مجلة مال واعمال

المدينة المستدامة.. واجهة دبي البيئية

-

تمثل المدينة المستدامة في دبي، تجسيدًا واقعيًا لمفهوم الاستدامة، بأبعادها الثلاثة، الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، كما أنها تعد أول مشروع من نوعه قيد التشغيل في المنطقة، بمزايا وفرت للقاطنين فيه بيئة مثالية، إلى درجة دفعت البعض إلى إطلاق مسمى «المدينة الفاضلة» عليها، خاصة وأن كل مبادرة فيها تهدف في المقام الأول إلى «إسعاد» سكانها، ونشر السعادة في أرجائها.
وتعتمد المساكن كليًا على ما تنتجه من الطاقة النظيفة، عبر تركيب الألواح الشمسية على واجهات وأسطح الفلل والمباني لتوليد الطاقة، كما يتم اتباع نهج متكامل لمعالجة مياه الصرف الصحي والنفايات المنزلية واستخدام مواد التنظيف العضوية والمنتجات الخضراء، التي لا تلحق الأذى بالبيئة للاستفادة منها في ري المساحات الخضراء الشاسعة في المدينة، مع وجود استراتيجية متكاملة للزراعة العضوية يشارك بها الجميع، بينما يحيط بالمشروع حزام أخضر يبلغ عرضه 30 مترًا، مشكلا موئلاً بيئيًا مهمًا للطيور والزواحف، كما أنه يساعد في تقليل تلوث الهواء والضوضاء، ويوفر الظل على مضمار الدراجات ومضمار ركوب الخيل.
يوفر المجمع لساكنيه بيئة متكاملة، لينعموا فيها بالحياة الصحية النظيفة والمأكولات العضوية، والحياة التي تحفز على العمل والنشاط، في مجتمع تكافلي للعيش والعمل والتعليم والترفيه المستدام، حيث يحقق السكان توفيرًا سنويًا إجماليًا في المصاريف، يتراوح بين 26 ألفا إلى 60 ألف درهم تقريبًا، كما يشاركون في برنامج الانتاج الزراعي، ويعيش في المدينة المستدامة الآن سكان ينتمون إلى 63 جنسية، وخلال العام الماضي 2017، انتقل السكان إلى 460 فيلا و89 شقة.

وقال فارس سعيد، الرئيس التنفيذي لشركة «دايموند ديفلوبرز» المسؤولة عن تطوير «المدينة المستدامة»، إن المدينة أصبحت وجهة تعليمية وسياحية لعشاق الاستدامة، حيث استقبلت 9 آلاف زائر خلال العام الماضي، بما في ذلك 195 وفدًا لجهات مرموقة، ما يعني النجاح الفعلي لفكرة المشروع، وإفساح المجال أمام استنساخ التجربة في دول أخرى على مستوى المنطقة.
تعاون استراتيجي

وأضاف: حرصًا منها على الشفافية المطلقة، كشفت المدينة المستدامة في الآونة الأخيرة عن حجم انبعاثات غازات الدفيئة، في إطار التعاون الاستراتيجي بين المدينة المستدامة مع جمعية الإمارات للحياة الفطرية، بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة، حيث أظهر التقرير أن إجمالي الانبعاثات في المدينة المستدامة للعام الماضي 2017 بلغ 8 آلاف و761 طنًا مكافئًا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، إذ تستحوذ الكهرباء على ما نسبته 50٪، والنفايات 38٪، والمياه بنسبة 11٪، ويغطي حجم الغازات الدفيئة للانبعاثات الصادرة من المرحلة التشغيلية الأولى بالكامل، كذلك الانبعاثات المتعلقة بإنتاج الكهرباء والوقود من المرحلة الثانية، التي لا تزال تحت الإنشاء في المدينة المستدامة.
وقال إن نتائج حجم الانبعاثات أن كثافة الغازات الدفيئة للفلل في المدينة المستدامة، تبين أنها تقل بنسبة 50٪ تقريبًا عن الفلل التقليدية في الإمارات، ونجحت المدينة المستدامة في تحقيق تأثير أقل نسبيًا بفضل التصميم الفعال، والاستفادة من الطاقة الشمسية على السطح، واستخدام العربات الكهربائية التي تعمل بالطاقة الشمسية، وتحويل النفايات العضوية إلى سماد عضوي، وغيرها من المبادرات منخفضة الكربون، حيث يقل نصيب الفرد من استهلاك الكهرباء والمياه بنسبة 30-42% من متوسط دبي على التوالي.

حياة إيجابية

وأكد أن القائمين على المدينة المستدامة يضعون في الحسبان البرنامج الوطني للسعادة والإيجابية في دولة الإمارات، ويقومون بتطبيق مجموعة من السياسات والخدمات، التي تعزز أنماط الحياة الإيجابية في المدينة، حيث كانت هذه الجهود محط تقدير وعرفان جهات محلية وخارجية، فحصدت المدينة المزيد من الجوائز المحلية والعالمية، وقد فازت مؤخرًا بجائزة «أسعد مجمع سكني» في الحفل الختامي لجوائز العقارات الخليجية في الدورة الافتتاحية 2017 وفي دورتها الثانية 2018، إذ إن الحصول على هذه الجوائز تعني نجاح التوجه العام للمشروع، كما يقدم وصفة مثالية مع مزيج من الحلول الناجعة التي يمكن الاستفادة منها في ضمان السعادة لسكان المدن حول العالم.

مبادرات بيئية

وأشار إلى كثرة المبادرات البيئية التي تطلقها المدينة المستدامة لخدمة المجتمع، والتي كان آخرها التوصل إلى علاقة شراكة مع إحدى أكبر شركات توريد وإنتاج معدات تربية النحل في منطقة الخليج.
وأوضح أن المشروع الجديد يتماشى مع مساعي حكومة دولة الإمارات لتجاوز أفضل الممارسات الدولية، حيث اتفقت المدينة مع هذه الشركة لدعم مبادرة جديدة بعنوان «خليتي»، الموجهة إلى السكان المحليين والشركات والمكاتب الحكومية.
وتابع: بفضل هذه العلاقة، سيحظى سكان المدينة المستدامة بفرصة فريدة للتسجيل في برنامج «خليتي»، والتمتع بالمنتجات العضوية، مثل العسل وغذاء الملكات والبروبوليس عن طريق شراء خلايا خاصة بهم، كما ستتاح الفرصة للمقيمين المسجلين الذين يشترون خلايا خاصة بهم، زيارتها في رحلات منظمة بواقع 3 مرات في السنة، وسيكونون قادرين على مراقبتها على مدار الساعة باستخدام أجهزة تتبع خاصة.

أرقام وإحصاءات

ولفت سعيد إلى أن المدينة المستدامة تتفاعل مع محيطها، في إطار مساعيها الرامية للترويج للاستدامة من خلال العديد من المنصات والمعارض التي تتخذ منها أدوات مثالية لتسليط الضوء على مختلف منجزاتها.
وذكر أنه خلال مشاركتها في معرض مدن المستقبل 2018 في دبي، كشفت المدينة عن بعض أحدث النتائج التي تم التوصل إليها من رصد أداء المدينة على مدى الإثني عشر شهرًا الماضية، وذلك وفقًا للبيانات المقدمة من معهد «سي نيكسوس»، والتي تبين أن المدينة المستدامة تواصل تحقيق نتائج ملموسة قابلة للقياس عبر ركائز الاستدامة الثلاثة، وهي البيئية والاقتصادية والاجتماعية.
وقال إنه خلال الأشهر الإثني عشر الماضية، تمكنت المدينة المستدامة من تجنب 6 آلاف و554 طناً من الانبعاثات الكربونية، بفضل اتباعها مختلف التدابير المستدامة التي تمارس داخل المدينة، وهو ما يعادل الانبعاثات الصادرة عن 670 سيارة دفع رباعي لمدة عام واحد، وهذا الإنجاز يساهم في تحقيق أهداف اتفاقية باريس حول التغير المناخي.
وأوضح أن الأرقام والإحصاءات، تظهر أن الاستهلاك السنوي للمياه في المدينة وصل إلى 178 لترًا للشخص الواحد في اليوم، أي أقل بنسبة 40٪ من متوسط استهلاك المياه للمقيمين في دبي، ويبلغ معدل إنتاج النفايات في المدينة 1.17 كجم فقط للشخص الواحد في اليوم، وهو أقل بنسبة 60٪ من متوسط إنتاج النفايات السكنية في دبي.
وتابع: تبلغ كثافة استخدام الطاقة في الفلل 97 كيلو واط ساعة فقط لكل متر مربع في السنة، ويقل هذا المعدل بنسبة 40٪ مقارنة بمعايير ولوائح المباني الخضراء في دبي، وقام ما نسبته 3٪ من الأسر في المدينة باقتناء سيارات كهربائية، بينما توجد 124 عربة كهربائية تعمل على الطاقة الشمسية في المدينة قطعت 216ألفاً و735 كيلومترًا في السنة الماضية.

ديزل بيولوجي

وقال إن المدينة المستدامة اعتمدت وقود الديزل الحيوي (B100) لاستخدامه في إنشاء 4 من المباني الجديدة، ومنها مدرسة «فيرغرين إنترناشيونال» وفندق «إنديغو»، ويتم تصنيع بديل الوقود المتجدد من زيت الطهي المستعمل الذي تنتجه المطاعم في المدينة المستدامة، ما يساعدها على تقليل انبعاثاتها الكربونية، بما يصل إلى 150 طناً من ثاني أكسيد الكربون سنوياً خلال فترة تشييد هذه المباني.
ويتم تصنيع الديزل الحيوي في المدينة المستدامة، عن طريق إعادة تدوير زيت الطهي المستعمل، باستخدام مصفاة بيولوجية للوقود المحايد في مجمع دبي للاستثمار، وبالمقارنة مع وقودي البنزين والديزل التقليديين، يسهم الديزل البيولوجي في خفض الانبعاثات الضارة، مثل أول أكسيد الكربون بنسبة 50٪، والغازات الهيدروكربونية متعددة الأقطاب بنسبة 90٪، وأكاسيد النيتروجين بنسبة 95٪، والجسيمات الضارة بنسبة 99٪.

التنقل المستدام

وأكد سعيد أنه في إطار دعمها للتنقل المستدام، توصلت المدينة المستدامة إلى مذكرة تفاهم مع هيئة الطرق والمواصلات بشأن تشغيل المركبات ذاتية القيادة داخل مرافق المشروع، وتعكس هذه الخطوة دعم الرؤية الذكية لحكومة دبي، إضافة إلى مساعي قيادتها لتوظيف المركبات ذاتية القيادة، لإحداث نقلة نوعية في قطاع المواصلات داخل المدينة، ومواكبة أحدث تقنيات العصر، وتعزيز استراتيجية حكومة دبي الرامية إلى جعل 25% من النقل الجماعي تتم بمواصلات ذاتية القيادة بحلول عام 2030.
وقال إن السيارات التقليدية لا تتجاوز مدخل المدينة، لأنه يتم التحرك بين أرجائها بعربات الجولف.
وأضاف أن المدينة توفر محطات الشحن الكهربائية التيار الكهربائي لمالكي العربات الكهربائية مجانا، وقريبًا سوف تطلق المدينة المستدامة برنامج مشاركة العربات الكهربائية لتشجيع سكانها على استخدام التنقل الكهربائي بالطاقة الشمسية وترك استخدام سياراتهم العائلية الثانية.

المرحلة الثانية

وقال، إنه جاري العمل في المرحلة الثانية من المشروع، لتصبح أكبر مدينة مستدامة في العالم على مساحة 5 ملايين قدم مربعة، بتكلفة إجمالية تتجاوز مليار درهم.

الزراعة الحضرية

تضم المزرعة الحضرية وسط المدينة المستدامة 11 قبة حيوية منظمة الحرارة، ويمكن للمقيمين بالمدينة زراعة الأعشاب والخضروات الخاصة بهم داخل هذه القبب الحيوية أو على طول نظام «الفلج»، وتحقق المدينة المستدامة اكتفاءها الذاتي من الأعشاب والخضروات الورقية، كما بدأت زراعة مجموعة أخرى مختارة من الخضروات بما فيها الكوسا والباذنجان والذرة الحلوة والطماطم، وتم زراعة النخيل على طول الطريق الدائري، وتنتج المزرعة المركزية 40-50 طناً من التمور سنويا، وعلاوة على ذلك، تقلل المزرعة الحضرية للمدينة والمناظر الطبيعية المنتجة من البصمة الكربونية للسكان عن طريق القضاء على احتياجات النقل والتخزين.

مرافق متكاملة

تقع المدينة المستدامة في مدينة دبي، وتحديدًا في منطقة «دبي لاند»، حيث تحتل مساحة تصل إلى 460 هكتارًا، وقبل انتقال السكان إليها، عمل القائمون عليها من خلال شركة «دايموند ديفلوبرز» على توفير مجموعة متكاملة من المرافق الاجتماعية والمزايا البيئية التي اكتملت بالفعل في العام 2016.
وتتعدد المرافق المكتملة في المرحلة الأولى، التي تشتمل بدورها على 500 فيلا ضمن 5 وحدات سكنية، ويوجد فيها مسجد وروضة أطفال، ومرفق متعدد الاستخدام تم تشييده على 15 ألف متر مربع، ويمكن لساكني المشروع ممارسة الزراعة في المزرعة التي خصصت داخل المشروع، فضلاً عن الكثير من المرافق العامة.