مجلة مال واعمال – خاص
في عالم يسعى جاهدًا لتطوير الطب وتوفير الرعاية الصحية المناسبة لكل فرد، تظل الأخطاء الطبية بمثابة جروح غائرة في قلب النظام الصحي. تتنوع هذه الأخطاء بين التشخيص الخاطئ، أو العلاج غير المناسب، أو الإهمال في الإجراءات الطبية، لكن تأثيراتها تتشابه في كونها تهدد حياة المرضى وتزعزع الثقة في المؤسسة الطبية بشكل عام. رغم التقدم الهائل في العلم الطبي، إلا أن الأخطاء الطبية لا تزال تسبِّب معاناة لا حصر لها للمصابين وأسرهم.
لكن الأخطاء الطبية ليست وحدها التي تلوِّث سمعة الرعاية الصحية، فهناك جانب آخر لا يقل خطورة يتمثل في “تجار الطب”. هؤلاء الذين حولوا الطب إلى مهنة لتحقيق الأرباح على حساب حياة البشر، مستغلين هشاشة أمل المرضى في الشفاء. في ظل حاجتهم الماسة لعلاج أو لمجرد التخفيف من آلامهم، يصبح المريض عرضة للاستغلال من قبل أولئك الذين يروجون لعلاجات غير علمية أو تجريبية لم تُثبت فعاليتها، ولا يبالون بما قد تسببه تلك العلاجات من أضرار جسيمة.
تجار الطب ليسوا مجرد أطباء أو أفراد غير مؤهلين، بل قد يكونون شبكة معقدة من مؤسسات وشركات، تسعى إلى تحقيق مكاسب ضخمة عبر استغلال اليأس. يُقدم لهم المريض ضميرًا غائبًا وأملًا زائفًا، حيث يستثمر هؤلاء في معاناة الآخرين، مستغلين ضعف النظام الرقابي أحيانًا، أو تراخي القوانين في بعض الأماكن.
لكن ما يجعل هذه الظواهر أكثر إيلامًا هو أن الثقة هي أساس العلاقة بين الطبيب والمريض. وعندما يتسرب الشك في نزاهة بعض الأطباء أو المرافق الصحية، يتعرض المجتمع كله لهزة عميقة لا تتوقف آثارها عند المريض وحده، بل تمتد لتشمل تدهور صحة النظام الطبي بشكل عام. فالأخطاء الطبية وتجارة الطب ليست مجرد قضايا فردية، بل هي أزمة مجتمعية تتطلب إصلاحات جذرية.
لتجاوز هذه الأزمة، يجب أن تُعاد الثقة في القطاع الطبي عبر رقابة صارمة، ومحاسبة كل من يتهاون في مهنته أو يستغلها لأغراض مالية. كما يجب أن تتوفر الشفافية الكاملة في تقديم العلاجات والنتائج الطبية، وضرورة أن يكون المريض في قلب كل قرار طبي، لا مجرد أداة لتحقيق الربح.
الأمر يتطلب من الجميع—من الأطباء إلى الحكومات والمؤسسات—أن يتحملوا مسؤولياتهم بجدية، وأن يعيدوا للطب دوره النبيل كوسيلة للشفاء وليس للربح على حساب أرواح البشر. فالطب كان ولا يزال أمانة، و”تجار الطب” ليسوا فقط اعتداء على المهنة، بل على الإنسانية نفسها.