عمّان – مال وأعمال
في عالمٍ لا يزال يضع الحواجز أمام النساء في الميادين الحساسة والمعقدة، سطّرت الدكتورة إسراء الطوالبة ملحمة نجاح استثنائية، كونها أول طبيبة شرعية امرأة في تاريخ الأردن، وأحد أبرز الأسماء في الدفاع عن حقوق الإنسان في المنطقة العربية.
منذ عام 2003، دخلت الدكتورة الطوالبة أروقة المركز الوطني للطب الشرعي، ليس فقط كطبيبة بل كمُغيرة لقواعد اللعبة. كسرت حاجز الصمت المحيط بالجرائم الأسرية، والاعتداءات الجنسية، وعنف النساء، وواجهت بمهنيتها وعلمها تحديات جسيمة في مجتمع تقليدي، لتتحول إلى رمز للعدالة والمهنية والإنسانية.
مسيرة متعددة الأوجه… من مشرحة العدالة إلى ساحات الدفاع عن الكرامة الإنسانية
إلى جانب عملها كخبيرة شرعية، حملت الطوالبة على عاتقها مسؤوليات اجتماعية وأخلاقية كبرى. فقد كانت ضابط ارتباط مع إدارة حماية الأسرة لمدة 12 عامًا، ومسؤولة عيادة الطب الشرعي، في فترة شهدت تحولات جذرية في كيفية التعاطي الرسمي والمجتمعي مع قضايا العنف الأسري والجنسي.
كما ساهمت كمدربة معتمدة في وزارة الصحة منذ عام 2009 في تدريب الكوادر الطبية على قضايا تتعلق بالعنف ضد المرأة، وحماية الأسرة، ومهارات التواصل الإنساني، ما أكسبها مكانة فريدة كحلقة وصل بين الطب والقانون والمجتمع.
لم تقتصر مساهماتها على المستوى المحلي، بل امتدت إلى الإقليمي والدولي، حيث عُرفت كخبيرة معترف بها في مواضيع جرائم الحرب، والتعذيب، والاعتداء الجنسي. فقد درّبت نشطاء حقوق الإنسان، ورجال الأمن، والأطباء، والإعلاميين، ضمن برامج معتمدة من منظمات دولية مرموقة.
القيادة الصحية… والقدرة على إدارة الأزمات
ما يميز الدكتورة إسراء هو تفرّدها في إدارة المواقع القيادية في وزارة الصحة، فقد شغلت مناصب مدير مستشفيات مثل الأمير فيصل وجميل توتنجي، وأدارت مديرية الاختصاصات الطبية، ومديرية الأزمات، ومديرية السياحة العلاجية، في فترة محورية من 2018 وحتى 2023، حيث كانت تحديات جائحة كورونا تضرب العالم. أظهرت خلالها قدرة استثنائية على اتخاذ قرارات حاسمة وإنسانية في آنٍ معًا.
التمكين من داخل المجتمع المدني
على صعيد المجتمع المدني، كانت ولا تزال الدكتورة إسراء شريكًا فاعلًا في قضايا حقوق المرأة والفئات المستضعفة. فقد عملت ضمن مجلس إدارة جمعية “تضامن” لحقوق المرأة، وكانت مساعد رئيس الجمعية لعدة سنوات، كما تولّت مناصب قيادية في جمعية الطب الشرعي.
وعملت سابقًا كرئيس لقسم في المكتب الإقليمي لـمنظمة International Planned Parenthood Federation في تونس، معنية باحتياجات غير ملباة لفئات هشة، ما يدل على مدى تغلغلها في ملفات الصحة الإنجابية وحقوق الإنسان على المستويين العربي والدولي.
امرأة من طراز استثنائي
الدكتورة إسراء الطوالبة ليست فقط طبيبة شرعية، بل امرأة من طراز استثنائي، تجمع بين الصرامة العلمية، والرؤية الحقوقية، والحنكة الإدارية. في كل موقع حلّت به، كانت بوصلة أخلاقية ومهنية، ورافعة لقضايا المسكوت عنه.
إن مسيرتها التي تمتد لأكثر من 20 عامًا هي تجسيد لمعنى القيادة الإنسانية. فهي لم تكتف بتشخيص الموت، بل أحيت القيم في مؤسسات الدولة والمجتمع، لتُصبح أيقونة حقيقية في الطب الشرعي وحقوق الإنسان في الأردن والمنطقة.
