانه الصقلاوي في أرجاء دبي، ويقوده من غير زمام. تربيت في بيت كان أخي الأكبر مكتوم له حصان يستطيع أن يمتطيه بالركض خلفه؛ فإذا حاول غيره ركوبه انتفض وأسقطه أرضاً. لم يكن حصان مكتوم يرضى بغير مكتوم، رحمه الله.
كيف لا أحبُّ الخيل وأمي كانت تستطيع ركوبَ الخيل دون سرج؟ وما زلت وأنا صغير أذكر أخي حمدان الذي يمتلك حصاناً، يقال له من سرعته «الكروان».
نشأت في بيئة تحبُّ الخيل. نشأت في بيئة كانت تتناقل الكثير من المأثورات، يحكيها لنا الآباء ونحن صغار عند اجتماعنا بالليل حول النار في الليالي الباردة. جاء في إحداها بأن الله تعالى لما أراد أن يخلق الفرس قال لرياح الجنوب. إني خالقٌ منك خلقاً، أجعله عزاً لأوليائي، ومذلةً لأعدائي، وحميّاً لأهل طاعتي، فقالت: أفعل ما تشاء، فقبض من الريح قبضةً فخلق فرساً، فقال: سميتك فرساً، وجعلتك عربياً. الخير معقود بناصيتك.. والغني معك حيث كنت. وجعلتك تطير بلا جناحين..
نواصي الخير
5 ــ الخيل جزء من الموروث الثقافي، ولكنها في الحياة جزء من العلاقات الإنسانية واعتداد الإنسان بقيمه النبيلة، وصديق يؤنس إليه. فكيف يصف سموه ذلك؟
كانت النساء عندنا في البيوت يتناقلن بأن الجنّ أو الأرواح الشريرة لا تتجرأ على دخول خيمة توجد فيها خيل عربية أصيلة.
هذه بيئتي التي نشأت فيها، فكيف لا أحبُّ الخيل!
حلف بها ربُّ العزّة في القرآن الكريم فقال: «والعاديات ضبحاً»، وقال عنها رسوله المعصوم: إن «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة»؛ ولا يكرمها إلا كريم.
كيف لا أحبها بعد كل هذا.
يقولون إنني اليوم من أكبر مُلاك الخيول في العالم. لكن لا يعرف الكثيرون أنه في طفولتي عندما كانت أمي تبحث عني ليلاً في فراشي ولا تجدني، تعرف أنني أكون نائماً عند فرسي في الاسطبل. أحبُّ فرسي وأحبُّ قربها، تفهمني وأفهمها، وإذا غبتُ سألت عني، وإذا كنتُ معها كلّمتني وكلّمتها.
علاقة قديمة
6 ــ علاقة سموه مع الخيول قديمة، ولكن لها نقطة بداية يذكرها فارس العرب ويرويها في كتابه. فما هي بداية هذه العلاقة وكيف يرد ذكرها؟
علاقتي مع الخيل بدأت في مساء أحد الأيام الجميلة. كنت عائداً مع أبي من الصحراء. توقفنا لصلاة المغرب. بعد الصلاة، قال لي أبي: أريد أن أنظِّم سباقاً للخيل في دبي. السباق سيكون مفتوحاً لجميع القبائل، وأريدك أن تشارك فيه. كنت في العاشرة من عمري تقريباً، ولكـــن الجملة التي قالها أبي جعلتني أشعر بأنني في العشرين أو الثلاثين. كلمات أبي بعثت فيّ طاقة كبيرة، وأشعرتني بمسؤولية عظيمة، لأن السباق سيكون بمثابة احتفالية كبرى سيشهدها الجميع، ويتنافس فيها الجمــيع. كان أبي يمتلك مجموعة من الخيول. قال لي: اختر إحداها وربِّها استعداداً للسباق.
بطبيعة الحال، كان دوري الثالث في اختيار الفرس، لأن ترتيبي الثالث بين إخوتي؛ يختار أخي مكتوم، ثم حمدان، ثم أنا الحصان الثالث. الأخ الأكبر يبقى احترامه مقدماً في جميع الأحوال. تربَّينا على ذلك منذ الصغر. وأنا شخصياً حتى اليوم، لا أقدِّر أي إنسان لا يحترم من هو أكبر منه في أسرته.
انتبهت إلى مهرةٍ جميلة عند أبي، ولكنها كانت مصابة، لم يجربها أحد كفرس سباق. راقبتها بعناية، فتيقّنتُ أنها تستطيع المشاركة في السباقات. كان اسمها «سودا أم حَلَج». بدأتُ على الفور الاستعدادات الأولى لتدريب «سودا أم حَلَج»؛ والبداية كانت بعلاجها.
«سودا أم حَلَج»
7 ــ «سودا أم حَلَج»، الخيل الأولى، لا تمحى من الذاكرة، فكيف يذكرها فارس العرب؟
تعلمت من هذه المرة الجميلة الكثير. تعلمت كيف تستطيع إقامة علاقة حقيقية مع هذا الحيوان الجميل، علاقة صداقة ووفاء. تعلّمتُ كيف يمكن التحدُّث مع الخيل والتفاهم معها أيضاً. تعلّمتُ أن الخير عندما تضعه في الخيل يثمر خيراً أكبر. علمتني خيلي الوفاء.
علمتني خـــيلي الأولى أن الإنــجاز لا يأتي على طبق من ذهب. ثلاثـــة أشهر قضيتها بشكل متواصل أعـــالج مهرتي، وأنظف إصابتها، وأغيّـــِر أربطتها، وأقوم بتمشيتها من ثلاث إلى أربع ساعات يومياً، وأتحدث معها، وأقضي معها أجمل الأوقات على الشاطئ. تعلمت من خيـــلي أنه عندما تحبُّ شيئاً واصل فيه حتى النهاية. عندما تريد إنجازاً أعطِه كلَّــك، لا تُعطِه بعضك، إلا إذا كنتَ تريدُ نصفَ إنجاز، أو نصف انتصار!
السباق الأول
8 ــ يتحدث سموه عن مشاعره حول السباق الأول الذي خاضه، مستذكراً تفاصيل التجربة الأولى بكثير من الاهتمام، الذي لم يخبُ رغم مرور السنين. فكيف يصف سموه ذلك؟
كما الخـــيل الأولى، يكون السباق الأول؛ مناسبة يستحـــيل أن أنسـاها ما حييت، ولحظات إثارة وترقُّب ما زلتُ أشعر بها كلما تذكرتُها. إنها اللحظات الأولى دائماً؛ تبقى معنا، لا تذهب، الخيل الأولى، السباق الأول، الحب الأول. هي لحظات تبقى محفورةً للأبد.
حثَثْتُ «أم حَلَج» لتعطيني كل ما لديها من قوة، ولم تبخل عليّ بذلك أبداً، فعوّضَتْ مسافة القفزتين التي تقدّم بها سلومة عليّ وهي تعدو بتخبُّط في الرمال العميقة، وشعرتُ بأن قلبي قفز خارج جسدي عندما وجدتني أحاذيه كتفاً بكتف، لكن «العُودة» سبقَتنا بخطوة واحدة خلال تمايل رؤوس الأحصنة. وتبعني الشيخ حمدان في المركز الثالث.
يا له من فوز لاسطبلات والدي! لقد سيطرنا على جدول النتائج. شعرت بإحساس ملوكي حين جاء شقيقاي الكبيران لتهنئتي، ودار أصدقاء والدي حول «أم حَلَج» وأثنوا عليها وأنا أمشي إلى جوارها، فحرصتُ على تهنئتها بدوري حتى شعرتُ بالخدر يصيب يدي. وابتسم والدي وهو يخاطبني: أحسنت يا محمد، أحسنت. فتمنّيت أن تدوم هذه اللحظة إلى الأبد!
جدارة وفخر
9 ــ الإنجاز المتقدم في أول سباق يلفت أشقاء سموه الأكبر إلى براعته في اختيار الخيل والإعداد والاستعداد. فكيف يصف فارس العرب لحظته مع أشقائه بعد ذلك الإنجاز؟
جلستُ أنا والشيخ مكتوم والشيخ حمدان حول النار، وكان رفقةَ كل منهما عدد من الرجال مع خيولهم. وكان من المتفق عليه أن «أم حَلَج» أثبتت جدارتها حتى اللحظة الأخيرة. وتحدث الرجال عن الموقف الذي حدث قبل الوصول إلى راية النهاية، وقالوا إنني لو لم أعْلَق في الرمال العميقة لكنت تخطيّتُ «العُودة». وكانوا محقين في ذلك، ولم يلُمْني أحد، وكان الجميع فخورين بما أنجزتُه في سباقي الأول. قد أكون شعرت ببعض الضيق لافتقاري للمعرفة الكافية، إلّا أن هذا لم يُقلّل من شعوري بالزهو عندما قرر الشيخ حمدان إضافة فرسي إلى مجموعته. مَن كان يتخيّل أن الشقيق الأكبر الذي أوقّره سيُبدي رغبته في اقتناء فرسٍ أعددتُها بنفسي؟
العلاقة التي تربطـــك مع خيلك قد تـــكون قوية وعظــيمة، ولكن علاقة الأخوة أقوى وأعظم. أعطيتُ فرسي سعيداً لأخي الشيخ حمدان الذي طلبها ليضمَّها إلى مجموعته. وأعطاني هو الحرية الكاملــــة لأخــتار أي فرس من اسطبله.
منزلة ومقدار
10 ــ في وصف الخيل وعلاقة العرب بها يفرد سموه مقتطفات كاملة، تختزل هذه العلاقة وتوصفها. فماذا يقول فارس العرب في هذا المضمار؟
الخيل عند العربي لها علاقة بالشرف والمنزلة ورفعة القدر. وعلاقة العرب بالخيل قديمة يصل عـــمرها إلى أكثر من تسعة آلاف عام، حين تم استئناس أول خيل في تاريخ البشرية في شبه الجزيرة العربية. اكتشف العرب أنها خير صديق للفارس فسموها فرساً. رأوا فيها ذكاءً ووفاءً وصبراً، فاقتربوا منها واقتربت منـــهم، وأخذت اسمها منهم «الحصان العربي»، الذي يُعرف بولائه وسرعته وذكائه. والعربي يعامل حصانه مثل عياله، ويتفقّده ليل نهار، ويتحدث إليه، ويسمع منه، فيبادله الحصان مشاعرَ الوفاء والحـــماية والرعاية وعدم التخلي عنه وقت الحرب.
في تاريخنا العربي القديم اندلعت حرب استمرت أربعين عاماً بسبب خيل؛ «حرب داحـــس والغبراء» بين قبيـــلتي بنــي عبس وذبـــيان، بسبب اللجوء للغش في سبـــــاق الخيل. لستُ أفاخر بتلك الحرب أبداً، فدم البشر أغلى وأشرف، ولكن للـــدلالة على مكانة الخيل في نفس العربي.
«دبي ميلينيوم»
11 ــ «دبي ميلينيوم» محطة بارزة في سيرة فارس العرب، لها بعدها الشخصي الخاص، لذا فإن سموه يفرد مساحة وافية للحديث عن هذا الجواد المظفر، فماذا يقول؟
كان عندي حصان أحببته (…). كان أعظم حصان امتلكته في حياتي. كان اسمه صغيراً «يزار»، وجرت العادة أن نعطي المهر اسماً وهو صغير حتى نرى قدراته، ثم نغير الاسم بعد أن يثبت جدارته.
لكن منذ أن وقـــعت عــيني عــليه مـــهراً صغيراً، عرفت أن فيه حصاناً عظيماً.
كنتُ أزوره في اسطبلاتي في منطقة القوز بدبي، وأجلس هناك وأنظر إلى هذا المخلوق بإعجاب. كان يضع رأسه تحت ذراعي ويخرج لسانه لأسحبه، ولأعطيه بعضاً من الجزر الذي أخبئه معي دائماً، وكان يستمتع كثيراً إذا مسحت على رقبته.
كنت أجلس بالقرب منه، يحدّقُ كلٌ منا في وجه الآخر. كنتُ أجلس على صندوق الأعلاف الذي كان ارتفاعه يصل إلى مستوى صدره. عندما كان يسير نحوي نكون بالارتفاع نفسه. كان يرفع قائمته الخلفية ويريحها ثم يريح رأسه أمامي، وكأنه عصفور يسترخي ويرتاح بوجودك، إنها أقصى درجات الثقة عند الحيوان.
يا لها من متعة تلك التي كنتُ أشعر بها عندما يشاركني حصان عظيم وعملاق لحظات كهذه وبهذا الشكل.
كنتُ أكتفي بالجلوس هناك، والنظر إليه بإعجاب وحب لساعات.
نعم، هو الحصان الأعظم الذي امتلكته:
«دبي ملينيوم»..
التفوق الأقصى
12 ــ يصف سموه «دبي ميلينيوم» بإسهاب،
معتبراً أنه أعظم جواد امتلكه
على الإطلاق، فكيف يفسر فارس
العرب ذلك؟
كان «دبي ميلينيوم» حصاناً يحب الفوز، ولكن على طريقته. كان يسابق بالطريقة التي يراها هو مناسبة من دون الاستماع كثيراً لمن يمتطيه. كان مختلفاً، ينطلق منذ البداية بأقصى سرعة، ويستمر متفوقاً حتى النهاية. لم يكن يحبُّ الفوز بفارق بسيط أبداً، كان يحبُّ التباهي. كان يكسر عزيمة منافسيه بقوة منذ البداية، بل كان يلغي وجودهم ويحطّ من قيمتهم بشدّة لدرجة تقعدهم عن الجري كالسابق مرة أخرى. لم يكن ينافس بطريقة الندّ للندّ، إنما كان يعشق الانفراد دائماً، كان يطلب من الأحصنة الأخرى اللحاق به، وكان ذلك يحطِّم قلوبها!
لكن الحصان العظيم لا تليق به إلا سباقات عظيمة. وبعد جولاته وصولاته على المضامير في أوروبا وأمريكا، قرّرتُ أن أشركه في أعظم سباق عالمي؛ «كأس دبي العالمي للخيول لعام 2000» لأنه يستحق أن يكون بطلاً لكافة المضامير، مضامير العشب ومضامير الوحل؛ هو بطل استثنائي، ويستحقُّ أن يكون بطل العالم.
كأس دبي العالمي للخيول هو الحدث العالمي المرتقب دائماً، يرتقيه عشاق الخيل من كافة أنحاء العالم. وضعتُ رهاناتي كلها على «دبي ملينيوم»، وأشرفتُ بنفسي على نقله لدبي، وتابعتُ كافة الاستعدادات اللوجستية لأعظم حدث عالمي في سباق الخيل. وبدأ التوتر يزداد مع اقتراب الحدث، حتى جاءت الليلة التي تسبق اليوم الموعود.