مجلة مال واعمال

التراجع عن التكامل العالمي

-

بقلم: محمد فهد الشوابكه

تواجه أوروبا اضطرابات في إمداداتها من الطاقة…
تعاني منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا من نقص الحبوب…
وعمليًا الجميع يكافحون من أجل الحصول على أشباه الموصلات…
و مع تزايد انتشار الاضطرابات في تدفقات المنتجات الحيوية أصبح أمام الاقتصادات والشركات خيارات مهمة يتعين عليها القيام بها اهمها التراجع عن التكامل العالمي أو إعادة هيكلته.
بالنسبة للكثيرين قد يكون إغراء التراجع قوياً.
ولكن فإن الانسحاب من سلاسل القيمة لن يكون بالسهولة التي قد يفترضها المرء، على مدى عقود سعى العالم إلى تحقيق تكامل اقتصادي سريع وشامل – و من خلال تمكين قدر أكبر من التخصص ووفورات الحجم عززت سلاسل القيمة العالمية الكفاءة وخفضت الأسعار وزادت نطاق وجودة السلع والخدمات المتاحة ودعم النمو الاقتصادي فزاد الدخل وفرص العمل وإن لم يكن للجميع مما ساعد على انتشال الكثرين من براثن الفقر.
ومع التكامل جاء الترابط، فلا لا توجد منطقة اليوم قريبة حتى من الاكتفاء الذاتي.
حيث تستورد كل منطقة من مناطق العالم الرئيسية أكثر من 25 في المائة من مورد واحد مهم على الأقل أو سلعة مصنّعة.
وفي كثير من الحالات تكون الأرقام أعلى من ذلك بكثير.
اذ تستورد أمريكا اللاتينية وأفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى أكثر من 50 بالمائة من الأجهزة الإلكترونية التي يحتاجونها و يستورد الاتحاد الأوروبي أكثر من 50 بالمائة من موارده من الطاقة، وتستورد منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكثر من 25 في المائة من مواردها من الطاقة، و حتى أمريكا الشمالية التي يوجد بها عدد أقل من مناطق التبعية الشديدة تعتمد على واردات الموارد والسلع المصنعة، وهذا بلا شك يولد مخاطر خاصة عندما يتعلق الأمر بالسلع التي يتركز إنتاجها بشكل كبير.
على سبيل المثال يتم استخراج معظم الليثيوم والجرافيت في العالم وكلاهما يستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية إلى حد كبير من ثلاثة بلدان أو أقل.
و يتركز الجرافيت الطبيعي بدرجة عالية ليس بسبب الاحتياطيات ولكن لأن أكثر من 80 في المائة يتم تكريره في الصين.
وبالمثل تستخرج جمهورية الكونغو الديمقراطية 69 في المائة من الكوبالت في العالم وتمثل إندونيسيا 32 في المائة من النيكل في العالم وتنتج شيلي 28 في المائة من النحاس في العالم.
من هنا فإن انقطاع الإمدادات من أي من هذه المصادر سيكون له عواقب بعيدة المدى.
والسؤال الذي يطرح نفسه يتعلق في ما إذا كانت البلدان والشركات يمكنها التخفيف من هذه المخاطر دون التخلي عن المزايا العديدة للتجارة العالمية.
من هنا قامت العديد من شركات الإلكترونيات الاستهلاكية بتوسيع بصمتها التصنيعية في الهند وفيتنام لتقليل الاعتماد على الصين والاستفادة من الأسواق الناشئة.
وبالمثل أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية والصين واليابان عن تدابير لزيادة الإنتاج المحلي من أشباه الموصلات، و على الرغم من أن أشباه الموصلات تمثل أقل من 10 في المائة من إجمالي التجارة فإن المنتجات التي تعتمد عليها بشكل مباشر أو غير مباشر تمثل ما يقدر بنحو 65 في المائة من جميع صادرات السلع، لكن التنويع قد يستغرق وقتًا وغالبًا ما يتطلب استثمارات كبيرة مقدمًا، وقد يمكّن الابتكار الجهات الفاعلة من تجاوز هذه العقبات.
و بالفعل تُبذل جهود لتطوير تقنيات أقل اعتمادًا على الجرافيت الطبيعي ويقوم مصنعو السيارات الكهربائية بتجربة الأساليب التي تستخدم كمية أقل من الكوبالت أو لا تستخدم على الإطلاق.
و يمكن للشركات العمل مع بعضها البعض ومع الحكومات من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص للاستفادة من قوتها الشرائية المجمعة وتعزيز إمداداتها من السلع الحيوية والمساعدة في بناء اقتصادات أكثر استدامة.
وتُظهر مثل هذه الاستراتيجيات أنه يمكننا التخفيف من المخاطر وبناء المرونة الاقتصادية دون التخلي عن الترابط الذي مكّن أكثر من مليار شخص من الهروب من الفقر في العقود الأخيرة.
و بدلاً من محاولة التراجع عن الاقتصاد العالمي يجب أن نعيد هيكلته من جديد.