مجلة مال واعمال

«أبل» و«كوالكوم» تدخلان في مواجهة واتهامات بالابتزاز والاحتكار

-

15

في جولة جديدة من الصراعات المعتادة التي لا تنقطع بين عمالقة تقنية المعلومات والاتصالات، فتحت شركتا «أبل» لتقنية المعلومات و«كوالكوم» لتصنيع الشرائح والمعالجات الإلكترونية المخصصة للأجهزة المحمولة، جبهة جديدة للخلاف المتفجر بينهما منذ فترة داخل الولايات المتحدة، بعد معركة سابقة جرت بينهما في كوريا الجنوبية، خرجت منها «كوالكوم» بغرامة وصفت بأنها الأثقل والأكبر على الإطلاق التي توجه إلى شركة عاملة على أراضي كوريا الجنوبية، إذ تتهم «أبل» «كوالكوم» بالابتزاز والاحتكار والمغالاة المستفزة في الأسعار، وتجاوز قوانين المنافسة العادلة غير التمييزية في تعاملاتها بالسوق.

جذور الخلافتعود جذور الخلاف بين الشركتين إلى عام 2007 عند إطلاق أول طراز من هاتف «آي فون»، إذ إن من المعروف أن شركة «كوالكوم» هي أبرع وأفضل شركة تقدم الشرائح الإلكترونية الدقيقة المستخدمة مع الأجهزة المحمولة عموماً، ولم تكن «أبل» استثناء من هذه القاعدة. فعند طرح الطراز الأول من هاتف «آي فون»، وقعت الشركتان اتفاقاً تقوم بموجبه «كوالكوم» بالترخيص لـ«أبل» باستخدام شرائحها الإلكترونية من معالجات ووحدات «مودم» في هواتف «آي فون».

وطبقاً للدعوى المقدمة من «أبل»، فإن «كوالكوم» لم تكن عادلة ونزيهة وشفافة بما يكفي في اتفاقاتها، إذ تبين لـ«أبل»، بحسب ما ورد في الدعوى، أن «كوالكوم» تجبرها على دفع رسوم مغالى فيها للغاية مقابل استخدامها لبراءات اختراعاتها، وأن الموقف أصبح أكثر سوءاً، بدءاً من عام 2011 حينما قدمت «أبل» طرازاً من هواتف «آي فون» يعمل مع شبكات الاتصالات المحمولة من نوعية «سي دي إم إيه» التي تسيطر عليها تقنيات «كوالكوم»، وتعد منافساً لشبكات «جي إس إم».

وذكرت «أبل» أن «كوالكوم» بدلاً من أن تمنحها الترخيص بالاستخدام مباشرة، فقد عقدت العديد من الاتفاقات السرية مع شركات مصنعة صغيرة، وفي ظل غياب القدرة على المساومة لدى هؤلاء المصنعين الصغار، استطاعت «كوالكوم» فرض رسوم باهظة، تتجاوز وتنتهك الالتزامات القانونية المعروفة باسم «التزامات فراند»، أو التزامات براءات الاختراع العادلة والمسؤولة وغير التمييزية مع المتعاملين، إذ تم تمرير هذه الأسعار الباهظة والـ«إتاوات» المصاحبة لها إلى «أبل» لكي تدفعها إلى هذه الشركات، التي تدفعها بدورها إلى «كوالكوم».

وكانت اتفاقات «أبل» في هذا الشأن مدتها خمس سنوات تنتهي في نهاية عام 2016، وقد حاولت «أبل» تجديد الاتفاق من خلال التفاوض المباشر مع «كوالكوم»، لكنها وجدت مقاومة من «كوالكوم» أجهضت المفاوضات.

الهجوم المزدوج

خططت «أبل» للرد على «كوالكوم» منذ زمن، وطبقت استراتيجية «الهجوم المزدوج» الذي يقوم على تهيئة المجال لجهات إنفاذ القانون لتوجه ضرباتها أولاً إلى «كوالكوم»، ثم تقوم هي بشن هجومها الخاص وسط بيئة مواتية تماماً، تضمن لها أكبر فرصة للفوز.

وتجلى ذلك بوضوح في الجولة الأولى من الصراع التي جرت داخل كوريا الجنوبية، إذ تعاونت «أبل» مع لجنة التجارة الفيدرالية الكورية، ووفرت معلومات يبدو أنها أدت في النهاية إلى الدفع بـ«كوالكوم» إلى «الحائط»، إذ انتهت تحقيقات اللجنة مع «كوالكوم» إلى الإدانة، وأصدرت قراراً بتغريمها مبلغ 853 مليون دولار لانتهاكها قواعد المنافسة العادلة ومنع الاحتكار، في وقت تعلم فيه «كوالكوم» يقيناً أن هذه الغرامة لم تكن لتحدث، لولا تعاون «أبل» مع السلطات الكورية.

نقل المعركة

نقلت «أبل» المعركة إلى الولايات المتحدة، ونفذت هجوماً مزدوجاً آخر من هذا النوع، إذ تعاونت «بصدق»، بحسب تعبيرها، مع لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية، وقدمت لها ما جعل اللجنة تتقدم بدعوى أو شكوى رسمية للمحكمة، تتهم فيها «كوالكوم» بأنها انتهكت قوانين المنافسة العادلة في الولايات المتحدة، وتزيد من تسجيل براءات الاختراع لاستبعاد المنافسين، وترفض أي محاولة لمنح تراخيص أو مشاركة في الخبرات.

رد «كوالكوم»كان متوقعاً بالطبع، أن تفطن «كوالكوم» إلى استراتيجية «أبل» في الهجوم عليها، فأصدرت بياناً نفت فيه ارتكابها أية مخالفات، مؤكدة أن شكوى لجنة التجارة الفيدرالية معيبة على نحو كبير، وتمثل قراراً مخيباً للآمال، ويعكس انحرافاً حاداً في ممارسات اللجنة بحسب ما قاله نائب رئيس «كوالكوم»، دون روزنبيرغ، الذي أضاف أنه خلال المناقشة الأخيرة مع لجنة الاتصالات الفيدرالية، بدا واضحاً أنها لاتزال تفتقر إلى المعلومات الأساسية حول الصناعة، وبدلاً من ذلك تعتمد على معلومات وقرائن غير دقيقة، وهي اتهامات بلا أساس.

واتهم البيان «أبل»، صراحة، بأنها تثير هجمات قانونية ضدها في كل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. وقال روزنبيرغ إن «الشركة لاتزال في مرحلة مراجعة الشكوى بالتفصيل، ومن الواضح جداً أن اتهامات (أبل) بلا أساس، وهي تنقل صورة مشوهة عمداً عن اتفاقاتنا ومفاوضاتنا، وعن ضخامة وقيمة التقنية التي اخترعناها ونتشاركها مع كل مصنعي الأجهزة المحمولة من خلال برنامج التراخيص الخاص بنا، ونحن نرحب بهذه الفرصة لكي يسمع الجميع في المحكمة أن هذه الادعاءات بلا قيمة أو جدارة، وسنكشف كامل ممارسات (أبل)». وعلى الرغم من «الصراخ» الذي قابلت به «كوالكوم» هذا الهجوم المزدوج من «أبل»، فإن الوقائع المجردة تقول إن تعاون «أبل» جاء استناداً إلى معلومات فيها قدر من الجدية، أقنع لجنة التجارة الفيدرالية في كل من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة بالتحرك ضد «كوالكوم»، لذلك، فإن سخونة الصراع ستشتد خلال الفترة المقبلة.