مجلة مال واعمال

الاقتصاد ما بعد جائحة كورونا

-

بقلم:

المهندس أيمن المزاهرة
الشريك المؤسس و الرئيس التنفيذي لشركة STS


لا مجال للشك بأن الحياة ما بعد جائحة فيروس كورونا المستجد (COVID-9) لن تكون كسابق عهدها. وعليه، فإن الكثير من جوانب حياتنا سوف تتغير؛ بعضها بسبب الأوضاع التي تتطلب ذلك، وأخرى نتيجةً للدروس التي تعلمناها طوال هذه الاوقات الصعبة. لقد كشفت عمليات الإغلاق والحجر الصحي عن نقاط ضعف وقوة العالم الذي نعيش فيه. سأحاول في مقالتي هذه أن أركز على بعض الآثار المتوقعة لأزمة كورونا على عالم الأعمال، ولا سيما على الجانب التكنولوجي، والذي سينعكس في نهاية المطاف على قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الأردن.
لا مفر من أننا أصبحنا اليوم في مواجهة عام صعب وكثير التحديات، ذلك أن جميع المؤشرات والتقارير المالية العالمية تؤكد على أن العالم قد يواجه أسوأ حالة ركود عرفها التاريخ. وسيجبر تناقص ايرادات العديد من الشركات على تقليص حجمها، في حين لن تكون شركات أخرى قادرة على تحمّل هذه الضغوطات، وستكون مضطرة للإغلاق. وعلى الرغم من أن التكنولوجيا تعدّ عنصراً أساسياً في الحفاظ على عمل الشركات ، سيكون من المحتّم على العديد من الشركات اختيار تأجيل، أو إلغاء، المشاريع المجدولة غير الضرورية بهدف التوفير والبقاء.
لكن، ليست جميع الأخبار سيئة، فبمجرد أن يبدأ الاقتصاد بالتعافي من هذا الركود، سيكون مقدمو الخدمات التكنولوجية أكثر المستفيدين من ازمة الكورونا . فمن أهم نتائج هذه الأزمة أن التكنولوجيا أثبتت فعاليتها في تمكين الاقتصاد من الاستمرار في العمل، حتى لو كان ذلك بوتيرة ابطأ من العادة ، وبأن الحياة بدونها كانت لتتوقف بكل بساطة. فقد تمكنت العديد من الشركات من استئناف العمل عن بُعد، كما استمرت الأنظمة الحرجة والحساسة في القطاع المصرفي في تقديم خدماتها للعملاء بطريقة افتراضية ودون انقطاع أثناء الإغلاق؛ كخدمات تعاملات البطاقات الائتمانية، وتحويل الأموال، وإصدار خطابات الاعتماد والضمان المصرفي. ومن جانب آخر، مكّن التعلم عن بُعد طلبة المدارس والجامعات من استئناف تعليمهم ، كما عمل موظفو الشركات من منازلهم، والمفارقة أن الكثير منهم أشار إلى أنهم كانوا أكثر إنتاجية عند العمل من المنزل.
لذلك، فإنني أتوقع وبكل ثقة، أنه وبمجرد خروج العالم من الصدمة الاقتصادية التي شهدها، فإن مقدمي الخدمات التكنولوجية سيشهدون أكبر فرصة في تاريخهم، وسيشهدون أيضاً نمواً فلكياً في أعمالهم. لم تثبت أزمة فيروس كورونا المستجد أن التكنولوجيا يمكنها أن تقدم بديلاً عملياً قابلاً للتنفيذ للبيئة المحلية فحسب، بل أثبتت أيضاً أنها كانت فعالة من حيث الكلفة والأداء، إلى جانب دقتها، وربما كانت أيضاً الطريقة الأسهل لممارسة الأعمال التجارية. لقد وجد المواطنون الذين تعلموا استخدام التكنولوجيا أثناء فترات الإغلاق بأن التعامل عبر الإنترنت كان أكثر ملاءمة من التنقل بحثاً عن الخدمات. وهنا، فقد برزت ثقافة جديدة عبر الإنترنت، وأصبحت مرئية ومقبولة ومرغوبة.
ذلك التقبّل سيزداد حتماً بمرور الوقت، وسيضغط على الحكومات والأعمال التجارية لتتجه نحو تحويل خدماتها إلى رقمية وإتاحتها عن بُعد. ولهذا، سيصبح الاستثمار في الأدوات التكنولوجية أولوية قصوى. ومع تزايد هذا التحول، فإن أداء البنى التحتية لقطاع تكنولوجيا المعلومات سيكون معرضاً للضغوطات وتحمّل الأعباء التي ستستمر في التزايد. لذلك، سيكون تجديد وتحديث هذه البنية التحتية أمراً ضرورياً وحاجة ملحّة.
سيزداد الطلب على خوادم أسرع، ومساحات تخزين أكبر، وشبكات عالية السرعة، لتتمكن جميعاً من تحويل الوظائف من ملموسة إلى افتراضية أو رقمية؛ وسيوفر هذا لمقدمي الخدمات التكنولوجية الفرصة لتوسيع عملياتهم وتنميتها. ومع تدفق كميات هائلة من المعلومات، فإن المجالات التكنولوجية، مثل الحوسبة السحابية والبيانات الضخمة وعمليات تحليل البيانات ، والمنصات مفتوحة المصدر API’s والذكاء الاصطناعي، سوف تشهد مستويات غير مسبوقة من الطلب.
ومع وجود المزيد من التعاملات في الفضاء الرقمي ، سيزداد تبعاً لذلك عدد هجمات القراصنة والمتسللين المحترفين لاستغلال هذه الفرصة ، وبالتالي سنكون بأمسّ الحاجة لحلول أمنية تحمي البيانات الحساسة، والسرية والخصوصية. وسيكون لزاماً على البنوك والدوائر الحكومية والمؤسسات حماية بياناتها من خلال إعطاء قطاع التكنولوجيا حصّة أكبر من موازناتها السنوية، أكثر من أي وقت مضى. وأنا أعتقد جازماً بأن العقد القادم سيشهد أكبر صعود في هذا القرن للابتكارات التكنولوجية لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
أما بالنسبة لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الأردن، ، فيجب اتخاذ جميع التدابير اللازمة للحفاظ على وجوده وقوته، وحماية استثماراته البشرية والمالية، وخفض الكُلف غير الضرورية، والاستعداد لاستقبال المرحلة القادمة. وستكون السمة الرئيسية للمرحلة القادمة هي بناء المعرفة في حقل التكنولوجيات الجديدة، وتدريب واعتماد الموارد البشرية ، وتطوير الملكية الفكرية المحلية، والاستعداد لما أعتقد بأنه سيصبح العصر الذهبي للتكنولوجيا. ونحن في STS نخطط تماماً للقيام بذلك.