مجلة مال واعمال

الأزمة اليونانية تكشف ضعف هيكل الاقتصاد الأوروبي وهشاشة « اليورو»

-

مال و اعمال

فشلت المحاولة الأخيرة التي قام بها الرئيس اليوناني كارولوس بابولياس يوم الثلاثاء لتشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل جميع الأحزاب، ليضطر إلى الإعلان عن إجراء انتخابات برلمانية جديدة في يونيو حزيران المقبل ويزداد احتمال خروج البلد المثقل بالديون من منطقة اليورو في حين ما تزال الأحزاب اليسارية المعارضة لخطط التقشف الحالية تحظى بنسبة تأييد كبيرة في استطلاعات الرأي.

وانتقلت مشاعر القلق المتزايدة إزاء احتمال خروج اليونان من منطقة اليورو إلى المستثمرين يوم الثلاثاء, ما أدى إلى هبوط مؤشرات الأسهم الرئيسية في جميع الدول الأوروبية تقريبا إلى جانب انخفاض قيمة اليورو مقابل الدولار إلى أدنى مستوى له خلال أربعة أشهر تزامنا مع هروب رؤوس الأموال من أسواق عقود النفط الخام والذهب الآجلة.

وفي هذا السياق، أشار محللون اقتصاديون دوليون إلى أن خروج اليونان من منطقة اليورو من شأنه أن يترك أثرا سلبيا على المنطقة، ما يكشف عن ضعف في هيكل الاقتصاد الأوروبي وهشاشة وضع العملة الأوروبية الموحدة.

احتمال خروج اليونان من منطقة اليورو:

أصبح احتمال خروج اليونان من منطقة اليورو قضية مثيرة للجدل منذ اندلاع الأزمة في البلد المثقل بالديون في نهاية العام 2009. ويرى مراقبون اقتصاديون أنه إذا ما فازت الأحزاب اليسارية بالانتخابات البرلمانية الجديدة المقرر عقدها في منتصف يونيو المقبل, فقد تتخلى عن خطط التقشف بما يدفع الإتحاد الأوروبي إلى قطع مساعداته المالية عن اليونان، وبما يرجح بالأخير انفصال البلد عن منطقة اليورو.

وفي هذا الصدد، أشارت صحيفة ((غارديان)) البريطانية مؤخرا إلى أن أفق خروج اليونان من منطقة اليورو واضحة للغاية, متوقعة سلسلة من الأحداث التي قد تقع في الأشهر المقبلة وتدفع إلى انفصال اليونان عن منطقة اليورو. ومن بين هذه الأحداث المتوقعة فوز الأحزاب اليسارية المعارضة لخطط التقشف في الانتخابات الجديدة, ومن ثم عدم حصول الحكومة اليونانية على مساعدات مالية من كل من الإتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي, وتطبيق عملة محلية جديدة بدلا من اليورو, وتعرض النظام الاقتصادي والاجتماعي في اليونان لضربات نتيجة لإفلاس شركات صغيرة وانخفاض حجم الصادرات والركود الاقتصادي، وفقا للصحيفة.

ويرى كريستيان شولتز، الخبير الاقتصادي المخضرم بمجموعة ((برنبرغ)) المصرفية، أن المساعدات المالية التي قدمها صندوق الاستقرار المالي الأوروبي الأسبوع الماضي إلى اليونان، والتي تصل قيمتها إلى 4.2 مليار يورو، قد تكون الدفعة الأخيرة من المساعدات وربما تنفقها أثينا خلال سبعة أشهر.

التداعيات تطال منطقة اليورو:

يتفشى خوف من انتقال عدوى خروج اليونان من منطقة اليورو إلى دول أخرى, الأمر الذي يهز الثقة والاستقرار في هذه البلدان, وبالتالي يطرح احتمالا بوقوع ركود اقتصادي جديد في المنطقة.

وفضلا عن هذا, حذر ريتشارد وارد المسؤول البارز في مجموعة ((لويدز)) المصرفية بلندن، حذر من احتمال وقوع ركود اقتصادي عالمي أيضا بسبب تفكك منطقة اليورو.

وقال لوك كوين, محافظ البنك المركزي البلجيكي، إن «لكل عضو من أعضاء منطقة اليورو حق اختيار الانفصال عن المنطقة, ولذا يوجد احتمال بانفصال اليونان». وأضاف أن القطاع المصرفي اليوناني قد يواجه خطر الإفلاس بسبب عدم الحصول على مزيد من المساعدات المالية الدولية، وقد لا يساعده البنك المركزي الأوروبي مستقبلا.

كما وصفت صحيفة ((وول ستريت جورنال)) الأمريكية الانتخابات البرلمانية اليونانية بأنها «انتخابات كارثية», قائلة إن خروج اليونان من منطقة اليورو حل «سهل», لكنه «يعد فشلا لليونان على الجانب السياسي ومصدرا للإحباط بالنسبة للشعب اليوناني», وقد يؤدي إلى «انخفاض ائتماني حاد» في منطقة اليورو و»من ثم عدوى انتشار التداعيات إلى بلدان أخرى».ومن جانبه, توقع نورييل روبيني، رئيس مجلس إدارة مجموعة ((روبيني للاقتصاد العالمي)) وأحد أبرز خبراء الاقتصاد في العالم، توقع خروج اليونان من منطقة اليورو في عام 2013، وقال إنه «من المحتمل أن تتبعها دولتان أو ثلاث دول أيضا خلال السنوات التالية حتى تتفكك المنطقة نهائيا».

ضعف هيكل الاقتصاد الأوروبي :

كشفت أزمة الديون اليونانية عن ضعف كبير في الحوكمة الاقتصادية لدى أعضاء الإتحاد الأوروبي. ويرى جان-بيير أليغري، الخبير بالمركز الوطني للبحث العملي في فرنسا، أن «قصور الحوكمة الاقتصادية الأوروبية أو غيابها يرجعان إلى الثقة المفرطة في قدرة العملة الموحدة على مواجهة الصعوبات الاقتصادية إلى جانب الثقة في قدرة المستثمرين على تجنب الإفراط في تحمل الديون. لكن الأزمة اليونانية أثبتت أن هذه الأشكال من القدرة غير موجودة».

وتابع جان بيير أليغري قائلا «إن الإتحاد الأوروبي يقف حاليا عند مفترق طرق, حيث يتمتع بعملة موحدة لكنه يفتقر إلى الاندماج السياسي», مشيرا إلى أن الأزمة اليونانية توضح الحاجة الملحة إلى الاندماج بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، ليتم التوصل إلى آلية مراقبة أكثر إلزاما تلبي توقعات أطراف مختلفة.

وأعرب الخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد جوزيف ستيغليتز عن قلقه إزاء خطط التقشف التي تتخذها حاليا معظم الحكومات الأوروبية, ما قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي .

وأضاف الخبير الاقتصادي قائلا : «على الرغم من أن السياسيين الأوروبيين يدافعون عن وجود اليورو, إلا انهم لا يتخذون أية إجراءات حقيقية للحفاظ على وجود العملة الموحدة».

وأكد ستيغليتز أن منطقة اليورو بحاجة إلى بناء إدارة موحدة للميزانية المشتركة بحيث تكون قادرة على سد الفجوات بين القوى الاقتصادية المختلفة في المنطقة.