في زمن تتسارع فيه وتيرة الحداثة، وتكاد فيه الذاكرة البصرية تفقد ملامحها الأصلية، تقف غادة الزعبي كرمز للمرأة العربية الأصيلة التي آثرت أن تمزج بين الوفاء للماضي والإبداع في الحاضر. أخذت على عاتقها أن تحفظ تراث أمهاتها وجداتها، لا كمجرد مقتنيات، بل كروح وهوية تتنفس من جديد عبر تصاميم عصرية تحمل بصمتها الخاصة.
بكل حب ونشاط، مضت غادة في دربها، تؤمن بأن “التراث هوية وطن”، فكان مشروعها الفني انعكاسًا لهذه المقولة، تجسيدًا صادقًا لفلسفة تحترم الماضي وتلبسه حُلّة الحاضر دون أن تفقده أصالته.
من الحطة إلى المدرقة، رحلة فنية بامتياز
لم يكن عمل غادة الزعبي تقليدًا لما مضى، بل إعادة إحياء ذكية ومبدعة. فقد أعادت تصميم الحطة النسائية – ذلك الوشاح التراثي الذي لطالما لفّ رؤوس الجدات – وجعلت منه تاجًا مرصعًا بتوشيحات ذهبية، يزين المرأة المعاصرة ويعبر عن فخرها بجذورها. فبوزنه الخفيف وسهولة ارتدائه، أصبح التصميم قطعةً تحمل رمزًا، لا مجرد زينة.
ثم جاءت المدرقة – الثوب الشعبي الغني بتفاصيله – فكان لها نصيب من لمسات غادة المتميزة، إذ أدخلت تطريزًا يدويًا غير مألوف بأسلوب فني مبتكر، فتحولت القطعة إلى لوحة فنية بخيوط الحرير، مزجت فيها بين أصالة الماضي وأناقة اليوم، مع استخدام أقمشة فاخرة تضفي بعدًا راقيًا ومعاصرًا على التراث.
نجاح فردي بإبداع فريد
ورغم أن هذه الإنجازات كانت فردية، ونتاجًا لخبرة غادة المتواضعة، إلا أن الأثر الذي تتركه اليوم في ساحة تصميم الأزياء التراثية لا يُستهان به. فقد صنعت قالبًا جديدًا وهوية خاصة بها، دون أن تخرج عن حدود الثوب التقليدي أو تنفصل عن جذوره الثقافية. كانت تصاميمها إعلان حب وانتماء، واستمرارية لذاكرة شعب، وروح أمة.
غادة الزعبي ليست مجرد مصممة، بل حارسة لذاكرة الوطن.
في أعمالها، تمتزج الخيوط بالحكايا، وتتمازج الألوان مع رمزية التاريخ، لتروي قصة كل امرأة عربية ترتدي ثوبًا صممته غادة. إنها ليست مجرد أزياء، بل موقف فني ووطني يحمل رسالة مفادها: أن الهوية لا تُنسى، بل تُعيد تشكيل نفسها بلغة الحاضر.